الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

شبح الجنجويد يطارد أولمبياد الصين !

11 مايو 2007 01:17
فيصل يوسف: للصين مصالح اقتصادية ضخمة في السودان تنامت بسرعة منذ مطلع السبعينيات في القرن الماضي في إطار التعاون جنوب- جنوب ومساعي العملاق الآسيوي لتعزيز نفوذه على الخارطة الدولية متخذاً من ضخ استثماراته السخية أداة رئيسية لاختراق الأسواق· السودان من جهته، وجد ضالته في الصين بالنظر لاعتماد هذه البلاد التي تتوفر على حق النقض ''الفيتو'' في مجلس الأمن الدولي، ركيزة ثابتة في علاقاتها مع الدول الأخرى ممثلة ''بصفة عامة'' بعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم ربط تعاونها الاقتصادي بالإشكالات السياسية الا ما ارتبط من القضايا بما تعتبره بكين ''أقاليم متمردة'' على الأرض الأم· والمتتبع للعلاقات التجارية السودانية الصينية، يجدها ضاربة في القدم تعود الى فترة ما قبل التاريخ وتحديداً الى عهد الدولة الكوشية بشمال السودان· ويشير باحث سوداني متخصص في الدراسات الصينية الى تاجر سوداني يدعى محمد علي الحاج أسس له أول مكتب تجاري بمدينة قوانغتشو الصينية في وقت ما بالقرن التاسع عشر وتزوج من سيدتين صينيتين انتهى بهما المقام في شمال السودان· ثمة بعد وجداني كان له تأثيره ايضاً في تعزيز العلاقات السودانية الصينية في العصر الحديث، ذلك ان السودان كان من الدول العربية والأفريقية الأول المبادرة بالاعتراف بالصين الشعبية بعيد استقلاله عام 1956 بثلاث سنوات وتبادل معها العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الحين متحدياً الإرادة الغربية آنذاك التي كانت تستميت من أجل محاصرة الصين· كما ان للصينيين سبباً آخر للاحتفاء بعلاقاتهم مع السودانيين· ففي عام ،1885 قتل مسلحو الثورة المهدية الثائرون على الحكم التركي، الجنرال البريطاني الشهير غردون باشا الذي انتدبه الأتراك كحاكم عام للسودان لقمع الانتفاضة العارمة التي قادها محمد احمد المهدي ووضعت حداً لأول سلطة استعمارية بالبلاد· وكان هذا الجنرال الذي أطلق عليه لقب ''درة التاج البريطاني''، قد كلف قبل مهمته في السودان، بمهمة مماثلة في الصين حيث سام أهلها ويلات لم ينسوها من خلال ما عرف بـ''حرب الأفيون''· وقد صادف مقتل غردون احتفالات واسعة في الصين وظل المسؤولون الصينيون يزورون المتحف الخاص بعهد الدولة المهدية كلما دلفوا الى الخرطوم· تلك المقدمة ضرورية جداً كونها تسلط ضوءاً على الموقف الصيني المؤازر للسودان في المحافل الدولية· فعلى مدى العامين المنصرمين على الأقل، نجحت بكين في عرقلة مساعي واشنطن ولندن الرامية الى فرض عقوبات دولية على الحكومة السودانية على خلفية الأوضاع المأساوية في دارفور· غير أن الأسابيع القليلة المنصرمة شهدت تحولاً درامياً مفاجئاً، إذ هرول مبعوث الرئيس الصيني للسودان تساي يون، الى الخرطوم في أبريل الماضي لدفع مسؤوليها الذين رفضوا مراراً وتكراراً القبول بنشر قوات دولية في الإقليم المضطرب، للعدول عن موقفهم والموافقة بتعزيز القوات الأفريقية بوحدات تابعة للأمم المتحدة ''دعم لوجستي''· وفي لفتة نادرة للغاية، دلف المسؤول الصيني الرفيع الى دارفور وتفقد ثلاثة معسكرات للنازحين· والزيارة اكتست أهميتها كون الصين لا تعنى بالنزاعات الداخلية مهما عظمت طالما لم تتأثر استثماراتها وهي الأولى لمسؤول بهذا المستوى للإقليم· إذا، ماهي الأسباب الكامنة وراء هذا الاهتمام الصيني المفاجئ بمأساة دارفور ؟! عنصر الدهشة قد يعقد الألسن لاقحامنا في هذا المقام، هوليوود عاصمة السينما العالمية كقوة دافعة وراء التحرك الصيني المتأخر باتجاه دارفور· ذلك إن هذه الأزمة حركت منذ بضع سنوات منظمات إنسانية وجماعات مدنية لممارسة الضغط على حكوماتها للبحث عن حل للمأساة الإنسانية المحتدمة هناك منذ سنوات· وإزاء موقف بكين الذي شكل غطاءً للرفض السوداني لنشر قوات دولية بعد ثبوت عجز قوات الاتحاد الأفريقي في توفير الأمن والحماية لمواطني دارفور من هجمات ميليشيا الجنجويد المدعوة حكومياً، رفعت منظمات عديدة شعار ''أولمبياد الإبادة الجماعية'' وطالبت بمقاطعة ألعاب بكين ·2008 وفي هذا السياق جاءت جهود مايا فارو سفيرة النوايا الحسنة لصندوق الأمم المتحدة للطفولة ''يونيسيف'' التي تقود حالياً حملة دولية واسعة للضغط على الصين لممارسة الضغط بدورها، على الحكومة السودانية لوضع حد لجرائم القتل والاغتصاب والنزوح في إقليم دارفور· ولعل من قبيل الصدفة أن الناشطة فارو كانت ملمة بنقطة ضعف بكين التي تعاقدت مع المخرج السينمائي البارز ستيفن سبيلبيرج كمستشار فني للأولمبياد، فبدأت بالضغط على هذا النجم السينمائي البارز للعب دور إنساني في دارفور· ولتكثيف ضغوطها، كتبت فارو مقالاً في ''وول ستريت جورنال'' بتاريخ 28 مارس الماضي حذرت فيه سبيلبيرج من التضحية بسمعته العالمية من أجل دريهمات صينية على حساب أعمال القتل والإبادة في دارفور· بل ذهبت الى أبعد من ذلك بعقدها مقارنة بين دور سبيلبيرج في أولمبياد بكين ودور ليني ريفنشتال المخرجة الألمانية التي انتجت معظم أفلام الترويج للنازية· ولم يجد سبيلبيرج بداً من التحرك بسرعة فأرسل بحسب المتحدث باسمه مارفن ليفي، رسالة عاجلة للرئيس الصيني يدعوه فيها للعمل بكل قوة لوقف أعمال القتل في دارفور وإنهاء الأزمة الإنسانية هناك· وعلى خلفية حساسية وحيوية الألعاب الأولمبية لبكين التي وضعت كل ثقلها في هذه الفعاليات، من أجل تحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان وتدشين ما أصبح يعرف بـ''القرن الصيني''، أوفدت السلطات الصينية مساعد وزير الخارجية الذي انتزع موافقة الرئيس السوداني عمر البشير على نشر 3000 عسكري تابعين للأمم المتحدة في اقليم دارفور تحت غطاء ''الدعم اللوجستي'' في اطار اتفاق إديس أبابا بـ''حزمه الثلاث'' بحسب خطاب الخرطوم· إذا، فالمنظمات المدنية وناشطو حقوق الانسان لعبوا على أوتار الأولمبياد الحساسة لبكين بواسطة تحريك شخوص هوليوود، ليحققوا انتصاراً أولياً لم تنجح في تحقيقه الدبلوماسية الدولية على مدى بضع سنوات !· وعقب عودته من الخرطوم، اتهم نائب وزير الخارجية الصيني الناشطين الذين يقودون حملة لمقاطعة أولمبياد الصين بـ''الجهل'' ووصفهم بـ''شذاذ آفاق''· مبيناً انه حث الرئيس البشير على التحلي بالمرونة وقبول نشر قوات دولية لتعزيز وحدات الاتحاد الأفريقي في دارفور· فيما تحدث مسؤولون أميركيون وأوروبيون عن أن المسؤول الصيني الرفيع أبلغ محادثيه السودانيين أن بلاده ترفض دمغ أولمبياد بكين بـ''ألعاب الإبادة وممارسات القوات السودانية وميليشيا الجنجويد'' اللا مسؤولة في الإقليم الممزق· وبالتوازي، سارع موقع السفارة الصينية على الانترنت للتحذير من محاولات ربط الأولمبياد بمآسي دارفور وقال إن الذين يقودون تلك المساعي ينخرطون في عبث عديم الفائدة· الإدارة الأميركية كانت حذرة في رد فعلها إزاء البادرة الصينية، إذ اكتفى مبعوثها للخرطوم اندرو ناتسيوس بالقول إن هناك مؤشرات على أن بكين بدأت تتحرك على نحو أكثر جدية وحزماً إزاء مآسي دارفور مقارنة بالسنوات الماضية وأعرب عن اعتقاده أن بامكان الصينيين ان يكونوا ''لاعبين أساسيين'' في حل هذه الأزمة· ومع ذلك، الوقت مبكر لجهة الحكم على فرص نجاح حملة هوليوود في المضي قدماً بضغطها على بكين لانتزاع مواقف أكثر إيجابية لجهة الحل النهائي لهذه الأزمة في ضوء ممانعة العملاق الآسيوي لفرض أي عقوبات دولية على الخرطوم في حال تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية بشكل أسوأ في دارفور· بيد أن الوقت المتبقي على افتتاح الأولمبياد المرتقب (أغسطس 2008)، يتسع لشن أنشطة واسعة النطاق تخطط لها المنظمات المدنية والجماعات الحقوقية لممارسة مزيد من الضغط على بكين· في 10 فبراير الماضي، نشر الناشط في قضية دارفور ايريك رييفز على موقعه في الإنترنت خطاباً مفتوحاً مطالباً المدافعين عن حقوق أهل دارفور التعهد بشن حملة عالمية لكشف ما وصفه بـ''ضلوع'' الصين في حرب ''الإبادة الجماعية'' بدارفور· وقال رييفز في رسالته التي ترجمت للصينية والعربية والسواحيلية والفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية والهولندية والإيطالية، ان الوقت قد حان لفضح الصين التي إذا ما أرادت تنظيم الألعاب الأولمبية صيف 2008 فعليها ان تكون شريكاً مسؤولاً· ومن بين الأنشطة التي يروج لها رييفز تكليف رياضيين بحمل شعلة على غرار الشعلة الأولمبية، من إقليم دارفور الى الحدود الصينية بما يسمح بتعبئة أوسع قطاع من الرأي العام العالمي لصالح تسوية تعيد الأمن والاستقرار للإقليم المضطرب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©