الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"سنع القهوة".. عبق الأصالة والتراث بالعين

"سنع القهوة".. عبق الأصالة والتراث بالعين
12 ديسمبر 2011 14:31
ولما كان في تراث مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة كجزء لا يتجزأ من التراث العربي اعتبرت ظلت القهوة ولا تزال عنواناً لإكرام الضيف، في تراث مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة كجزء لا يتجزأ من التراث العربي، ولا تزال "الدلة" تتربع في المجالس وتدور فناجينها على الحاضرين في الأيام العادية والمناسبات كأحد الطقوس اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها. وعلى الرغم من تنوع أنواع القهوة وأسمائها ومصادرها وطرق إعدادها، إلا أن للقهوة العربية طقس واحد في إعدادها وتقديمها للضيف فيما يعرف في دولة الإمارات العربية المتحدة بـ"السنع"، ومن أجل تسليط الضوء على هذا الموروث الأصيل والحفاظ عليه من الاندثار ونقله إلى الأجيال القادمة، أطلق (مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الديني الثقافي) برنامجا متكاملاً تبنته لجنة الهوية والتراث الشعبي بالمركز تحت رعاية وتوجيه من رئيسة المركز الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، يقدم طقوس القهوة في الخيمة التراثية التي تنتصب شامخة وسط المركز كي يلتقي فيها الجيل الماضي بالحاضر يتعلمون ويستقون من الأمهات (سنع المجلس وطقوس القهوة العربية) حتى لا يندثر هذا التراث العريق. ولنتعرف على هذا البرنامج وأهميته وأهدافه والفئة المستهدفة منه التقينا عددا من المتطوعات المشاركات فيه ، وعلى رأسهن الشيخة الدكتورة شما بنت محمد رئيسة المركز التي تحدثت عن دور المركز في الحفاظ على التراث من الاندثار والذبول إذ تقول: "يمثل التراث ذاكرة وطن كما يعد مقوماً أساسياً من مقوماته الروحية، فهو السجل الخالد الذي يحكي مسيرة أبناء هذا الوطن، وكيف كانوا يتفاعلون مع واقعهم، وكيف أثمر هذا التفاعل تراثا ينبض بالحكمة، في مختلف جوانب الحياة، وفي مختلف المواقف، في حلهم وترحالهم، في أفراحهم وترحالهم وفي طرق معيشتهم". وأضافت: "يتجلى هذا التراث في مقومين أساسيين هما :التراث المادي المعني بالآثار والمعالم التاريخية وأنماط الزي والحرف اليدوية وأدوات الإنتاج التي كان يستخدمها الآباء والأجداد، والتراث المعنوي الذي يتجسد في العادات والتقاليد والقيم والتصورات التي تمثل المخزون الروحي للمجتمع، من هنا فإن هذا التراث يرتبط ارتباطا وثيقا بهوية المجتمع، فهو الذي يجسد الجينات الثقافية والحضارية التي تضفي خصوصية تجعل من تراث هذا المجتمع متمايزا عن غيره من تراث المجتمعات الأخرى". وتضيف: "كثير من جوانب التراث تتعرض للاندثار والذبول بفعل ما يترتب على ظاهرة العولمة وما واكبها من ثقافة كونية تميل إلى تهميش الثقافات الوطنية وتقضي على ما يميزها من ثراء وتنوع ، ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام بالتراث وضرورة المحافظة عليه فالمحافظة على التراث قرين المحافظة على الهوية الوطنية، ويعد (مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الديني الثقافي) من أولى مؤسسات المجتمع المدني التي دعت إلى ضرورة وضع خطة قومية للمحافظة على التراث، فإننا ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن هذه المهمة أصبحت مهمة وطنية يجب أن تتكاتف من أجلها كافة المؤسسات الوطنية ، وتتضافر من أجلها كافة الجهود الرسمية والأهلية، خاصة في ظل تعاظم التحديات التي تهدد تراثنا الوطني وهويتنا الوطنية، وتؤدي على انقطاع الصلة بيننا وبين تراث آباءنا وأجدادنا، ومن هذا المنطلق تضع لجنة الهوية والتراث نصب عينيها عددا من المشروعات التي نسعى من خلالها إلى إحياء تراث الدولة بشقيه المادي والمعنوي." مديرة المركز موزة القبيسي، أشارت إلى أن مشروع "الهوية والتراث الشعبي" انطلق منذ عام بمشاركة ومساندة 170 سيدة من سيدات مدينة العين معظمهن من ربات البيوت وتتراوح أعمارهن بين 50 -70 سنة، تم دعوتهن للانضمام إلى البرنامج فسارعن بالتطوع فيه وذلك من أجل الاستفادة من المخزون التراثي الذي هو بمثابة كنز ثمين يراد نقله إلى كافة شرائح المجتمع، فهذا البرنامج - بحسب القبيسي- لا يستهدف فقط طلاب وطالبات المدارس والجامعات في العين ممن يحملون الجنسية الإماراتية، فقط بل يستهدف جميع شرائح المجتمع على اختلاف جنسياتهم وأعمارهم وذلك من أجل تعريفهم بتراث دول الإمارات العربية المتحدة العريق. وتبين القبيسي أن مشروع الهوية والتراث الشعبي واسع النطاق ومتشعب، ويأتي موضوع تعليم "سنع القهوة" في مقدمة المواضيع التي تم تناولها كل يوم اثنين على مدار عام 2011 في الخيمة التراثية التي نصبت في باحة المركز، وتنقلت بين قرية العين التراثية و"جامعة أبوظبي" في أبوظبي وفي بر منطقة ناهل إذ كانت واحدة من المحطات التي وقف لديها سفراء الدول من أجل التعرف على تراث مدينة العين والمعالم التاريخية فيه.. حيث قامت المتطوعات بالحديث عن تاريخ القهوة العربية وعاداتها وفن تقديمها بأسلوب عملي أمام جميع الفئات العمرية سابقة الذكر. كما شهدت "الاتحاد" إحدى الورشات التدريبية لطالبات المدارس في تعليم "سنع القهوة" والتي قدمتها المتطوعتين نجيبة محمد الجابري وعائشة النعيمي، وراقبت عن قرب تفاعل الطالبات مع الأسلوب الرائع الذي قدمت فيه نجيبة وعائشة المعلومات المتعلقة بذلك والذي اتسم بالوضوح والبساطة وروح الفكاهة نظراً لأن الطالبات كن في الصف الخامس واحتجن لأسلوب لجذبهن وإثارة حماسهن للاستماع والمشاركة والتفاعل مع ما يقدم لهن، فلا يشعرن بالجمود أو الملل. في مستهل حديثها تحدثت نجيبة الجابري للطالبات عن تاريخ القهوة وبينت أنه قديما كان يتم جلب القهوة من المدن مثل دبي وأبوظبي، وكان البدوي يقطع مسافات طويلة على ظهور الإبل لشراء مير الأسرة، وظلت القهوة أهم ما يتم شراؤه، ومن ثم انتقلت للحديث عن أبرز أنواع القهوة العربية التي استساغها أهل الإمارات مثل السيلانية المستوردة من سيلان (سيريلانكا) والقهوة اليمنية والحبشية، ولكن الاعتماد كان أكبر على القهوة السيلانية، كما يوجد أنواع من القهوة دخلت الأسواق وانتشرت مثل البن الأميركي والبرازيلي والإفريقي والكيني، ولفتت إلى أن شارب القهوة العربية ومتذوقها يميز بينها وبين تلك الأنواع. كما استعرضت الجابري أدوات القهوة مستعينة بالدلال الثلاث والفناجين وغيرها إذ قالت: "أدوات القهوة هي (الخمرة وهي دله كبيرة الحجم كانت تملأ بالماء وتوضع وسط الموقد كي يظل الماء بها ساخنا في حال الحاجة له لإعداد القهوة، أما الدلة الوسطى في الحجم فتسمى (التلقيمة) وتستخدم لغلي القهوة، حيث يسكب فيها الماء وتضاف القهوة المدقوقة، وتترك حتى تغلي، وفي العادة تظل هذه الدلة على النار منذ الصباح وحتى المساء، وتزاد لها كمية الماء والقهوة كلما نقصت ولا تغير حتى اليوم التالي،. ثالث أنواع الدلال وهي أصغرها حجما وتسمى (المزلة) وتمتاز بأنها تحافظ على لونها أكثر من غيرها وذلك لأن النار لا تلفحها بعكس باقي الدلال، إذ يوضع فيها "جناد" القهوة من هيل وزعفران ومسمار ويتم صب القهوة فيها من دلة "التلقيمة" كي يدار بها في المجلس على الضيوف". وتنتظر الجابري زميلتها عائشة النعيمي حتى تشعل النار تحت الفحم من أجل حمس القهوة ومتابعة الشرح للطالبات عن الأدوات الأخرى التي يتم فيها تجهيز القهوة، وحتى يحين ذلك تنتقل إلى الحديث عن أنواع الفناجين التي تقدم بها القهوة وتقول: "الفنجان الأول يسمى "الهيف" وهو الفنجان الذي يشربه صاحب المجلس أو المضيف ليتأكد من سلامة القهوة وجودتها، والفنجان الثاني يسمى "الضيف" وهو واجب الضيافة، حيث كان الضيف قديما في البادية مجبر على شربه إلا في حالة العداوة، أو أن يكون للضيف طلب صعب عند المضيف فلا يشربه إلا بعد وعد المضيف بتلبيته، والفنجان الثالث يسمى "الكيف" وهو الفنجان الذي يقدم للضيف وهو ليس مجبورا على شربه ولا يضير المضيف إن لم يشربه الضيف إنما هو مجرد تعديل كيف ومزاج الضيف وهو أقل فناجيل العرب قوة في عاداتهم، أما الفنجان الرابع فيعرف بالسيف غالبا ما يتركه الضيف ولا يحتسيه لأنه أقوى فنجان قهوة لدى عرب البادية إذ يعني أن من يحتسيه فهو مع الضيف على السراء والضراء ومجبر على الدفاع عنه بحد السيف". وأمسكت الجابري بيدها اليمين الفناجين وقالت نحن أهل اليمين فلا نأكل ونشرب إلا باليمين ونقدم ضيافتنا باليمين وأمسكت الدلة باليسار وأخذت تشرح ضرورة الالتزام باليد التي تمسك فيها كل من الدلة والفناجين، وشرحت أنه يبدأ بتقديم القهوة لكبير المجلس سواء من حيث السن أو المكانة الاجتماعية ومن ثم للضيوف عن يمينه، وأكدت على ضرورة أن يظل المضيف (المقهوي) واقفا حتى يكتفي الحضور من القهوة وعلامة ذلك هز الفنجان وإن لم يهزه المضيف فهو يطلب المزيد، وتناولت آداب شرب الضيف للقهوة بأن عليه أن لا يضيع الفنجان على الأرض بعد الانتهاء من شربها لأن ذلك عيبا في حق المقهوي بل يجب أن يحتفظ به حتى يعود المقهوي إليه ويأخذه منه، ولا يجوز في عرف القهوة التخطي بل تقدم من يمين كبير الجالسين وبالتسلسل وإن كان بينهم طفل صغير فتقدم له وإن رفضها ينتقل لمن يليه، كما يجب أن تقدم القهوة للضيف أقلها 3 مرات عند قدومه وبعد الفاكهة وبعد وجبة الطعام التي يكرم بها الضيف سواء كانت غداء أم عشاء . بعد ذلك نهضت الطالبات مع الجابري وانتقلن من داخل الخيمة التراثية إلى زاوية الخيمة التي تعد فيها القهوة حيث طبقت عائشة النعيمي ما قالته زميلتها نجيبة حول خطوات إعداد القهوة وتجمهرت حولها الطالبات يترقبن بشغف ما تفعله عائشة وأخذن يشاركنها عبر الإمساك بالمحماس وأخذن طالبة تلو الأخرى يقلبن حبات القهوة الخضراء حتى صار لونها بنيا ومن ثم قمن بدقها وتسلسلت الخطوات سابقة الذكر واستمتعن بتذوقها، وعدن أدراجهن بعد أن تم توزيع قصص عليهن إذ قامت إحدى المتطوعات بالمركز بتأليف قصتين الأولى بعنوان "سنع القهوة" والثانية بعنوان "آداب الطعام" وقام المركز بطباعتها وتوزيعها على الطلبة وقت حضورهم للخيمة، وسيتم إصدار قصص أخرى قريبا تندرج تحت سلسلة قصصية واحدة مترابطة المضمون الذي يسعى إلى تعميق التراث في النفوس وتعزيز الهوية الوطنية . من جانب آخر عبرت مجموعة من الأمهات والجدات اللواتي يشاركن بعضويتهن التطوعية في نشاطات المركز التابعة للجنة الهوية والتراث الشعبي عن أهمية دورهن في ترسيخ الوعي بأهمية التراث في بناء شخصية أبناءنا وبناتنا الوطنية المتوازنة المتمسكة بجذورها الثقافية وتراثها وعاداتها وتقاليدها وشعبها. وبينت أم يوسف القرني 47 سنة أنها تشارك في تعليم سنع القهوة للكبار والصغار من أبناء المجتمع، أما طماعة الساعدي 65 سنة فأشارت أنها تعرض طريقة صنع التلي على الكاجوة وطريقة صنع أكلات شعبية مثل الخبز المنزغ واللقيمات والبلاليط وتشاركها في ذلك عفراء سعيد إذ تعد هي الأخرى الهريس وغيره وتعرضه أمام الزوار في الخيمة وتعرض أدوات تراثية قديمة تحتفظ بها منذ زمن مثل المكب والصرود والسماط وغيره . وتقوم فاطمة الكعبي 62 سنة بعرض أدوات تراثية أخرى مصنوعة من الخوص مثل المزماه (القفير) والقبع ( غطاء الفوالة ) والمهفة وتتداول مع الباقيات عرض طريقة صناعة التلي. ولدى بخيتة الشامسي 42 سنة الكثير من الأزياء الشعبية الإماراتية القديمة التي لا تزال تحتفظ بها حتى يومنا هذا وتحضرها بين وقت وآخر لتعرض في الخيمة التراثية وتقف لتشرح عنها وتذكر أسماءها وأنواعها ومن يلبسها ومناسبة لبسها وما إلى ذلك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©