الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاحتفالات باليوم الوطني صيغة موحدة لممارسة الانتماء

الاحتفالات باليوم الوطني صيغة موحدة لممارسة الانتماء
25 نوفمبر 2012
يشارك الكبير والصغير في احتفالات اليوم الوطني، تفيض المشاعر ويجتمع الكل على كلمة واحدة، ويلهج بصوت واحد، وتمثل تلك الاحتفالات صيغة موحدة لممارسة مشاعر الحب، وإظهار صور الانتماء والفخر والاعتزاز بهذا الوطن الذي يحتضن أبناءه، فهذه الصيغ والصور تشكل ورشة عمل تدريبية لممارسة الانتماء من خلال مفردات الحب التي زرعت في كل جزء من ترابه، فهي تحرك المشاعر التي تسكن الدواخل، وتستحضر قيم الاتحاد والولاء للوطن، كل ذلك يعلي من قيمة الانتماء، ويغرس حب الوطن في نفس الصغير قبل الكبير، ما يسهم في تطوير الذات، فالانتماء قيمة إنسانية عليا تربط الإنسان بجذوره وبأصله وبتاريخه وموطنه. الانتماء للوطن قيمة تفاؤلية تبعث على التطور، وتغذي الطموح داخل الإنسان، ومن ثم تمده بالطاقة اللازمة لتحقيق الرفعة والتقدم ليس للإنسان الفرد، بل للوحدة المنتمي إليها، أياً كانت خصائص تلك الوحدة سواء فرداً أو أسرة أو جماعة أو قبيلة أو عشيرة أو دين أو مجتمع، هذا ما تؤكد عليه الدكتورة علياء إبراهيم، استشارية أسرية، وخبيرة تنمية بشرية، موضحة إن الانتماء هو القيمة الأكثر التصاقاً بالنفس، وتربط ذلك بالاحتفال باليوم الوطني في الإمارات، وتقول إن “مذاق الاحتفال باليوم الوطني في الإمارات له شكل ومضمون خاص، فهذه الدولة تطل على السواحل ما جعلها منذ القدم منفتحة على الشعوب والحضارات الأخرى، ولتمتعها باستقرار وأمن وأمان أصبحت منطقة جذب سواء للراغبين في العمل أو السياحة، ولذلك فهي دولة تتميز بالتعددية الثقافية التي لم تمنع الدولة من الحفاظ على هويتها التي تحرص على ترسيخها من خلال العديد من الخطوات والفعاليات الثقافية التي حفظت للإمارات تراثها وموروثاتها بالرغم من تطورها الذي لم يتعارض مع مجتمع متمسك بالأصالة”. «سيمفونية» التعددية ترى إبراهيم أن الاحتفال باليوم الوطني في الإمارات يشكل “بانوراما انتمائية”، وفق قولها. وتضيف في هذا الصدد “الاحتفال تعبير عفوي عن حب وطن، صادر من كل شخص لديه شعور قوي بالانتماء لدولته وقيادته التي تسعى لتطويره وتقدمه واستقراره، فهناك أطفال ينتمون إلى دول وجنسيات مختلفة، ولكنهم بحكم الميلاد والنشأة على أرض الإمارات، بات هذا البلد الآمن وطنهم اندمجوا فيه، وتبلورت مشاعرهم هنا بين أقرانهم، جنبا إلى جنب، فأصبح لديهم انتماء مخلوط بمشاعر الحب وارتباط بأرض هذا الوطن الذي احتضن لحظات ميلادهم وخطواتهم الأولى، ما جعلهم يتغنون جميعا بنشيد “عاش اتحاد إماراتنا”، الذي هو سيمفونية للتعدد والتكامل الثقافي فكاتبه إماراتي وملحنه مصري وكلاهما عربي ويتغنى بالنشيد العديد من الجنسيات”. وتتابع “يحتفل الجميع باليوم الوطني باختلاف الجنسيات، يتذكرون مؤسس هذا الاتحاد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي حرص على بناء الإنسان الإماراتي، والذي أحب شعبه وتواضع له وتواصل مع شعوب العالم بأخلاقيات المسلم العربي؛ فنال احترام شعبه والعالم في حياته ومماته فحمل له الكثيرين ممن يعيش على أرض الإمارات مشاعر حب والولاء”، مؤكدة أن اليوم الوطني فرصة لاستحضار قصص وحكايات رجال عاصروا هذه الأيام التي تم إعلان الاتحاد فيها ما يخلق لهذا الجيل فرصة للوقوف على نضالهم وصبرهم وعزيمتهم، وهذا يصب في اتجاه التربية بخلق ووعي مفاهيمي قوي بأن ما وصلت إليه الإمارات اليوم فهو بفضل الكفاح والصبر. وتلفت إبراهيم إلى أن التعددية الثقافية لدولة الإمارات أسهمت في خلق وعي ثقافي مختلف لدى الناس. وتضيف “أهدى هذا البلد للعالم نموذجا لمجتمع مسلم عربي حرص على الحفاظ على هويته وتراثه وأصالته، وأهدى مع هذا كله جودة لإدارة التعددية الثقافية التي يتسم بها هذا المجتمع، بما لا يؤثر على هويته، منطلقا من مبدأ اختلاف الشعوب والألسنة والألوان، فهو آية من آيات الله في خلق البشر لتحقيق مبادئ التكامل والتعارف والتعايش، بل إن هناك مجتمعات أخرى تتكون من نسيج مجتمعي واحد، ولكنها تشهد صدامات نتيجة التعصب، وهذا ما لم تشهده الإمارات، فنالت احترام العالم”. غريزة الانتماء غريزة الانتماء حاجة فطرية تتميز بها سائر مخلوقات الله، فما بالنا بالإنسان الذي كرمه الله وميّزه بنعمة العقل، فالانتماء يشعر به الجنين ويمارسه من دون وعي في وطنه الأول “رحم الأم”، ويصرخ رافضاً الحياة خارجه، هكذا نولد بغريزة الانتماء. إلى ذلك، تقول إبراهيم “حين يتشبث رضيعاً بثدي أمه رافضاً بعناد أن يفطم منه، ويخطو خطواته الأولى متسلحا بغريزة الانتماء التي لابد وأن تبدأ الأسرة خطواتها في تنميتها إيجابيا، فيبدأ الصغير بالانتماء إلى أسرته عندما يلاقي الرعاية والحب والاهتمام، فالأسرة تضع بذرة الانتماء في نفس الطفل الذي يعاند متمسكاً بيدي أبيه وأمه لحظة التحاقه بالمدرسة، وعندما يشتد عوده يشعر بالغربة عند استقلاله عن أسرته، فيحن لبيته، ويهب للدفاع عن صديقه، ويشجع ناديه، ويدافع عن عرضه، ويثور إذا تطاول أحد على دينه أو تعرض وطنه للخطر، وأن هذا الوطن جزء لا يتجزأ من مجتمع إنساني كبير نتواصل ونتعايش ونتحاور معه”. وتضيف “الانتماء قيمة تحفظ للمؤسسة، سواء أسرة أو إدارة أو عمل ننتمي إليه في كافة الأوقات، وتحفظ أمنه وأمانه وتطوره وتقدمه، وهذه المؤسسات في النهاية هي جزء من الوطن الذي يضم كل الوحدات التي ننتمي إليها، وقوة الانتماء للوطن غريزة متأصلة في النفوس، ببعديه المكاني والزماني، تراب أرضه الذي ارتبط به الإنسان بحبل سري من نوع خاص، وحمل ذكريات الطفولة والصبا والشباب، فإن الوطن يمارس سر الارتباط به، لأن الوطن له العديد من المفاهيم المادية والمعنوية، فالوطن ليس فقط مكاناً يحتل موقعاً جغرافيّاً على خريطة العالم، إنه مكانٌ وزمانٌ يحتل ما شاء من مساحات على خارطة القلوب، فالوطن هو المكان والزمان والثقافة والموروثات والعادات والتقاليد واللغة والدين”. حول تعريف الانتماء وتفسيره، تقول إبراهيم “أحيانا نحب شيئاً ثم من منطلق هذا الحب نشعر بالانتماء إليه، وأحياناً نحب ما نشعر بالانتماء إليه، ولولا ذلك ما أعرب رسولنا الكريم صلوات الله عليه ورضوانه عن حنينه لمكة المكرمة حينما أُكره على الخروج منها هو والصحابة رضوان الله عليهم، فبكى لفراقها، ومرض الصحابة لفراقهم لها، وقال صلى الله عليه وسلم بعد أن التفت إليها: “والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلك قد أخرجوني منك ما خرجت”، ودعا المصطفى ربه فقال: “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وانقل حُمّاها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا” رواه البخاري ومسلم وغيرهما. من هنا يتضح وفق إبراهيم ?أن الحب صورة من صور الانتماء، فلا بد أن تكون له أسباب محركة، وهما في ذلك متفقان، إلا أن الانتماء قد يكون أشمل من الحب، كما أن الحب في أحيان كثيرة قد لا يولد لدى البعض من البشر نوعاً من الالتزام تجاه ما نحب، أما الانتماء فأكثر تعقيداً، وأكثر ما يولده هو الشعور بالمسؤولية تجاه الدائرة التي ننتمي إليها فنهب للدفاع عنها، والحفاظ عليها حتى وإن خذلته في بعض الأحيان، مشيرة إلى أن الانتماء يوطد الجذور ويرتقي بالنفوس، ?وكأن الحب ينمي الشعور بالانتماء مثلما يفعل الماء في النبات، وكأن الانتماء يولد الشعور بالحب، وكلاهما ثنائية متلازمة بين القلب والعقل”. وتشبه إبراهيم الانتماء بلوحة تشكلت من قطع الفسيفساء. وتوضح “الانتماء في حياة الإنسان يشبه لوحة الفسيفساء تتكون من قطع مختلفة الأشكال والألوان لتنتهي إلى صورة متكاملة متناسقة إذا تم الاعتناء بها، فالقطع التي تكون ملامح هذه اللوحة، تمثل الوحدات الانتمائية التي تتشابك في حياة الفرد، ما بين دينية وقوميَّة ومحلية واجتماعية وسياسية ومهنية وعاطفية، الأسرة والدين واللغة والمدرسة والحي والجيران والنادي والمؤسسات والمسجد والأصدقاء، وكل منها يمثل في حياة الإنسان جزءاً من الوطن، ارتبط به في فترة من حياته، فامتدت جذوره في أعماق نفسه”. وتضيف “لوحة الفسيفساء هذه ترسم بهذه التفاصيل الصغيرة أجمل وأقوى صورة تجسد الانتماء هو الانتماء للوطن، الذي يكبر تدريجيا مع تقدم عمر الطفل ويكتسبه من خلال المؤسسة الأولى في حياته وهي الأسرة، في حين يجب على المؤسسة التالية في حياته أن تعمق هذه الثقافة، ثقافة الانتماء تلك التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتقدير الطفل لذاته وإحساسه بالثقة بالنفس التي هي إحدى أهم مفاتيح النجاح في حياة الإنسان”. عوامل تعزيز الانتماء تؤكد إبراهيم أن الانتماء يشكل أحد أهم الحاجات الإنسانية ليشعر الفرد أنه يقف على أرض صلبة، وله جذوره الممتدة التي تجعله يواجه رياح الحياة، وإذا كان الانتماء للأسرة يحتاج إلى أن يحاط الطفل بالرعاية والاهتمام والحب من الأبوين، فلا يترك للخادمة والسائق فيتشتت انتماؤه منذ نعومة أظفاره، كما يحدث في بعض الأسر التي يتغرب فيها الطفل داخل بيته، بحيث يعتبر التشتت أقسى أنواع العنف التي تمارس على الطفل بدون أن ندري، ويبدأ الطفل في ممارسة الانتماء منطلقا من القدوة المتمثلة أمامه أمه وأبيه، ثم معلمه فالانتماء قيمة مطلقة وكلمات لا يمكن أن يمارسها أو يستوعبها الطفل إلا إذا أصبح سلوكا مجسدا فحفاظ الأب والأم على الأسرة والبيت والعلاقة الوطيدة التي تبعث الحب والاستقرار في المنزل تبذر بذور الانتماء، ورؤيته لهما ومن يقومون مقامهما في حياته يحافظون على الممتلكات العامة في الشارع، ويحترمون المرور ويتحدثون عن الوطن بأسلوب إيجابي كل هذا يسهم في نمو بذرة الانتماء. وترى إبراهيم أن المناهج المدرسية تسهم إلى حد كبير في غرس مفردات الانتماء وتقويها. وتقول “تعميق الحديث عن المفردات البيئية والتراثية والحضارية واللغوية والدينة، فإن الطفل ينشأ ولديه مخزون يستند إليه كلما كبر، بحيث يستطيع كلما كبر في ظل تعدد وسائل الاتصال مع الآخر أن يتحدث عن حضارته وبلاده وعاداته وتقاليده، وهذا ينعش الطاقة الانتمائية لديه، ومن منطلق رغبة حقيقية في انتماء الأطفال لعظماء في حضارتنا الإسلامية التي أضاءت في فترات ظلمات أوروبا باعتراف المنصفين منهم، أن يكون ضمن دروس الكيمياء والفيزياء ورياضيات التي تدرس باللغة الأجنبية فكرة عن علمائنا الذين أسهموا في تقدم هذه العلوم، وكذلك النظر بعين الاعتبار إلى مناهج اللغة العربية وتطويرها خاصة في رياض الأطفال، وفي هذه المرحلة العمرية يمكن استخدام الدراما والقصة والموسيقى لجذب الطفل للغته التي هي أهم مفردات يجب أن ينتمي ويعتز بها في ظل غزو اللغة الشبابية ولغة الشات والانبهار باللغات الأجنبية، كما يجب تعميق القيم الأخلاقية في الدين الإسلامي الحنيف التي تعد قيما عالمية بكل المقاييس فينشأ منتميا إلى دينه متعمقا في قيم التسامح والرحمة والاحترام وإتقان العمل”. توظيف الإعلام نظرا لتأثير الإعلام الكبير في خلق مفاهيم وبلورتها لدى الناشئة، تقول إبراهيم “إن تنجز أفلاما كرتونية بتقنية عالية تتحدث عن الشخصيات التي كان لها دور في بناء الوطن سيكون له تأثير قوي على النشء”. وتضيف “إننا في أمس الحاجة إلى الإنتاج الإعلامي الواعي لتاريخ هذا الوطن العربي من خلال أعمال درامية بلغة إعلامية تجذب الشباب لمشاهدتها وتسهم في تنشيط الانتماء، لاستغلال الدراما في البناء لا الهدم، ما يساعد على تقوية الانتماء والفخر والاعتزاز بتاريخ هذا الوطن ورموزه وعظمائه”. مفردات الوطن تؤكد إبراهيم أن قوة هذا الانتماء لمفردات الوطن هي العامل الرئيس لترسيخ الهوية الوطنية، وتوضح “هذه المفردات هي اللبنة الأولى لتقدم المجتمعات وبناء الحضارات، فالانتماء إلى الوطن يوجد نوعا من الالتزام الأخلاقي تجاهه، ويسهم في تطوير أداء الفرد في كل المجالات من أجل مصلحة هذا الوطن، فالإخلاص في العمل والمحافظة على موارده، والاقتداء برموزه التاريخية، والحرص على العادات والتقاليد الإيجابية يسهم في تجسيد قيمة الانتماء، وتحولها من مجرد شعار إلى سلوك له آثاره الإيجابية، فالوطن كلما تقدمنا في العمر يسكننا حتى ولم نعد نسكنه، فعندما ينتمي الإنسان حق الانتماء فإنه يتجاوز بوحدته الانتمائية كل الصعوبات والعثرات التي مر بها”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©