الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«عبد الله».. ترويض العالم بالعزف وبالتمرُّد أيضاً

«عبد الله».. ترويض العالم بالعزف وبالتمرُّد أيضاً
12 ديسمبر 2015 23:24
إبراهيم الملا (دبي) ضمن عروض مسابقة المهر الإماراتي بالدورة 12 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، قدم المخرج والسيناريست الإماراتي الشاب حميد السويدي فيلمه الروائي الطويل الأول بعنوان: «عبد الله» الذي ضم مجموعة من الممثلين الواعدين والمخضرمين وهم: محمد أحمد في دور الشخصية الرئيسية (عبد الله) ومنصور الفيلي وآلاء شاكر وفاطمة الطائي وحميد العوضي، بالإضافة إلى الممثلين الأجانب ديفيد دالي وبرينت جينكنز وراجا بالا كريشنان، والفيلم من إنتاج حميد السويدي وأحمد لطفي. يرصد الفيلم بأسلوبه الواقعي وإيقاعه المتمهّل التنقلاّت الزمانية والمكانية والوجدانية في حياة الشاب عبد الله، انطلاقاً من طفولته المحاطة بقيود وحواجز فرضتها البيئة المحافظة في المنزل وساهم في تأكيد هذه الوصاية السلبية، سلوك والده الديني والمغلق على طقوس يومية وإلزامية، فبجانب والدته وشقيقه، يجد عبد الله الصغير نفسه محكوماً بدائرة قاسية من النصائح والتوجيهات التي تقف ضد رغبته وشغفه بالفنون والموسيقا، وهو شغف سيظل لصيقاً به وملازماً لمداركه المتفتّحة على مساحات ذاتية مستقلة وحرّة، ولن يكون الإطار العائلي المتزمّت والمحاصر لهذا الشغف، قادراً على تحطيم طموحه المحلّق خارج هذه القوانين والتابوهات الاجتماعية الشرسة. يعود بنا الفيلم في لقطاته الاستهلالية إلى العام 1990 عندما يتعلق الطفل عبدالله بلعبة البيانو، كفاتحة ومعبر للتعرف على هواجس هذه الشخصية الخجولة والمنغلقة على ذاتها نوعاً ما، ولكنها في الوقت ذاته تمتلك حسّاً ومزاجاً مستقلاً في التعاطي مع الأشياء المحيطة بها، وكأن العالم بالنسبة لهذا الطفل هو مجرد إيقاع مشتت وهائج يحتاج لمن يلمّه ويروّضه من خلال العزف، الذي يتحول هنا إلى منطوق داخلي، يترجم الاشتياقات والتعابير والكلمات التي لن يستطيع هذا الطفل المنزوي على ذاته أن ينقلها إلى الآخر، وحتى إلى أقرب الناس إليه في محيط العائلة. يستمر هذا الكفاح الداخلي لدى عبدالله عندما يصل لسن المراهقة ويقتني آلة العود، ويهربها خلسة إلى غرفته في المنزل، كي يتدرب عليها من خلال تعليمات يتلقاها بالهاتف من أحد المراكز الموسيقية، ولكن دخول والدته المفاجئ الممثلة آلاء شاكر سوف يربك الإيقاع المتناغم مع هذه الهواية التي تطارده ويطاردها دون إحباط أو يأس، تقول له والدته بأسلوب يحمل الكثير من الازدراء والتعنيف: «لا ينقصك الآن سوى ممارسة الرقص»!!، ما يضطر عبدالله لإخفاء آلة العود في غرفة السائق الهندي الممثل راجا بالا كريشنان الذي يقوم بدوره بإخفاء العود في الخزانة الخلفية لسيارة العائلة، ولسوء حظ عبدالله يقوم والده الممثل منصور الفيلي باصطحاب مجموعة من أصدقائه في رحلة برية بذات السيارة، وهناك يكتشف وجود العود أمام أصدقائه الظاهر عليهم صفات التزمت الديني، ومع القطع الحاد لهذا المشهد، تنتقل الكاميرا مباشرة إلى عبدالله الهارب من المنزل وعليه آثار العقاب الجسدي، بينما نرى العود مهشماً في الصالة، ليأتي عبدالله متأخراً ويكمل مهمة تحطيم العود، كردة فعل حادة، وكتنفيس عن غضبه المختزن والمتراكم في أعماقه. وفي النقلة الثالثة لزمن الفيلم نرى عبدالله الشاب والموظف في إحدى الدوائر الحكومية يقوم بدوره في هذه المرحلة العمرية الممثل محمد أحمد، والذي يقف وحيداً هنا في مواجهة كل الظواهر السلبية المحيطة به، بدءاً من الروتين الوظيفي والنفاق الاجتماعي والترف المادي والإملاءات العائلية الخانقة، فيقرر التمرد والتخلص من كل ما يعوق حريته الذاتية وإخلاصه لهوايته المتأصلة فيه وهي التأليف الموسيقي، فيستقيل من وظيفته ويهجر عائلته ليقيم في شقة متواضعة ويعمل كمصمم للموسيقا التصويرية للأفلام، ورغم انكساراته وخساراته الكثيرة في هذه المرحلة يسعى عبدالله لتحقيق مشاريع فنية طموحة مثل وضع لحن جديد للنشيد الوطني والمشاركة في فرق الأوركسترا التي تخلو من العنصر المواطن، ولكن كل هذه الأحلام والطموحات سوف تصطدم مرة أخرى بحواجز وجدران ستكون أكثر سماكة وعلوّاً من الحواجز العائلية التي اصطدم بها في طفولته ومراهقته، وفي نهاية الفيلم ورغم كل الظروف الشائكة يفتح لنا المخرج باباً موارباً على الأمل وعلى مستقبل جديد لجيل مختلف يسعى لتأكيد هويته في عالم متسارع ومختلط بالهويات الأخرى، جيل سيسعى لإثبات ذاته وسط كل عواصف التغيير وكل الرهانات الداكنة والمتشائمة، لأن الرغبات الشابة والمضيئة والمخلصة يمكن أن تصنع حاضرها اللامع، وأن تهيئ مستقبلها المتوهّج بالوعود. استطاع المخرج حميد السويدي في أول أعماله الروائية الطويلة أن يترجم الخطاب الضمني لبطل فيلمه عبدالله، حيث حافظ على إيقاع الفيلم ضمن سياقه الواقعي البعيد عن الفذلكة الإخراجية، واستطاع أن يعزف على أكثر من وتر اجتماعي حساس يتعلق بالتطرف والكبت والتركيبة السكانية والطموحات المصادرة، مستثمراً في ذلك الأداء العفوي والارتجالي للممثلين وسط مسارات درامية وأدائية متوازنة، رغم أن السيناريو كان حاجة إلى نوع من التكثيف واختصار الحوارات، ليأخذ الجانب البصري مداه الأوسع والأكثر ارتباطاً بالصراع النفسي وبنقطة اللاعودة تحديداً، والتي اختار بطل الفيلم عبدالله أن يتخطاها وأن يبذل تضحيات كبيرة للوصول من خلالها إلى هدفه ومبتغاه. باب على الأمل رغم الظروف الشائكة يفتح لنا المخرج في نهاية الفيلم باباً موارباً على الأمل وعلى مستقبل جديد لجيل مختلف يسعى لتأكيد هويته في عالم متسارع ومختلط بالهويات الأخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©