الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكسيكيون في أميركا: حلم العودة يتبدد!

26 فبراير 2010 21:43
تمثل الحرب الدائرة في المكسيك بين الحكومة وعصابات المخدرات، أحد العوامل التي قد تدفع المهاجرين المكسيكيين وعائلاتهم المستقرة في الولايات المتحدة لتوطيد جذورهم في البلاد والتمسك بحياتهم الجديدة أكثر من أي وقت مضى. فعلى مدى أجيال من المهاجرين الذين تعاقبوا على أميركا، ظل حلم العودة إلى المكسيك والاستفادة من ثمار سنوات العمل الطويلة في الولايات المتحدة، يراود الكثير منهم، لكن اليوم وفي ظل العنف المستشري في بلدهم الأصلي يفضل عدد متزايد منهم الاستقرار إلى الشمال من الحدود، مع ما يطرحه ذلك من تداعيات مرتبطة بالإدماج والهجرة. وفي العادة يتم التعامل مع الاندماج باعتباره عملية إيجابية يتم خلالها استيعاب الوافدين الجدد في نسيج المجتمع المستقبلي، عبر التحرش أحياناً والتودد أحياناً أخرى، لكن الأمر لا يقتصر فقط على البلد المضيف أو المستقبل، بل يمتد إلى الظروف السائدة في البلد الأصلي والتي قد تؤثر بشكل بارز في صياغة الرؤى والمواقف التي تتبناها العائلات المهاجرة وأبناؤها. وفيما يتعلق بالمكسيك فليست هذه المرة الأولى التي تلقي فيها الأحداث الجارية إلى الجنوب من الحدود بظلالها على القرارات التي يتخذها المهاجرون، ولنا في السوابق التاريخية خير مثال على ذلك. فبرجوعنا إلى مطلع القرن العشرين، أدت مخاوف الولايات المتحدة الأميركية من انتشار الفوضى في ولاياتها الجنوبية بسبب الثورة المكسيكية إلى تنامي الأعمال العدائية ضد المهاجرين وتصاعد التمييز ضدهم، وخلال سنوات الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة والعالم بأسره في ثلاثينيات القرن الماضي، سعت الحكومة المكسيكية إلى الاستفادة من مهارات مهاجريها في أميركا وتحفيز النمو الداخلي، فساهمت بطريقة غير مباشرة في طرد أعداد كبيرة منهم من المكسيك ورجوعهم إلى أرض الوطن. وبالطبع، لا يمكن إغفال تأثير المكسيك على الداخل الأميركي، بالنظر إلى القرب الجغرافي والتداخل السكاني على جانبي الحدود، فالمهاجرون الذين يستقرون في أميركا يدركون جيداً أنه باستطاعتهم عبور الحدود في أية لحظة والاجتماع بأسرهم الممتدة، وهو ما يبقي الحياة الاجتماعية للمهاجر مستمرة ومتواصلة. بيد أن العنف الذي طغى على الساحة المكسيكية في السنوات الأخيرة بسبب تصاعد نشاط العصابات المتاجرة في المخدرات وإصرار الحكومة على التصدي لها بضغط من أميركا التي تسعى إلى لجم تدفق المخدرات إلى أراضيها، تضاءلت فرص العبور وأصبحت أكثر صعوبة، لاسيما بعد تنامي حوادث العنف وتعرض الأميركيين من أصول مكسيكية للقتل لدى زيارتهم أرض آبائهم. وقد انعكس الواقع الجديد على العديد من مناحي الحياة، مثل التعليم والتبادل الثقافي، حيث اضطرت جامعة تكساس في "إل بيسو" القريبة من الحدود مع المكسيك، إلى تعليق نشاطها في المدينة المكسيكية "سويداد خواريس"، بسبب حالة العنف وانعدام الأمن. وفيما كانت اللقاءات الثقافية تتم وجها لوجه في السابق حول موائد الطعام، يكتفي المربون حالياً بإجرائها عبر الإنترنت لخطورة الوضع في المدينة وتكرار الحوادث المميتة. ومن بين تلك الحوادث المؤسفة التي تؤثر على قرارات المهاجرين وتصوغ مواقفهم، ما حصل في جنوب كاليفورنيا عندما قُتل "بوبي سالسيدو"، وهو مدرس في المنطقة بأحد المدن المكسيكية المتاخمة للحدود، عندما كان يقوم بزيارة لم تكن الأولى من نوعها، حيث دأب منذ صغره على عبور الحدود مع أسرته والذهاب لقضاء الإجازات في المكسيك. بعد حادثة مقتل "سالسيدو" التي يرجعها المسؤولون الأمنيون إلى عصابات المخدرات في المكسيك، دعا "هيكتور ديلجادو"، عضو مجلس مدينة "إل مونتي" في جنوب كاليفورنيا التي تعرف كثافة لاتينية ملحوظة، دعا السكان إلى مقاطعة المكسيك وعدم زياتها، وقد أخبر وسائل الإعلام المحلية أنه لن يطأ أبداً أرض المكسيك. وحسب "توماس خمينيز"، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة ستانفورد ومؤلف كتاب حول الهجرة المكسيكية، تؤدي لحظات مثل تلك التي تعيشها المكسيك حالياً إلى التأثير في عملية التثاقف الضرورية: "بزيارة المهاجر المكسيكي لبلد آبائه، يُبقي على صلاته مع المكسيك حية وتستمر علاقته مع اللغة الإسبانية، ما يعزز هويته الإثنية وفي نفس الوقت يواصل تفاعله مع واقعه الثقافي في أميركا. لكن ما يحدث الآن قد يعجل بالقطيعة مع المكسيك". والتأثير كما يقول عالم الاجتماع سيكون أوضح على الجيل الأول والثاني من المكسيكيين الأميركيين، لأن الجيلين الثالث والرابع تفصلهما أصلا مسافة بعيدة عن أرض آبائهم وأجدادهم، وليس غريباً أن يقع العبء على المهاجرين السريين الذين يشعرون بأنهم غير مرحب بهم في أميركا وفي نفس الوقت لا يستطيعون العودة إلى المكسيك. ومن جانبها تبذل الحكومة المكسيكية كل ما في وسعها للحفاظ على الصلة بمهاجريها وعدم دفعهم للابتعاد عنها، لاسيما وأنهم حسب البنك المركزي المكسيكي يرسلون سنوياً ما قدره 21 مليار دولار، ولهذا الغرض شنت الحكومة حملة إعلامية في الداخل والخارج لإقناع مهاجريها بأنها تحقق تقدماً في حربها على عصابات المخدرات. وتنتظر الحكومة المكسيكية بفارغ الصبر بيانات عدد المسافرين التي تصدرها المصالح الأميركية، إذ تخشى على مداخيلها من حوالات المهاجرين بمقدار خوفها على عائداتها من السياحة. ولو استمر هذا التوجه من قبل المهاجرين باستبعاد العودة إلى المكسيك فإن كثيراً من الأمور ستتغير، كما ستسقط العديد من المسلمات السائدة لدى علماء الاجتماع، مثل الاعتقاد بأن المهاجرين سيعودون حتماً إلى أرض الوطن. جريجوري رودريجز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©