الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاربة الإرهاب مهمة صعبة.. لماذا؟

9 يناير 2016 00:28
نحاول جاهدين إيجاد طريق الخروج من هذا الكابوس المتكرر للهجمات الإرهابية، فتبنت الأمم المتحدة بإجماع الأعضاء قراراً لاستخدام «كافة التدابير الضرورية» من أجل محاربة تنظيم «داعش». ولا تزال الأجهزة الأمنية في حالة تأهب قصوى في أنحاء العالم. ورغم ذلك ألغت بروكسل احتفالات العام الجديد، وأغلقت موسكو احتفالات «الميدان الأحمر»، وانتشر آلاف الجنود وضباط الشرطة في أنحاء نيويورك وباريس ولندن، بيد أن حماية «الأهداف السهلة» على مدار الساعة يكاد يكون أمراً مستحيلاً. ونحن نعلم أنه ستقع مزيداً من الهجمات. وعلى رغم ذلك، يبدو حجم المشكلة أكبر بكثير مما يرغب بعضنا في الاعتراف به، وحتى لو تكبد تنظيم «داعش» هزيمة مدوية، فإنه مجرد فصل حالي في طابور المفاهيم الحديثة للتطرف منذ الثورة الإيرانية التي اندلعت في عام 1979. وتشير ثلاثة مؤشرات واضحة إلى أن القتال للتغلب على هذه السلالة من العنف سيكون طويلاً. والمؤشر الأول هو العدد الكبير من الشباب (وفي بعض الحالات الشابات) المعرضين للتجنيد من قبل تلك المنظمات الرجعية. والعالم مليء بالشباب الجاهل، المستعد للقتال من أجل أهداف تتحدى التبريرات المنطقية، وفي خدمة تفسيرات منحرفة للأيديولوجيات الدينية. ومعدلات الأمية في أفغانستان تزيد على 60 في المئة، وفي سوريا انهار نظام التعليم نتيجة للصراع، ولم تعد هناك مدارس لاستيعاب آلاف الأطفال. وينطبق الأمر ذاته على أجزاء كثيرة في العراق، وحتى في الأماكن التي لا يزال يوجد بها ما يشبه نظام تعليم كما في باكستان تتغذى الجماهير على مفاهيم معادية للغرب. ومع مرور كل عام من الحرب، تنتج المدارس المبعثرة والحكومات المنهارة طبقة جديدة من هؤلاء المراهقين المعرضين لخطر التطرف. والشباب غير المتعلمين، ممن تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً هم الفئة المثالية للتجنيد بالنسبة لتنظيمات مثل «داعش»، لا سيما أن من السهل غسل أدمغتهم، وتطويع عقولهم، ومن المستبعد أن يؤثر عليهم المنطق أو تأثيرات خارجية. وبالنسبة للشباب المهاجرين البعيدين في المجتمعات الغربية، ربما يوفر «داعش» وأيديولوجيته لبعضهم شعوراً بالانتماء والقبول تسهله وسائل التواصل الاجتماعي. والمؤشر الثاني المثير للقلق هو دلالات تصاعد المنافسة بين التنظيمات الإرهابية التي تحاول إظهار براعتها. فتنظيم «داعش» تجاوز «القاعدة» مؤخراً، وهجماته على باريس في نوفمبر الماضي كانت محاولة لخطف الأنظار العالمية قبل قمة «مجموعة العشرين»، وهي حملة دعاية مرعبة تُبث على القنوات التلفزيونية العالمية بهدف جذب مجندين جدد. وبعد أسبوع آخر، وقعت هجمات مالي التي أفضت إلى مقتل 20 رهينة، واتضح أنها رد من تنظيم «القاعدة» من خلال فرعها المغاربي، للتقليل من مذبحة باريس، حيث تفاخر «القاعدة» بعده بأنها شنت الهجمات الإرهابية بأسلوب أدى إلى وقوع خسائر أقل من المسلمين. وأفق المنافسة على أي التنظيمات تقتل «كفاراً» أكثر من شأنه بث مزيد من الرعب والشؤم في أروقة السياسة المحلية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. والمؤشر الأخير هو أن القضاء كلياً على التنظيمات الإرهابية أمر في غاية الصعوبة، ويرجع ذلك إلى أن القتال ليس ضد دولة أو حتى تنظيم، وإنما ضد أيديولوجية متجذرة بصورة عميقة. وعند هزيمتها في أحد المواقع، يتجمع أتباعها ويظهرون من جديد في مواقع أخرى. وتمكن تنظيم «داعش» من حشد أجهزة تشبه الدولة في سوريا، وهو ما يجعله معرضاً لهجوم بري حاسم، ورغم ذلك، لن يفضي ذلك إلى توقف وبائه الأيديولوجي، خصوصاً أنه خرج من رحم «تنظيم القاعدة في العراق». وإذا تم تدمير «داعش»، ستتحول بقاياه إلى شيء آخر مماثل له في خطره. وستكون هذه هي الحرب الأطول في الأزمنة المعاصرة، ومنذ عام 2001، تخوض الولايات المتحدة حرباً دائمة مع أمثال «طالبان» و«القاعدة» و«داعش» وامتداداتهم، مثل «الشباب» و«بوكوحرام»، وبينما تنقسم هذه التنظيمات، وتندمج وتتغير، تنسحب واشنطن من المعارك التي تنتشر فيها، مثل ليبيا ونيجيريا والصومال وغيرها. وتوسيع نطاق التدابير الأمنية لن يكون كافياً، بل من الضروري استهداف الأيديولوجية المتطرفة نفسها، واستئصال الأيديولوجيات المتطرفة، وإن كان صعباً لكنه ليس مستحيلاً. وعلى سبيل المثال، واجهت إندونيسيا، أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان، هجمات إرهابية مروعة، وأشهرها هجمات بالي عام 2002. لكنها تمكنت من محاربة الإرهاب، وتدعو لثورة فكرية، وتعزيز التسامح في الأرخبيل. *محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©