السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغوص .. مناهبة الرحمن

الغوص .. مناهبة الرحمن
22 فبراير 2017 21:28
اشتهرت منطقة الخليج بتجارة اللؤلؤ في السابق، والذي يسمّونه محليّاً (ليلو – بتخفيف الياء)، والمفردة منه (ليلوه)، والتسمية الأشهر عندهم (قماش)، والمفردة منه (قماشه). وقد اهتموا بتسمية أنواعه بتفصيل دقيق، من الرديء منه إلى الجيد والأجود، ومن الصغير إلى الكبير، فمنه (أثمدي)، وهو ما كان لونه كلون الإثمد، و(سنقباسي)، وهو الذي تخالط لونه زرقة مستحبّة، ومن أفضل وأثمن أنواعه (الحصباة) و(الدانة) و(اليكّة) و(الجيوَن – بتخفيف الياء) وغيرها. وقد استخدم شعراء الإمارات القدماء كلمة سنقباسي كصفة للدلالة على لون بشرة الموصوف غير البيضاء المائلة للاسمرار. فيقول الشاعر راشد الخضر: سنقباسي ناشل الراسي والهوى يلوي على زلوفه خور واله ثوب مدراسي واستحي الخوار من يوفه يوم يشرب ماي مالكاسي من ترفة ينبه اتشوفه شمس وانجومه الجلاسي لو زهن بالحسن ووصوفه وكانت تجارة اللؤلؤ تدرّ على المنطقة الربح الوفير، ويسترزق منه العامة والخاصة، لذا كان البعض يُسمّي الكفاح والاجتهاد في الغوص على اللؤلؤ (مناهبة الرحمن). إلا أن الثمن الأكبر الذي كان يدفعه أحياناً العاملون في سبيل جلب اللؤلؤ هو الهلاك في مخاطر البحر وأهواله. وفي ذلك قصص وأساطير عدة. ولا يخفى على العارف بالبحر المخاطر التي يحتملها أو يحتويها، ففي أعماقه تجول (اليرايير) وهي أسماك القرش الخطيرة، وهي أول ما يخطر على بال الكثيرين ممّن يقرؤون عن الغوص أو يستمعون إلى أخباره السالفة، وقد اهتم القدماء بتسمية أنواع (اليرايير)، والاسم أحياناً يدل على درجة الخطورة، فهناك (القصقوص)، وهو (يريور) خطير، سمّي بذلك لأنه (يقصّ) بفكيه، أي: يقطع قطعاً، وكانوا إذا علموا بوجود (اليرايير) في بحرهم، ولهم (غاصه – جمع غيص أو غواص) موجودون في البحر، قاموا بسكب بعض الدهن المستعمل في قلي الطعام في البحر، لأن له رائحة نفاذة لما يحتويه من (البزار/ الأبزار)، ممّا يجعل (اليرايير) ذوات حاسة الشم القوية تتجه إليه وتترك مكان (الغاصه). كما أن هناك (الدول – بتخفيف الواو)، وهو حيوان هلاميّ له (عفوص)، أي: أطراف تلسع، وتنتج حروقاً في جسم (الغيص)، لذا فإنهم إذا علموا بوجوده في (الهير – بتخفيف الياء/ مغاصة اللؤلؤ) قالوا: (في بحرنا دول)، فيقوم (الغاصه) بلبس (لباس) لحماية أجسامهم، وهناك أيضاً (طباقه)، وهو نوع كبير جداً من حيوان (اللخمه)، يُطبق بجسمه الضخم على (الغيص) وهو في القاع يبحث عن المحار، وأخبرني أحد كبار السن –رحمه الله– أن أحد أعمامه كان يغوص، فإذا بالبقعة التي هو فيها تصبح مظلمة فجأة، واكتشف وجود (الطباقه) فوقه، فما كان منه إلا أن (نبَر – هزّ) حبل (اليدا)، وهو الحبل الذي يجرّه به (السيب) إلى أعلى، فرفعه (السيب) بسرعة إلى فوق، ونجا ممّا دهم عليه. وهنالك أمورٌ أخرى مزعجة، منها (بوزيزي)، وهو ما يُسمّى هذه الأيام بحصان البحر، فكان يهاجم (الغاصه) إذا ما اقتربوا من بيته، وذلك بأن يضربهم بذيله الدقيق في أعينهم، فكانوا يبعدونه بأن يضع (الغيص) يده على عينيه حماية لهما، إنما بفرجةٍ بين أصابعه كي يتمكن من القبض على (بوزيزي) وإبعاده. وأخبرني الراوي سالمين بن محمد السويدي أن أباه –رحمه الله– الذي كان (طوّاشاً) أي تاجر لؤلؤ، قد سافر مرة إلى البحرين مع (اليزوة/ البحارة) ليشتري (بقارة – بتشديد القاف التي تلفظ جيما قاهرية)، وهي نوع من السفن، وفي رحلة العودة شاهدوا بقعة يابسة على الماء، حسبوها جزيرة، فقد كان عليها (شبا) وفطريات وما يشبه الطحالب، وكان بعض الطيور يجول عليها، فلما اقتربوا منها إذا بها حوت ضخم جداً، تحرّك فجأة، و(قرم – القاف تلفظ جيما قاهرية) السفينة (قرمتين) فقط، أي: ثلمها بفمه مرّتين، فإذا بـ(البقارة) في خبر كان، وحاول كل مَن كان عليها أن ينجو بنفسه من الغرق، وذلك بالتمسك ببقاياها من الألواح، ثم مرّت بهم سفينة أخرى أنقذهم ركابها، وأعادوهم إلى الوطن. وأحياناً كانت بعض المخاطر أوهاماً، إلا أنها تفعل فعلها، من ذلك خرافة (بابا دريا)، وهي كلمة فارسية تعني: أبو البحر، وهو كائن كبير يظهر لهم قرب مضيق هرمز الحيوي، ولهم قصص وأساطير في كيفية التعامل معه إذا ظهر، وحديثا اكتشف العلماء أن (بابا دريا) العظيم ما هو إلا انعكاس ضوئي يرافق بعض الأحوال الجوية، يعطي صورة المارد المخيف. كذلك كانوا إذا غاصوا يسمعون أحيانا صوتا مخيفا يهدر من جميع الجهات، وكانوا يرتعبون منه، وكان ذلك أصوات حيتان بعيدة، ينتقل ترددها عبر كثافة الماء إلى أماكن بعيدة. وكان (الغاصه) ينزلون إلى (القوع/ قاع البحر) بواسطة (حصاة الغوص)، وهو ثقل من الرصاص يساعد (الغيص) على النزول بسرعة إلى (القوع – القاف تلفظ جيما قاهرية)، وكان اختلاف الضغط بين سطح الماء وعمقه يسبب بعض الدوران في رأس (الغيص)، فكان يصعد أحياناً إلى السطح وهو يقارب أن يكون مغمى عليه من أثر ذلك، ويسمّونه (سنيان)، وإذا كانت حالته أشدّ قالوا: (ضربته جنية البحر). وتروى قصة عن (نوخذة/ ربان) كويتي كان معروفا بشجاعته، حيث نزل (الغاصه) الذين معه إلى (القوع) ثم عادوا فزعين، وأخبروه أن في (الهير) امرأة جالسة بعباءتها، فسخر منهم، وأمر آخرين بالنزول ليتأكدوا من ذلك، فعادوا مؤكدين، وحينئذ اضطرب (النوخذة)، وأخذته شجاعته، فقرر أن ينزل بنفسه، وحين رآها موجودة اقترب منها، وضمّها بين ذراعيه فجأة كي يأمن تحرّكها، لكنه جُرح جروحاً بليغة، إذ لم تكن المرأة سوى صخرة على شكل آدمي بها أطراف حادة، وكان عليها عباءة، يبدو أنها سقطت في البحر من سفينة مارة، أو غارقة، فأخذ العباءة وعاد إلى السفينة ليُريَ بحارته العباءة والدماء التي عليه، أو دليل شجاعته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©