الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فرقة أم القيوين تصنع مسرحاً جميلاً.. بالشَّغَف

فرقة أم القيوين تصنع مسرحاً جميلاً.. بالشَّغَف
21 مارس 2016 23:32
إبراهيم الملا (الشارقة) يمكن وصف عرض (حافة الاقتراب) الذي قدمته فرقة مسرح أم القيوين مساء أمس الأول بقصر الثقافة بالشارقة، بأنه عرض يمتلك عافية فنية وطاقة أداء حيوية، عزّزتها مقاصده ونواياه المهمومة أصلا وابتداء باحتضان المواهب المسرحية الشابة وتطوير علاقتها بالخشبة، بغض النظر عن التكوينات الناقصة في البناء العام للعرض، وبغض النظر أيضا عن الهنّات البسيطة في توزيع الإضاءة والمؤثرات السمعية وفي حوارات الممثلين وتعبيراتهم الجسدية، إلا أن المحاولة الجريئة التي أقدم عليها الفنان محمود أبو العباس مخرج ومؤلف العمل باعتماده الكلّي على الوجوه الجديدة في المشهد المسرحي المحلي، هي محاولة تحسب له دون شك، وتضيف لرصيده الإبداعي مغامرة فنية أخرى، اكتسبت امتيازها هذه المرة من نقاء جوهرها لا من زلّات مظهرها. أدرج عرض (حافة الاقتراب) خارج المسابقة الرسمية للدورة 26 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ولكن مكاسبه وعلى المدى البعيد ستذهب لمصلحة فرقة أم القيوين، وللحركة المسرحية المحلية عموما، لأنها جاءت أقرب إلى الورشة المفتوحة على اقتراحات ورؤى وانزياحات موجهة نحو المستقبل الواعد الذي ينتظر الشباب المشاركين في العرض، والذين تحملوا عبء التجربة الصعبة في احتواء المقولات الشائكة للنص، وترويض الإسقاطات الرمزية التي ارتآها المخرج لاستحضار ثيمات العنف والرعب والصدمة والشتات المزدحمة على طول الجغرافيا العربية وفي عمق الأيديولوجيا الدينية والاحتراب السياسي والمناطقي. يبدأ العرض بإضاءة خافتة في عراء مهجور، يتخلله حوار محتدم بين شخص يبدو هاربا ومطاردا (الممثل حيدر أبو العباس)، وبين صاحب العربة ( الممثل حسن سعيد سالم) الذي يحمل حقيبة الشاب الهارب، يقول له صاحب العربة: «هل ضاقت بك الأرض، لتأتي وتدفن نفسك في هذه الأرض الفراغ»، ويرد عليه الشاب: «الفراغ هو كل ما أبتغيه، فأنا أبحث عن الهدوء، لقد خربوا الأرض، الدمار في كل مكان، وأزيز القذائف حطّم كلّ روحي». وعلى يمين الخشبة ثمة منزل حجري متواضع ومغلق على أسراره، يخرج منه رجل هرم وغريب الأطوار (الممثل محمود القطّان) يصفه صاحب العربة بالرجل الذي تقيّأته الدنيا، ووقع في هذا المكان منذ زمن بعيد. يقرر صاحب العربة مواجهة الأشرار الذين تسببوا بكل الخراب المحيط بالمدينة والذين نراهم خلف غلالة معتمة في عمق الخشبة، بحيث تتداخل أجسادهم الضارية وأصواتهم الخشنة لتبدو مثل جوقة سوداء وشرسة لا تعرف لغة للحوار، بل هي محتقنة بنوايا داكنة ملؤها العنف والانتقام، ونراها وهي تترجم هذا العنف بممارسات همجية، يذهب ضحيتها صاحب العربة، ففي كل مرة يلجأ فيها للتواصل مع هذه الجوقة البربرية، يجد نفسه مصابا بتشوهات جسدية، تنتهي بقطع لسانه وفقع عينيه وهو مرمي في عربته مثل جثة تنتظر الدفن. في الجانب الآخر يكشف لنا الرجل غريب الأطوار عن مأساته المتمثلة في حرق الأشرار لمنزله القديم، واحتراق زوجته مع البيت، ليتحول جسدها إلى رماد، جمعه الرجل في زجاجة ما زال يحتفظ بها كتذكار لعشق تبخّر ذات حرب، وكسلوى وحيدة في منفاه الاختياري بعيدا عن صخب المعارك، وبعيدا عن جنون الانتحاريين بمفخخاتهم وأحزمتهم الناسفة. ونستمع للشاب وهو يبوح للرجل باعترافاته المرّة: «المسافات أغرقتنا في قعر التخلّي، صرنا نلوذ بأنفسنا، وأصبحت أحلى الكلمات: يا روح ما بعدك روح»، وهي عبارة تختصر النوازع الأنانية المستشرية في أزمنتنا الضبابية، حيث الكل مستتر خلف قناعه الزائف، والكل يبحث عن خلاصه الفردي، دون التفات لعذابات الآخرين، ودون بحث عن خلاص جماعي للبائسين والمشردين وسط خطيئة الأزمنة والأمكنة التي لم يختاروها. يختتم العرض باقتحام الشاب لمنزل الرجل من أجل اكتشاف أسراره وخباياه، ولكن المقلب الآخر للمنزل لن يكشف سوى عن الخواء واليأس المقيم في ذاكرة الرجل نفسه، حيث الوجود أشبه بالعدم، وحيث الحياة مجرد زحزحة خائبة لصخرة الموت، وحيث كل بارقة أمل هي انطفاء مكرر في خرائب ليل لا ينجلي. سعيد سالم: لا مقر لنا ولا ميزانية وتحدينا أنفسنا بهذا العمل في كواليس المسرح، وبعد العرض، التقت «الاتحاد» الفنان سعيد سالم رئيس مجلس إدارة مسرح أم القيوين الوطني الذي أعرب عن ارتياحه بأداء الممثلين الشباب الذين قدموا ولأول مرة أدواراً رئيسية في مهرجان كبير مثل مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وقال سالم: «لقد تحدينا أنفسنا عندما قررنا تقديم عرض مسرحي متكامل أمام جمهور الأيام، في الوقت الذي رأى فيه الجميع استحالة مشاركتنا في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها مسرح أم القيوين منذ ثلاث سنوات». وأضاف بأن مسرح أم القيوين الذي قدم أعمالاً باهرة وحاضرة في ذاكرة المسرحيين منذ سنوات طويلة، بات اليوم مشتتاً ويقيم في الشارع، ويفتقر إلى مقر يضم أعضاءه، كما أنه لا يملك ميزانية، ولا مكاناً لإقامة البروفات وتمارين الأداء واجتماعات أعضائه، ونوه سالم بالدور الكبير والتضحيات المقدرة التي قدمها الفنان محمد أبو العباس مخرج ومؤلف العمل، والذي وقف مع الفرقة وساندها وهي تعيش أحلك ظروفها وأصعبها على الإطلاق. وأشاد سالم بدور الشباب المشاركين في العرض، والذين تجاوزوا عقبات صعبة مثل قلة الخبرة وحداثة التجربة ورهبة مواجهة الجمهور، ليقدموا عملاً مرهقاً في متطلباته الأدائية، ولكنهم تحدوا كل هذه العقبات من خلال حماسهم وشغفهم وعشقهم لفن المسرح، ولكي يحجز مسرح أم القيوين مكاناً له في هذا العرس الثقافي المهم محلياً وإقليمياً. وناشد سالم المسؤولين في الشأن المسرحي لتذليل العقبات الرئيسية التي تعترض طموحات فرقة مسرح أم القيوين التي تعتبر من الفرق الرائدة والمشاركة في تأسيس مهرجان أيام الشارقة، وتمنى من المسؤولين توفير مقر ثابت للفرقة لتساهم مجدداً في ازدهار وتطور مسيرة المسرح في الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©