الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غزو الأحباش لـ «اليمن» أنهى حضارتها القديمة

غزو الأحباش لـ «اليمن» أنهى حضارتها القديمة
12 ديسمبر 2015 20:12
سعيد ياسين (القاهرة) ظلت الجزيرة العربية عصية على التدخل المباشر من الروم والفرس، وكان التدخل يتم من خلال القبائل المتحالفة مع أحد الطرفين في شمال الجزيرة، ومن خلال التنافس على اليمن في الجنوب. وكان الأحباش سيطروا على اليمن لفترة زمنية طويلة «74 عاماً» وحاولوا بسط نفوذهم على الطريق التجاري بين الشام واليمن، لتمكين حلفائهم الروم من السيطرة على هذه المنطقة، خصوصاً وأن الروم لم يتمكنوا في السابق من الاستيلاء عليها، وفي سبيل ذلك كان على الأحباش العمل أولا على إضعاف مكانة قريش وقبائل الحجاز وضرب المكانة المقدسة لمكة بالنسبة للعرب، مما يضعفها كمركز تجاري، حيث يقصدها الناس للتعبد وتتم بها الصفقات التجارية. وتبدأ قصة دخول الأحباش اليمن بعدما استنجد دوس ذو ثعلبان -أحد الناجين من العشرين ألفاً الذين قتلوا في حادثة الأخدود، والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم في سورة البروج، بعد هروبه من جنود ذي نواس حاكم اليمن اليهودي، بقيصر الروم، لأنه قيصر نصراني وعلى دينهم، حتى يثأر لقومه الذين قتلهم ذو نواس، وقص عليه كيف قتل قومه النصارى، فغضب قيصر غضباً شديداً، وذكر أن اليمن بعيدة جداً، لكنه سيرسل معه رسالة إلى النجاشي في الحبشة، وهي القريبة من اليمن، والنجاشي أيضاً على النصرانية، وأرسل قيصر مع دوس الرسل إلى النجاشي. ووصلت الرسالة إلى النجاشي «ليسباس» ملك الحبشة فغضب مما فعله ذو نواس بقومه النصارى، وفي العام 533م جهز جيشاً كبيراً من سبعين ألفاً، يرأسهم نائبه «أرياط» ومعه «أبرهة»، وانتقلوا عبر البحر الأحمر من الحبشة إلى اليمن، وبدأ القتال بين ذي نواس بن تبع وبين أرياط، وانتهى بهزيمة ذو نواس وسيطرة الأحباش على اليمن، وكان هذا سبب دخول الأحباش إلى اليمن. واستنفر «سميفع» أقيال اليمن لمحاربة الغزاة في المنطقة الساحلية في ظل تفكك الدولة فلم يستجب أغلبهم، فسار «سميفع»على رأس قوة محدودة واصطدم بالغزاة في منطقة الساحل، ولم يستطع قتالهم لما رأى التفوق العددي الهائل للأحباش، وبذلك انتهى عهد سميفع. وانطلق الغزاة الحبش من منطقة الساحل صوب العاصمة صنعاء ودمروا بعض المدن والقصور الحميرية، ويذكر أن والد سيف بن ذي يزن – «معد كرب بن سميفع» – جمع الكثير من أهل اليمن فقاتلوا الأحباش في حقل شرعة، ولم يستطع مقاومتهم فانسحب إلى مناطق شرق وجنوب اليمن، بينما اجتاح جيش ارياط صنعاء وغيرها، اما معد كرب بن سميفع الذي انسحب من حقل شرعة إلى المناطق الشرقية والجنوبية والوسطى من اليمن، فتم تمليكه عليها وكان مقر سلطانه قصر «جدن» أو «يزن» بمناطق شبوة، وقصر «احور» في أبين على ساحل البحر، وكان يقال له «ملك حمير» بينما لم تنقطع المقاومة للأحباش في القسم المحتل من اليمن. وفي العام 541 م اندلعت الثورة وكان وراءها «معد كرب بن سميفع» ملك القسم المستقل من اليمن، وبعد القتال جرت مفاوضات بينهما بعد أن أعلن أبرهة أنه سيعمل على إعادة بنأ سد مارب، وما سيعود بإعادة بناء السد من خير عظيم للبلاد، وانتهت الثورة بمعاهدات ودية أصبح بعدها أغلب الأقيال والأذواء وزعماء القبائل في طاعة أبرهة الذي أصبح ملكاً لأغلب اليمن، اما «بن سميفع» فاستمر ملكاً ينتظر فرصة مناسبة لتحرير القسم المحتل الذي يحكمه أبرهة. وكان دخول الأحباش إلى اليمن إيذاناً بانتهاء الحضارة اليمنية القديمة، فالأحباش عملوا على إبعاد اليمنيين عن إدارة شؤونهم، ولم يسمح لأهالي اليمن سواء من الوثنيين، أو من معتنقي اليهودية من أداء طقوسهم، وأجبر كثيرا منهم على اعتناق المسيحية، وبدأ «أرياط» يظلم الناس بمن فيهم أهل الحبشة الذين كانوا معه من الجيش، لكن أبرهة استطاع أن يجمع بعض قادة الجيش وأعلن الثورة على أرياط، فخرج له أرياط بجيشه والتقى الجيشان وقبل أن يبدأ القتال أرسل أبرهة إلى أرياط والتقيا، ثم قال له: لم نهلك جيش الحبشة، ففي حال تقاتلنا سيقتل الأحباش بعضهم ونضعف ويسيطر أهل اليمن مرة أخرى، فقال أبرهة: نتقاتل لوحدنا رجل لرجل، وتقاتل الرجلان واستطاع أرياط أن يضرب أبرهة ضربة شرم، أي قطع، بها أنفه، ولهذا سمي أبرهة الأشرم، ثم قتل أرياط على يد أبرهة الذي تولى الحكم العام 541 م، وسيطر بعدها على حكم اليمن. وغضب النجاشي غضباً شديداً بسبب مقتل واليه على اليمن «أرياط» على يد أبرهة، فأقسم أن يأخذ جيشه ولا يرجع حتى يدوس برجليه اليمن ويجز شعر أبرهة –علامة على الذل- وعندما علم أبرهة بنية النجاشي، خاف وحلق شعره بنفسه وأخذ تراباً من اليمن، وأرسل رسولاً إلى النجاشي ومعه التراب والشعر، وقال له: يا نجاشي لقد بررت بقسمك، فهذا تراب من اليمن فدس عليه، وهذا شعري قد حلقته بنفسي، وما فعلت ما فعلت إلا لما ظلمنا أرياط، وأنا تابع لك وخادمك وموالٍ لك وما زلت تحت إمرتك، فوافق النجاشي لعلمه ان أبرهة ما زال خاضعاً له. وأراد أبرهة أن يظهر مكانة النجاشي وعظمته، فأمر أن تبنى كنيسة عظيمة جداً في اليمن وسماها «القُليس» فلما أنهى بناءها أرسل إلى النجاشي وقال له: لقد بنيت لك كنيسة عظيمة، وسآمر العرب أن يحجوا إليها بدلاً من كعبتهم، وأرسل إلى قبائل العرب يأمرهم بالحج إلى القُليس. وبعد ذلك بسنوات أنهى أبرهة الارتباط بملك الحبشة – نهائياً– ولكن علاقته بالرومان كانت قوية، وفي العام 565 م مات الامبراطور الروماني «جوستنيان» فاضطربت الامبراطورية، وهوجمت القسطنطينية وشن عرب العراق والفرس هجمات على الرومان في الشام، فرأى «بن سميفع» أن الوقت قد حان للقضاء على الأحباش فسار الى «كسرى انوشروان» يطلب دعماً ضد الأحباش حلفاء الرومان، فوعده كسرى بالمساعدة في سنة لاحقة لأنه مشغول بحرب الروم. وكان فشل أبرهة يدفعه للتخطيط لغزو مكة من أجل تقويضها للسيطرة على الحجاز، وفكر أبرهة أن يحشد جيشاً كبيراً، وأن يسلحه بالأفيال، وهي الفكرة التي اتخذها القائد العسكري القرطاجي هنيبعل في طريقه إلى روما، وهي أيضاً التي هزمت الإسكندر المقدوني لدى دخوله إلى الهند. وفي العام 570 م سار أبرهة لتدمير الكعبة «عام الفيل» ولم يتمكن عرب مكة من مواجهة أبرهة وجيشه وأفياله، ولذلك تمكن أبرهة من الوصول الى مكة من دون مقاومة، فأصابهم عذاب الله وقضى على جيشه وعاد أبرهة ومات، ووردت قصته وأصحاب الفيل في القرآن الكريم في سورة «الفيل»، وبعد انتهاء حكم أبرهة على اليمن خلفه ابنه «أكسوم»، ثم «مسروق» وتنامت في عهده العداوة عند اليمنيين للوجود الحبشي، وتطلع اليمنيون إلى عون الفرس، للتحرر من الاحتلال الحبشي لبلادهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©