الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«بضعة أمتار مكعبة من الحب».. تقتلُ أحياناً!

«بضعة أمتار مكعبة من الحب».. تقتلُ أحياناً!
17 ديسمبر 2014 00:19
نوف الموسى مذهل هذا الكم الكبير من الإتقان، في توزيع الحطام وقطع الركام و«السكراب»، وتشكيل هارموني يجسد لما يمكن تسميته بالفوضى الخلاقة، عبر فيلم «بضعة أمتار مكعبة من الحب»، للمخرج الأفغاني جمشيد محمودي. وبالرجوع إلى وصف «المكعب» في عنوان الفيلم، فإن البعد التشكيلي لـ«سينوغرافيا» المكان، تحولت إلى ما يشبه المسرح في تكوينات العلاقة واللون بين مساحات الفضاء في الصورة المتضمنة لإحدى ضواحي طهران، البعيدة تقريباً عن الأحياء السكنية والحراك المدني، حيث يقوم مصنع صغير كورشة حدادة، بتوظيف لاجئين أفغان بطريقة غير قانونية، مشكلاً هذا المنفى المشروط ولادة طبيعية لعاطفة جمعت بين فتاة أفغانية قادمة مع أبيها عبدالسلام للعمل في المصنع، وفتى إيراني اختار مسؤولية المواجهة وطلب يد الفتاة، ليُقتل الحب في حاوية قديمة، اتخذ منها كلا من صابر ومارونا ملتقى سري لعقد اللقاءات، ورسم الأحلام. وجاء مفهوم المربع المتجزأ من هندسة المكعب ككل، تصوراً لحدود المعتقد وهامش الأعراف واختزال الحرية، إضافة إلى فعل القوالب المجتمعية، بينما رسم مشهد البيوت المبنية من الأشلاء في موقع المصنع، رمزية الحروب والهجرة القسرية. تكثيف بصري استثمر المخرج التكثيف البصري لهامش بيئة الشخصيات، لإثراء اللغة الجمالية للصناديق الخشبية والمعدنية وآلاف القناني الدائرية والمستديرة، إضافة إلى كتل من الحديد المتكدس بين صناديق البيوت، ما يجعل المشاهد يتتبع صوتها المسترسل من الشاشة، فبعد خروج عبدالسلام من البيت للذهاب إلى العمل في الورشة، تستعد مارونا للخروج من الباب الخلفي، ومنه إلى السطح، لتقفز الحاجز الجداري، المؤدي إلى مساحة مليئة بالحاويات، حيث تمشي بين الخطوط الضيقة المحددة بمسافة بين كل حاوية وأخرى، وصولاً إلى موقع لقائها بصابر وهي حاوية قديمة كتب عليها: «النقل الدولي إيران أوروبا». تميزت مساحة الحاوية بالفضاء الفسيح، دونما أية تفاصيل، فقط حضور للشمس عبر ثقوب الحاوية العلوية، وإسقاطات للضوء بشكل عمودي مائل، مقدمةً زمنية للحدث. يعتبر تحويل الفيلم إلى هندسة إنسانية، تعتمد على بناء الفكرة عبر فنيات بنائها البصري، عنصراً تفاعلياً لطبيعة المنتج الفني في «بضعة أمتار مكعبة من الحب»، ومنها على سبيل المثال، مشهد يستخدم فيه صابر أعواد الثقاب لرسم بيت الحلم، والحجر لتحريك الشخصيات التي يتخيل صابر ومارونا أنها ستشاركهم حياتهم، وفي دقائق يعيش المشاهد مسرحية صغرى في مسرح كبير. نفق للمجاري أو للمياه المتجمعة من أثر المطر، مكان اختباء عبدالسلام وابنته ومجموعة من العائلات الأفغانية، كلما همت الشرطة الإيرانية لتفتيش المكان، والتأكيد على أن العاملين في المنطقة يحملون الأوراق القانونية، والذي يبرز فيه حوار الظلام والنور لظل العوائل القادم بزاوية قريبة لعدسة كاميرا المخرج، نتيجة اختياره الزاوية المواجهة لأثر الضوء الخارجي. تأويلات النفق النفق وبكل تأويلاته نحو الملجأ والبقاء والبحث عن السُبل للاستمرار، انولد في موقع الهروب الأكبر، وهو المساحة المؤججة بالعمل اليومي في المصنع، كل شيء في الفيلم يتكون ويختفي كمنظومة اللعبة في قدرة الأبطال على تجاوز تفاصيل المكان، الذي يمثل مرآتهم، وطريقتهم نحو الخلاص والانكشاف التام. ويبقى السؤال: كيف ستواجه تلك الشخصيات انعكاسها في المكان، لتأتي الإجابة من صابر في حل المواجهة، حينها أجابه عبدالسلام بأن عزتهم وكرامتهم لا ترتبط بكونهم عمالا يشتغلون، بل هي أكبر من ذلك، ووجب على صابر أن يأتيه من الباب، دونما أن يستغل وضعهم، ببناء علاقة مع ابنته دون علمه. هربت مارونا بنفس الطريقة الاعتيادية، من المنطقة الخلفية للبيت، حاملةً صراع الرضوخ للتمرد أم الخوف على أبيها من فاجعة قرارها، التقت هناك بصابر في نفس الحاوية، استمد المشهد قوته من البكاء والخوف، الذي آلم بالشخصيتين، وفي أوج الوصول لقرار الذهاب أم التراجع، جاءت شاحنات متخصصة لصف الحاويات وحملها وهدمها، تفاجأ كل من مارونا وصابر، طلب الأخير أن يلتزما الهدوء، وأنها مجرد إنشاءات عمل وستنتهي، لتحل الفاجعة ويتم اختيار حاويتهم التي مثلت ملاذهم ومساحتهم الخاصة وأحلامهم وذكرياتهم ومستقبلهم والكثير من أمنياتهم للتخلص منها، حيث تبدأ الشاحنات بإغلاق زوايا الحاوية شيئاً فشيئاً وسط صراخ صابر ومارونا، إلى أن يختفي المكان كحيز مادي، وتنولد ذاكرة للروح في المكان، عبر مشهد قدمه المخرج، في لحظة عابرة، اختار فيها عبدالسلام بعد بحثه المضني بين الركام والبيوت عن ابنته، الجلوس وتقبيل قطعة من ملابسها، توديعاً لها، في رحلتها وقدرية قرارها نحو الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©