الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الدين العام ومدن الصفيح والبطالة أبرز تحديات الصحوة الفرنسية

20 مايو 2007 00:20
أورينت برس ـ خاص: يعني حل الرئيس الفرنسي الجديد لمشكلات البطالة، والدين العام الذي يتطلب فوائد سنوية بقيمة 39 مليار يورو، وتدنّي القدرة الشرائيّة، والأموال المخصّصة للأبحاث التكنولوجية والبيولوجية، فرنسا التي يحلم بها· وليست الجوانب الاقتصادية للتقدم خلال السنوات المقبلة بخافية عن الرئيس الجديد او الشعب الفرنسي فقد قال ساركوزي: قبل أن أفهم العالم كثيراً، عليّ أن أفهم فرنسا أكثر''· بينما أكدت الصحف الفرنسية على أهمية حل تلك المشكلات، وكتبت صحيفة ''لوكنار انشينه'' الساخرة انه ''حتى التاريخ يحتاج إلى الخبز''، أو أنه ''يؤكل أحياناً بالخبز''· وتبنت صحف اخرى شعار أن المطلوب من الرئيس الجديد ''إصلاح المصعد (الإيقاع الاقتصادي) أو تحديثه''، وقالت ''الفيجارو'': الأسواق لا تفتح إلا بـ ''السياسات الخارجية الخلاقة''· ومن ثم فإن السؤال المطروح في ظل التقارب الفرنسي الأميركي هو: هل اكتشف ''ساركوزي'' أن توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة يتيح أمام فرنسا ولوج أسواق كثيرة، بعدما تردد ان الأميركيين كانوا وراء تقويض أكثر من صفقة كانت باريس على وشك إبرامها مع دول من النوع الممتاز، لاسيما في مجال شراء الأسلحة ؟· لاشك أن دعوات التوجه نحو أميركا لم تكن وليدة اليوم، بل طرحت نفسها منذ سنوات مضت عندما تحدث ''جان - ماري لوبن''، رئيس الجبهة الوطنية، بفظاظة عن ''مستوطنات الماعز'' في الضواحي· معتبرا انّ المهاجرين نقلوا معهم ''ثقافة الماعز'' إلى فرنسا التي تنتج الطائرات والدبابات والزوارق الحربيّة والقطارات المتطوّرة، فضلاً عن الشوكولا، والأزياء، ومستحضرات التجميل، والأدمغة التي تجوب العالم، والعديد منها يستقر في الولايات المتحدة· وفي عام ،1967 أصدر ''جان جاك سرفان شرايبر'' كتابه الشهير ''التحدّي الأميركي'' الذي أبدى فيه انبهاره بالولايات المتحدة ليدعو إلى التبعيّة الاقتصادية لها بعدما تبيّن انه من أصل 500 شركة عملاقة تعمل في القارة العجوز، هناك 340 أميركية· هذا في الوقت الذي بلغت فيه الأوضاع الاقتصادية الفرنسية ترديا ملموسا في الفترة الأخيرة، في ظله طالب الفرنسيون بتفعيل القوة الشرائية للعائلات التي يعيش 14 % منها تحت خط الفقر في ظل الارتفاع المنهجي في الأسعار الذي يطاول المحروقات، واللحوم، والتبغ، والخبز وغيرها وغيرها· كما تقول الأرقام إنّ القدرة الشرائية ارتفعت من 1,1 % عام 2005إلى 2,7 % في عام ،2006 ويتوقع أن تصل هذا العام إلى 3 %، رغم انخفاض معدل التضخم إلى 1,5 % عام ،2005 وتوقع استقراره منتصف العام الحالي عند 0,9%· وثمّة مّن يحذر من مدن الصفيح في فرنسا، فالإيجارات تلتهب بمعدل لم يحدث ذلك منذ نحو عشرين عاماً، وأصبحت تستهلك الجزء الأكبر من الراتب الشهري، ولم تفلح كل الإجراءات التي اتخذت في تحقيق نتيجة حاسمة، فيما بدأ الريف الجميل، و''المتزن'' بدوره، في الزحف على المدن ليشكل أحزمة ريفية تحيط بها· وفي خضم أزمة الايجارات يلفت الانتباه الإقبال على شراء المساكن، حيث بلغ عدد الوحدات المباعة خلال العام الماضي 730 ألف وحدة، أكثر من الضعفين مقارنة مع عام ·1999 لكن المعروض أقل بكثير من المطلوب، ولايزيد عما يتراوح بين 400 و500 ألف في العام، ومع خفض معدلات الفائدة التي تساعد على الشراء، تقلص دعم الحكومة في مجال البناء كما لم يكن عليه منذ ثلاثين عاماً· وفي سياق البطالة ربما يكون صحيحا ان المعدل تدنى إلى 8,3 %، مقابل ما يتراوح ما بين 11 و12 % في السابق، لكن عدد العاطلين عن العمل في فرنسا يصل إلى 2,037 مليون، اخذاً في الاعتبار ظاهرة من يضطرون للدخول إلى سوق العمل بوظائف أدنى من كفاءاتهم، مما دفع العديد من الفرنسيين إلى الهجرة حتى إلى افريقيا، فيما اليمين المتطرّف يطلق ناقوس الخطر خشية أن تخلو فرنسا من الفرنسيين بسبب تدني نسبة الولادات، والزيجات أيضاً· في نفس الوقت الذي تراجعت فيه تقديمات الضمان الاجتماعي، والمخصصات التي تدفع إلى العاطلين، الأمر الذي يشكل هاجساً كبيراً، لاسيما لصغار السن، وإن كان المتقاعدون يبدون مخاوفهم من الموت على الأرصفة· على صعيد آخر تتسع الفجوة بين الطبقات بصورة مثيرة· حتى أن هناك مَن يطرح مثل هذا السؤال: ''هل عادت، حقاً، طبقة النبلاء ؟· فالأثرياء يزدادون ثراءً· وبينما وعد ''ساركوزي'' بخفض الضرائب على الشركات، على أساس أن ذلك يساعد المنتجات الفرنسية على المنافسة، ويؤمن فرصاً إضافية للعمل، فإن الاشتراكيين يرون المسألة من زاوية أخرى: لنفتح كل الأبواب أمام الأغنياء، ولنقفل كل الأبواء في وجه الفقراء· وفوق هذا وذاك فإن العلاقات داخل العمل تزداد جفافاً، وتكاد تخلو من البُعد الإنساني، ويطالب الاختصاصيون ساركوزي بوضع برنامج يساهم في تنفيذه باحثون نفسانيون واجتماعيون لإضفاء الحرارة والحيوية على تلك العلاقات التي تحدث مستوى معيناً من التوتر (الهيستيري أحياناً)، وباتت المشكلة تؤرق الكثير من الصحف حتى أن إحداها اقترحت تقديم فترات من موسيقى البوب في المصانع· وقال ''ريمون آرون'': الثورة الصناعية جعلتنا نصف مجانين على الأقل! وسبق للفرنسيين أن انتفضوا بسبب تدني مستوى الأموال المخصّصة للأبحاث التكنولوجية (والطبّية)، في حين تمضي دول مثل الصين والهند صعوداً في هذا المجال، مما يعني أنّ المنتجات الفرنسية في مجال المعلوماتية والالكترونيات المتطورة ستواجه صعوبات فيما يتعلق بنوعيّة المنافسة· وإذا كانت الدولة تغطي جزءاً من نفقات الأبحاث التي تساهم فيها مجموعات صناعية، فإن النسبة تظل أربع مرات أقل منها في الولايات المتحدة وثلاث مرات أقل من المانيا واليابان· وربما يترتب على ذلك ما يسمى بالهجرة الرمادية (هجرة الأدمغة) إلى الولايات المتحدة وكندا· ولا تتوقف المشكلات عند هذا الحد، فالاقتصاد الفرنسي يعاني من مشكلات بنيوية عدة تتمثل في ارتفاع العجز التجاري في العام الماضي إلى 29,2 مليار يورو، وهو رقم لم يبلغه منذ عام ،1980 مع انحسار تدريجي في الأسواق· وأصبح الدين العام يعادل 63,9 % من الناتج المحلي العام للعام الماضي، وهو يرتب فوائد سنوية بقيمة 39 مليار يورو· وإذا كان البعض يرى أن ساركوزي يواجه مهمة صعبة في إعادة بناء السياسة الخارجية الفرنسية، فإن النجاح في تحقيق هذا الهدف يتوقف على مدى النجاح في حل المشكلات الاقتصادية باعتبارها مفتاح الداخل والخارج على حد سواء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©