الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تاجر من لؤلؤ

تاجر من لؤلؤ
22 فبراير 2017 21:30
على الرغم من الكتابات المتعددة في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وأيضا السياسي لمنطقة الخليج في العقود التي تلت ظهور النفط، إلا أن النصف الأول من القرن الماضي ما يزال تاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي مشمولاً بالغموض والقصور في نفس الوقت. فكثير من أعيان المنطقة والتجار على وجه الخصوص كان لهم دور الريادة في النهوض بالجوانب الثقافية والتعليمية لأبناء المجتمع. وكان أغلب هؤلاء التجار من الذين امتهنوا الغوص وتجارة اللؤلؤ التي كانت تدرّ أرباحاً مجزية. ونحن نعلم أنه لا يمكن لأي حركة أدبية أو سياسية أو ثقافية أن تتطور في المجتمع إلا على مهاد اقتصادي مزدهر، وذاك يفسر لنا وجود تواصل وحرص من هؤلاء التجار على إنشاء المجالس والمنتديات والمكتبات وجلب الصحف والمجلات العربية من الحواضر العربية في ذلك الوقت، يعني أن هناك نخبة قارئة ومتعلمة في الإمارات. كان عبدالرحمن بن حسن المدفع رحمه الله من تجار اللؤلؤ البارزين ومن ممولي تجارة الغوص وسفن الشحن الشراعية التي كانت تنتقل بين شبه القارة الهندية والخليج. هذا الرجل المثقف الكريم الذي يعد مؤسسة ثقافية تجارية، ومرجعاً يرجع إليه المتخاصمون في أمور اللؤلؤ، والمشهور بفيض كرمه، وسفير اللؤلؤ في الهند هو من أبناء أسرة المدفع المشهورين وهو من كبار تجار الشارقة، وقد أقام عبدالرحمن بن حسن المدفع 40 سنة في بومباي وتوفي هناك. ساهم في نشر الوعي الثقافي لدى ابناء الشارقة، وكان له دور اجتماعي مشهود فقد حباه الله بالحكمة والخلق الحسن كما كان كريما محباً للخير وعمل البر والإحسان. عبدالرحمن المدفع سيظل في ذاكرة أبناء الإمارات، بما قدمه من مآثر لخدمة بلده وخدمة الإنسان العربي، نموذجاً لما قدمه تجار اللؤلؤ لمجتمعاتهم من خدمات نهضوية، فقد كان بيته ومجلسه مضيفاً، وملتقىً أدبياً لأهالي الخليج واليمن، واشتهر بالكرم وحسن الضيافة للوافدين. وكان تاجر لؤلؤ شهيراً في بومباي، التي كانت مقصد الكثير من تجار اللؤلؤ في الخليج ومركزاً هاماً لتجارة اللؤلؤ. وكغيره من تجار اللؤلؤ كان يتردد في بومباي على ناد يسمى (المنتدى) يجتمع فيه الخليجيون والعرب والهنود المسلمون لتبادل الأحاديث، التي لم تكن تقتصر على تبادل المعلومات التجارية بل كانوا يستعرضون أخبار العالم ويعلقون على الحوادث والأخبار التي كانت تصل إليهم، إضافة إلى الاطلاع على الكتب والصحف والمجلات وغيرها من الأنشطة. كان مجلساً أدبياً وفكرياً يلتقي فيه الكتّاب والأدباء والمثقفون وذوو الفكر والرأي، كما كان تجمعاً لكثير من الأدباء العرب الذين تواجدوا في تلك الفترة أو الذين كانوا على صلات به. وقد كان بيته الكبير مفتوحاً لكل من قصده من تجار اللؤلؤ وأبناء الإمارات يترددون عليه طيلة مقامهم في الهند. وكان يمتلك خزانة كبيرة يحفظ فيها «الطواشون» ما بحوزتهم من اللؤلؤ الثمين، حيث يقوم بعد ذلك بشرائه منهم بنفسه، أو يقوم بتسويقه لهم بواسطة «الدلالين» التجار الهنود، وقد سخر علاقاته وإمكانياته المادية للناس. وكانت هناك رسائل بينه وبين بعض التجار تفيد ذلك الدور. وبالبحث لم أجد سوى رسالة وحيدة تتحدث عن صفقة الدانات التي كلف بها من قبل أحد التجار بالشارقة لبيعها لحسابه. ولعل الرسالة التي جاءت إلى عائلته بالشارقة، في رثائه تؤكد دور هذا الرجل وشهرته وكرمه وثقافته وقد كان عنوان الرسالة «رثاء زعيم» وجاء فيها: وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدّما وردتنا رسالة من الشارقة (في عمان) مفادها أن برقية وردت من بومباي إلى آل المدفع الكرام بالشارقة تنبئهم بوفاة زعيمهم الكبير عبدالرحمن بن حسن المدفع الحارثي يقول فيها مرسلها إن الأسواق في الشارقة قد أغلقت وعطلت دوائر الحكومة حداداً على الفقيد العزيز، كما قدمت الوفود من البلاد المجاورة للتعزية إلى آل الفقيد كجاري العادة هناك إذا توفى عميد قوم. لقد مات حقاً عبدالرحمن ملجأ الضيوف وغياث الملهوف موئل الجميل ومعقد آمال قومه ومحط رحالهم: توارى أبو الأضياف في كل شتوة ومأوى ضعاف ما تنوء من الجهد هذا جانب قليل من حياته ومواقفه، وتأثيره على الخليج العربي وتجارة اللؤلؤ، التي ظلت الشارقة والإمارات والخليج تعتز بها ويذكرها كسبب في توطيد وترابط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والتي يعد عبدالرحمن بن حسن المدفع أحد أعمدتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©