الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيــوة·· واحة بلا مشاكل وفيها لكل مرض علاج

سيــوة·· واحة بلا مشاكل وفيها لكل مرض علاج
9 مارس 2008 04:19
لم أتمنَّ العيش طوال عمري في مكان قدر ما تمنيت العيش في واحة سيوة المصرية التي شعرت بمجرد دخولها بأنني قادر على التضحية بأي شيء من أجلها، من أجل الضياع للأبد في غاباتها وأحراشها الساحرة· إنها الجنة في الأرض كما يقول الأدباء، الأعناب والنخيل والينابيع البراقة الصافية و''الحمو'' أي البرد والسلام، الذي يصفي الأجساد وينقيها من الشوائب والأمراض· أهلها طيبون، هادئون، قانعون بحياتهم ومحبون لواحتهم، وتحس بأن حموها صفاهم على نار هادئة جسدا وروحا لدرجة أنك لا تشعر بوجودهم، وإن شعرت فلكي يمدوا لك يد العون والمساعدة بكل أدب وخجل واحترام· الحياة بينهم سهلة، مريحة، وتشعر بأنهم يمكن أن يستغنوا نهائيا عن العالم الخارجي· كل شيء متوفر وفي متناول اليد؛ البيوت مبنية من طين ''الكرشيف'' المحلي، والملابس من صوف الماعز والإبل، والماء في الحمامات والجداول والبحيرات، والأكل من الرطب الجَني على جذوع النخيل، والعلاج الناجع الذي تشد إليه الرحال في الطبيعة والمناخ والينابيع والرمال المترامية والأيدي المجربة الحكيمة· أسماء وتواريخ سيوة أكبر واحات مصر وأقدمها من حيث الاكتشاف، عرفها الفراعنة عام 1500 قبل الميلاد، وانشئ فيها معبد شهير لـ ''آمون ''، ومر عليها الرومان وتركوا بها آثارا وعيونا مازال بعضها قائما حتى الآن، وزارها الإسكندر الأكبر وعمدة كهنة آمون، وخرج منها لفتوحاته الشهيرة التي وصلت إلى مشارف الهند، وقيل إنه أوصى بدفنه فيها· وتقع سيوة في اقصى حدود مصر الغربية في صدر الصحراء الكبرى، وتبعد عن البحر المتوسط 300 كيلومتر، وتنخفض عنه حوال 55 مترا، وتبعد عن القاهرة 600 كيلومتر وعن الحدود الليبية حوالي 60 كيلومترا، وهي منخفض عظيم أشبه بغابة كبيرة وسط الصحراء المترامية· عرضها من الشرق للغرب 30 ميلا، ومن الشمال للجنوب نحو 5 أميال، وهي معروفة منذ عقود كمنتجع صحي بكر هادئ ومنعزل، وفي السنوات الأخيرة ازدادت اهميتها على خارطة سياحة الاستجمام والسفاري، وأرضها البكر اصبحت قبلة لمحبي سياحة السفاري والترحال من شتى انحاء العالم بمن فيهم المشاهير كالامير تشارلز ولي عهد بريطانيا الذي زارها غير مرة، وكوفي عنان الأمين العام السابق للامم المتحدة الذي منح احد أبناء الواحة جائزة من الامم المتحدة نظير ما أداه له وللوفد المرافق في رحلة السفاري التي قام بها إلى سيوة· تتميز سيوة بأنها طبيعة خالصة، مساحات ممتدة من الخضرة، يكتنفها من كل جانب جبال وتلال وقلاع أثرية تعود للفراعنة والرومان، والسياحة فيها سهلة مريحة، والفنادق هناك معظمها بيئي يحافظ على شكل واسلوب حياة وعمارة الإنسان السيوي القديم، نفس ''الطوب الني'' والطلاء المكون من طين ''الكرشيف'' المحلي، ونفس الحياة البسيطة الخشنة الى حد ما، لكن بينها فنادق على أحدث الطرز المعمارية، والأسعار فيها متفاوتة، تتراوح بين 30 دولارا و 400 دولار في الليلة الواحدة· سياحة شتوية السياحة المعتادة لسيوة قصيرة، في الغالب لا تزيد على أسبوع حتى بالنسبة لسياحة السفاري، وهي في مجملها سياحة شتوية بسبب المناخ والشمس الساطعة، والصيفي منها سياحة علاجية· وأهم ما تشتهر به سيوة العلاج بالطمر في الرمال النقية الصافية المشبعة بسخونة الشمس، وطقوس الطمر تبدأ بالامتناع عن تناول الطعام، ثم النزول في حفرة من الرمال، ويطمر المريض في هذه الحفرة لمدة 15 دقيقة في الشمس، ثم يخرج إلى خيمة في الصحراء، ولا يتناول خلال هذه الفترة سوى المشروبات الدافئة، ويستمر العلاج ثلاثة أيام· أما الوقت المناسب له فهو من يونيو حتى سبتمبر لأن أهم ما يشترطه هو المناخ الحار الخالي من الرطوبة· ويتكلف برنامج العلاج ما يعادل 70 دولارا شاملة الإقامة والطعام· وهناك أيضا العلاج بالعيون المعدنية والكبريتية وبالوصفات الشعبية خصوصا البدوية كالأعشاب والكي بالنار والدق على اليد والقدم وغيرها· سافرت إلى سيوة في رحلة صحراوية، بدأت من الإسكندرية ومرت على مطروح وانتهت اليها، وهي الطريق الرسمي المعتمد للواحة· وهناك طريقان آخران لكن الأول عبارة عن مدق ترابي يبدأ من القاهرة ويناسب محبي السفاري والمغامرات، والثاني أبعد يبدأ من السلوم على الحدود المصرية الليبية، وبعد السير مئات الكيلومترات في الصحاري القاحلة، وجدت نفسي فجأة وبلا أي مقدمات انحدر في منخفض عظيم، ورأيت منظرا من أحلى المناظر وأبهجها، مروج من الأعناب والنخيل والخضرة والينابيع الصافية اللامعة، ووسطها وعلى حوافها مبان طينية منخفضة وهشة كنت اظنها أخصاصا واتضح انها بيوت أهل سيوة وساحات فضية متلألئة اتضح انها بحيرات، وربوة بنية شاهقة تبين انها جبل الموتى وسط غابة من النخيل، وغمامة سوداء عرفت أنها جبل الدكرور الشاهق الغني بالاثار والذي كان أهل سيوة يتبركون به ويزورونه في الأعياد، ويتخذونه مصيفا· وما زالت بيوتهم الخالية من الأبواب والشبابيك به حتى الآن· الطريق نحو قلب الواحة وقلعتها وناسها يمر وسط ظلال النخيل والاعناب في منظر ساحر يذكرنا برحلة الاسكندر الأكبر الشهيرة، فقد سار على نفس هذه الارض، وربما فوق نفس الطريق، وكانت عناقيد البلح والعنب والزيتون تكتنف موكبه، ووصل الى معبد آمون الذي ما زالت بقاياه قائمة حتى اليوم، وهو مبني فوق صخرة عظيمة، ويبدو من بعيد أشبه بقلعة حصينة، والاسكندر صعد إليه واجتاز ابوابه وحراساته وسار في ممراته الضيقة حتى بلغ غرفة الاجتماع، وهناك عمده الكهنة المصريون ابنا لـ آمون ووريثا لملكه· نزلت في موقف الحافلات وسط سيوة، وكانت الشمس ساطعة وضوؤها ابيض كضوء القمر، وتوجهت الى فندق ''الباب انشال'' أي الباب رفع من مكانه، وهو مبني مكان قلعة ''شالي'' التي تعتبر الاصل المعماري لسيوة، فقد بناها أهلها وحصنوها بالأسوار فوق هذه الربوة العالية لكي يأمنوا شر هجمات البدو وغاراتهم المستمرة· الفندق بيئي يحافظ على طرازها المعماري القديم، ويعتبر من العلامات المميزة لسيوة الحالية، وفيه تناولت فطورا سيويا شهيا من الاعشاب وأنواع من المربة المتنوعة والزيتون بكافة اشكاله وألوانه· خرجت من الفندق وقمت بالرحلة السياحية المعتادة في سيوة، وسرت في طرق أو مدقات ترابية تتلوى وسط غابة من النخيل وأشجار الزيتون· بدأت بجبل الموتى، وهو عبارة عن هضبة عالية بها الكثير من مقابر الرومان والفراعنة، ونزلت منه على معبد آمون الذي عُمِّد فيه الإسكندر الأكبر، ثم حمام كيلوباترا، ثم منطقة ''جبل الدكرور'' وهي المختصة بالعلاج من أمراض العظام عن طريق الطمر في الرمال الساخنة والتقيت بأحد المختصين فقال ''إن معظم زبائنه من العرب، وأنه يعالج أمراض الروماتزم والعظام عموما، وأن لديه وصفات شعبية لأمراض السمنة والكبد وغيرها، وتابعت علاجه لبعض زبائنه''· وأخيرا زرت متحف ''البيت السيوي''، وهو نموذج للبيت القديم مكون من طابقين ومسقوف بجذوع النخيل، والطابق الأرضي به ''مربوعه'' وهي لفظة بدوية تعني حجرة الضيافة، ولها باب منفصل عن البيت الذي يتكون من مدخل وصحن وحجرات للنوم والطبخ وملحق له بيت آخر للمواشي له باب منفصل على غير عادة أغلب بيوت الفلاحين في شتى أنحاء مصر·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©