الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طلاق بالجملة!

طلاق بالجملة!
31 يناير 2013 20:37
نورا محمد (القاهرة) - دخل الأعرابي على زوجاته فوجدهن يتشاجرن، وكان قد ضاق بهن ذرعا، فتوجه إلى إحداهن، وقال لها منذ أن جئت إلى هذا البيت والمشاكل لا تتوقف فأنت طالق، فسألته الثانية، ماذا فعلت كي تطلقها، فقال لها وأنت طالق، فقالت الثالثة ألم تجد شيئاً غير الطلاق تعاقب به، فقال لها وأنت طالق، فاستنكرت الرابعة، وقالت هل جننت، فقال لها وأنت طالق، وسمعته زوجة جاره، فقالت ما رأينا واحداً من العرب يطلق كل نسائه في لحظة إلا أنت، فقال لها وأنت لو أجاز لي زوجك فأنت طالق، فسمعه الرجل وقال له قد أجزت قد أجزت. تذكرت هذه الواقعة ولم أكن أصدقها من قبل لأنها ضرب من الخيال منذ سمعتها، فربما تكون مجرد مثل لا أصل له في الواقع، وإن كانت حقيقة أو خيالاً، فالمهم أنها تكررت وطلق زوجي نساءه الثلاث في لحظة واحدة وغيابياً من دون علمهن، أرسل لكل واحدة ورقة طلاقها على عنوان مسكنها، في البداية اعتقدت كل واحدة منهن أنه طلقها وحدها، ولكن بعد أن أجرينا اتصالات ببعضنا، علمنا بالواقعة التي فعلها رجل من هذا الزمان. كنت في العشرين من عمري، وقد انتهيت من دراستي وحصلت على مؤهل متوسط عندما تقدم لخطبتي، كان في الرابعة والأربعين من عمره، واضح وهو يقدم نفسه وواثق من إمكاناته، عرض أن أختار الشبكة بنفسي بلا تحديد، شقة فاخرة في منطقة جديدة راقية، مصروف شهري بعد ذلك يعادل مرتب ثلاثة موظفين كبار، بخلاف تحمله كل احتياجات ومصروفات البيت، ولن يكون متفرغاً لي طوال الوقت، فهو مشغول في أعماله الكثيرة، وبين بيوته، فهو متزوج من اثنتين قبلي ما زالتا على ذمته وكل واحدة منهما تقيم في مسكن مستقل بعيدا عن الأخرى. الرجل أكبر من عمر أبي، ليس فيه أي إغراء لفتاة مثلي، فأنا أريد أن أعيش فترة خطوبة مثل كل البنات مع شاب يقاربني في العمر، أحلم معه بالمستقبل، نتفاهم أو نختلف، نبني عشنا بأيدينا، وكما يحلو لنا وسنرتضيه مهما كان بسيطاً، لكن شتان بين الحقيقة والخيال والحلم والواقع، هكذا قال كل من حولي أبي وأمي وأخواتي وصديقاتي وقريباتي، كأنهم اتفقوا وهم في جانب وأنا في جانب، يرون أن تفكيري هو الخيال البعيد عن الواقع، فلا يوجد الشاب الذي أحلم به، فكلهم لا يملكون مالاً ولا عملاً وعندما يكون الواحد منهم مستعداً للزواج يكون في عمر هذا الرجل، ولن يكون في مستوى إمكانياته، ليس أمامي إلا أن اغتنم الفرصة وأوافق قبل أن تفوت ولا تعود. ارتبكت الحسابات واختلطت الأوراق في رأسي، لم أكن قادرة على اتخاذ القرار المناسب لأن المسألة لا تحتمل التجريب، والخسارة في كلتا الحالتين ليست سهلة أو قليلة، أصبحت بين نارين، اعترف بأنه عريس «لقطة» من ناحية الإمكانيات خاصة وأنه لن يكلف أسرتي أي شيء وتعهد بأن يتحمل كافة نفقات الزواج من الألف إلى الياء وسيوفر لي حياة كريمة تحلم بها كل بنت، لكن لا يمكن أيضاً أن أتجاهل الفارق بيننا في العمر وأنني سأتزوج «ربع» رجل، لأن وقته سيكون مقسماً بين الزوجات والعمل، ومن ناحية أخرى فأنا لا أملك إلا بعضاً من الجمال الذي لا يصل طبعاً إلى حد الإغراء، وهذا وحده لا يكفي، وأسرتي فقيرة، ونعيش بالكاد على هامش الحياة، نحصل على الضروريات بشق الأنفس ولا نجدها أحياناً. والسؤال الذي وقفت أمامه كثيراً: كيف سيكون التعامل مع ضرتين، ووجدت إجابات كلها تهون من الموقف، فالرجل مقتدر ويمكنه أن ينفق على عشرة بيوت، وكل واحدة في بيتها المستقل بعيدا عن الأخرى، ولذلك لن يكون هناك أي نوع من المشاكل أو الاحتكاكات، بل سأحظى بمعاملة خاصة لأنني الأصغر سناً والأجمل، والأخيرة، فلو لم يكن يرى فيّ ما لا يراه فيهما ما أقدم على الزواج مني، ومن ثم فهذا التخوف لا محل له على الإطلاق ولا داعي لطرحه أو التفكير فيه، بل جعلتني هذه الآراء أشعر بميزاتي وبنفسي وربما أتباهى بها بين الضرتين، فالنساء يسعدهن الكيد للأخريات. وافقت وكان الرجل عند كلمته، وقد كنت سعيدة بحياتي معه في بدايتها، وتخليت عن الحذر والترقب، لأنه عوضني عن الحرمان الذي كنت أعيش فيه ونال أسرتي بحبوحة العيش بعلمه وعن طريقه لا من وراء ظهره، ولكن ذلك بشكل مؤقت، سرعان ما بدأ يتلاشى كله، فقد عاد لانشغالاته وتعرض لضغوط من زوجتيه، تطالبان فيها بحقوقهما، وكي يريح رأسه قسم وقته بيننا لكل واحدة يومان في الأسبوع والسابع يختاره هو لنفسه ليس من حق أي واحدة أن تسأله عنه أو تطالبه به، ولا نعرف أين يذهب فيه ولا مع من ولا كيف يقضيه، وقد كان حازماً حاسماً في ذلك، لا يسمح بمجرد النقاش في هذا الأمر، وحاولت أن أحصل على هذا اليوم لنفسي، فكان يستجيب أحياناً، وهذا ما جعلني أشعر بمكانتي عنده، فأتدلل في المطالب. حياة زوجي كلها غامضة، فرغم أنه من أسرة فقيرة، ولا يملك أحد من أقاربه من حطام الدنيا شيئاً، فقد خرج وحده من الفقر المدقع فجأة إلى الثراء والمقاولات وأصبح من أصحاب البنايات والأموال ولديه شركة واسعة الأعمال، وأتاح له عمله هذا التعامل مع الكبار واستطاع أن يستغل كل هذه العلاقات غير المتكافئة ليستفيد من ورائها، سر ثرائه مازال دفيناً، ولا يحب أن يحدثه أحد عنه، يقول إنه عصامي بنى نفسه بنفسه، وكافح وتعب من أجل هذه الثروة، ولم تأته بضربة حظ ولا بميراث، لذلك، فإنه يحافظ عليها ويعمل على تنميتها إلا في الزواج فإنه مستعد للإنفاق إلى أقصى مدى، سمعت كلاماً لا أعرف مدى صحته ولم أجد مصدراً للتأكد منه، يتردد أن مصدر ثروته في الأصل من المال الحرام، فقد عثر على كمية من المخدرات على شاطئ البحر هو وثلاثة من أصدقائه، تركوها له لأنهم خافوا من السقوط والسجن، لكنه تجرأ واستطاع أن يبيعها بمبلغ كبير كان أساس ثرائه، وانتقل بعد ذلك إلى أعمال المقاولات ليغطي على هذا، لكن يقال أيضاً إنه لم يقرب أي مال حرام بعد ذلك، ولأنني لست متأكدة من ذلك فلم أكن قادرة على مواجهته ولا اتخاذ موقف، نعم أنا لا أقبل الحرام، لكن ليس لدي دليل، وقد تزوجته على هذه الحال ولم ألحظ عليه أي انحراف طوال حياتنا الزوجية التي تزيد على ست سنوات أنجبت خلالها طفلين، وله من زوجتيه الأخريين خمسة آخرون. استطاع زوجي بماله أن يوفق بين الزوجات والأبناء، كثيراً ما يجمعنا على عشاء جماعي أو سهرة أو حفل عام، عندما نجتمع يظهر لنا أننا متساويات في كل شيء، وعندما يخلو بكل واحدة يظهر لها أنها الأهم بيننا، والمرأة يذهب عقلها أمام كلمات الإطراء والتمييز خاصة على الضرة، ومع أنه لم يكن حاصلا على أي قسط من التعليم، فقد كان يجيد فن التعامل معنا، ولديه قدرة عجيبة على الحسابات شفوياً لا كتابة مع ذاكرة حديدية، كان يحذرنا من غرس الكراهية بين أبنائه، ويحثنا على التأكيد لهم أنهم إخوة، وقد كنا نتزاور نحن الضرائر، ربما من أجل معرفة بعض الأسرار عن الزوج الذي نتقاسمه، وربما طمعاً في المزيد من الاستحواذ عليه بشتى السبل. تخطى زوجنا الخمسين من عمره، ظهرت عليه بعض التغيرات من تلك التي تعرفها النساء، يغيب عن مواعيده ولا يلتزم بالجدول المحدد منذ سنوات، شكوانا كلنا كانت واحدة، ولا حجة له إلا الانشغال بأعماله التي تتسع ولا يأمن أحداً عليها، ولا بد أن يباشرها بنفسه، كنا مضطرات للتصديق مع الشك، إذ لم يكن هناك جديد يستلزم ما يقول إلى أن جاءت الإجابة مكتوبة، عندما وجدت موظف المحكمة يسلمني، قسيمة الطلاق الغيابي من زوجي، لم أصدق لابد أن هناك خطأ ما، اتصلت به لم يرد، وبينما أنا أحاول لعدة مرات جاءني اتصالان من الضرتين، فقد حدث لهما ما حدث لي، لقد قام زوجنا في نفس اليوم واللحظة بتطليقنا نحن الثلاث غيابيا وبلا أسباب أو سابق إنذار، كما فعل ذاك الأعرابي قديماً. أصابنا الجنون وتجمعنا في بيتي لنتدارس الموقف، كنا نغلي كالمراجل، ونحن عاجزات عن التوصل إليه وإلى حل الغموض الذي يحيط باختفائه إلى أن جاءنا الخبر اليقين، زوجنا العجوز يحتفل بحفل عرسه الرابع، اختار فتاة صغيرة جميلة حسبما رآها في عينيه، ولكن ما المانع أن تكون الرابعة؟، الجواب إنها اشترطت أن تكون زوجته الوحيدة ولا تشاركها أي امرأة أخرى فيه، وعندما سال لعابه عليها، وهي تعمل لديه في شركته، وطلب منها الزواج كان شرطها الأول أن يطلق زوجاته الثلاث، وقد كان ضعيفا أمامها واستجاب لها على الفور، وقبل أن يعقد قرانه عليها قام بتطليقنا بالجملة، ألهذا الحد يمكن أن يسيل لعاب رجل عجوز أمام أي فتاة، يلقي بكل أبنائه وزوجاته ويخرب بيوته انصياعاً لأوامرها، أنها بالقطع تصرفات شخص فقد عقله. المؤكد أننا لسنا نادمات على فراق رجل بهذه المواصفات، لكننا نادمات على العمر الذي ضيعناه معه، وترى الأولى أنها الأكثر خسارة، لأنه تزوجها وهو لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، وتعبت معه وذاقت الأمرين في فقره وعملت خادمة من أجل أن تشاركه تحمل أعباء الحياة، وعندما أمسك بالمال كان أول شيء فعله أن جاء لها بضرة، أما الثانية، فقالت إنه غرر بها وادعى أنه غير سعيد في حياته مع زوجته التي تعاني الأمراض، ولم يكن صادقاً في ذلك وبعد عامين جاءها هي الأخرى بضرة هي أنا. أما أنا فلا ألومن إلا نفسي لأنني كنت على علم بكل التفاصيل، ولا ألوم تلك التي كانت سبباً في طلاقنا، لأنني يوماً قبلت أن أشارك زوجتين في رجل، أما هي فرفضت كل الشراكات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©