الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

نيتشه وسياسة الفلسفة محاولة دؤوبة لاجتثاث الميتافيزيقا من الفلسفة

12 مايو 2007 00:49
ينصب الفصل الثاني على إبراز نقد نيتشه للميتافيزيقا في مظهرها الثاني، وهو المظهر الأخلاقي الذي يتبلور عبر قراءة نيتشه القيمية للفلسفة، بيد أن هذا التأويل لنظرية القيمة لدى نيتشه اقتضى الدخول في حوار نقدي مع التأويل الذي قدمه مارتن هيدغر لها، حين ستؤكد أن هيمنة مفهوم القيمة على فلسفة نيتشه أبرز دليل على طابعها الميتافيزيقي واندراجها ضمن تاريخ الميتافيزيقا بما هو تاريخ لنسيان الوجود· وينتهي الحوار مع هيدغر إلى تبيان أن القراءة القيمية للفلسفة تهدف إلى إزاحة الأقنعة عن التسوية التي تقيمها الميتافيزيقا بين المعنى والقيمة، وذلك من أجل فضح تواطؤ الفلسفة مع الأخلاق· يحاول المؤلف في الفصل الثالث تحليل النص الجنيالوجي، بهدف الوقوف على مظاهر جدته الفلسفية· يقوم أولا بتأطير النص الجنيالوجي على المستوى الإشكالي والنظري، حيث يبين في المستوى الأول أن تحقيق المشروع الجنيالوجي، بما هو نقد ومجاوزة للميتافيزيقا، يقتضي القيام بقلب جذري للصيغة الميتافيزيقية الماهوية التي كان يصاغ بها السؤال في الفلسفة والفكر الغربيين· وهي صيغة لها صورتان: الصورة الجدلية التي تضرب بجذورها في الفلسفة السقراطية، والصورة القبلية المتعالية التي ترتبط بفلسفة كانط· أما على المستوى النظري، وهو الثاني، يبين التحليل كيف أن النص الجنيالوجي هو نص نقدي، تجاوزي للفلاسفة الألمان، مثل: كانط، وهيجل، وشوبنهاور، الذين ينعتهم نيتشه بـ''عمّال الفلسفة'' ومضاد لفلسفات التاريخ التي تماهت مع الدولة القومية الحديثة ''الهيجيلية، ووضعية كونت، وتطورية سبنسر، والأخلاق الداروينية''· بعد هذا التأطير وتبيان المسعى النقدي للمنهج الجنيالوجي والطابع التراجيدي لسؤاله، ينكب الفصل على تحليل النموذج الارتكاسي، ومحاولة الجواب على سؤال الأسئلة الجنيالوجية: كيف استطاعت القوى الارتكاسية أن تحسم السلطة لصالحها عبر التاريخ؟ وما الذي جعل القيم العليا للغرب تنبثق كلها من المنظور العدمي؟· في الفصل الرابع يحاول المؤلف تفكيك آليات الميتافيزيقا في تأويلها للعالم وتقويمها لظواهره، وهو يمثل المظهر الرابع للنقد· يسعى أولاً إلى تحليل الطبيعة الواصفة للخطاب الجنيالوجي، التي تجعل منه ممارسة وتمريناً مستمرين على القراءة والتأويل والتقويم· وهذا ما يجعل نيتشه يتعامل مع الجنيالوجيا كسيميولوجيا وكتيبولوجيا: النعت الأول يقتضي التعامل مع النصوص والخطابات كشبكة من العلامات والرموز، يقوم بقراءتها وتأويلها تبعاً للقوى التي أنتجتها، والنعت الثاني يجعل من الجنيالوجيا نوعاً من النمذجة تعمل على تنظيم تلك القوى وترتيبها في نماذج فاعلة أو منفعلة· ومن جهة أخرى يسعى هذا الفصل إلى الكشف عن المبادئ المضمرة، والافتراضات الضمنية التي تنطلق منها القراءة الجنيالوجية، وكذا الآليات التي تشغلها في تأويلها للنصوص وتقويمها، كآلية أو فن اختراق الأقنعة، وآلية تشخيص الأعراض ''التأويل الفيزيولوجي'' التي تجعل من الفلسفة علماً تشخيصياً، ومن الفيلسوف طبيباً للحضارة· وينتهي الفصل بتبيان النتائج الإيجابية المترتبة عن القراءة الجنيالوجية، بما هي سيميولوجية وتيبولوجيا، يمكن إجمالها في تمكين الفلسفة والفيلسوف من استعادة صورهما الأصلية وإنعاشها من جديد· تناول الفصل الخامس والأخير الجنيالوجيا باعتبارها تبلور أسلوباً جديداً في الكتابة، يجعلها نقيض الميتافيزيقا التي تكتب ضد الكتابة، وتتعامل معها كمجرد تقنية في خدمة المدلول· ويمثل هذا المظهر الخامس والأخير في نقد الميتافيزيقا لدى نيتشه· ويقود الحديث عن خصوصيات الكتابة في فلسفة نيتشه إلى الحديث عن خصوصية النص الجنيالوجي مقارنة بالنص الميتافيزيقي، على مستوى الأسلوب واللغة· ويبين التحليل أن الكتابة الجنيالوجية هي بمثابة استراتيجية تراهن على أن تكون لغة للجسد؛ لأن منطلقها هو عجز الفلسفة عن قول الجسد والحياة وتأويلهما، بما أن خطابها يتشكل كإنكار للدال وللجسد ونسيان لهما· وينتهي هذا الفصل إلى بلورة رهان الكتابة الجنيالوجية في صيغة إشكالية: كيف يمكن قول الجسد من دون إنكاره ومن دون نفي حيويته واختلافه؟ أو كيف نتكلم من دون تثبيت المعنى، ومن دون اختزال تعدده؟ والحل الذي يبدو أن النص الجنيالوجي اختاره- وأدى بالفلسفة إلى الاكتواء بحرقة أسئلته - هو الحركة الذاهبة من جسد النص ''النص كتكثيف صوتي وبياني وخطي'' إلى نص الجسد ''التأويل الاستعاري للجسد''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©