الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللؤلؤ.. دموع المحارات

اللؤلؤ.. دموع المحارات
22 فبراير 2017 21:25
لم ينتشر ويعرف في مغارب الأرض ومشارقها حجر كريم كما انتشر اللؤلؤ، ولم يشكل عماد حياة ومستقبلها كما فعل اللؤلؤ، كما لم يمتلك تاريخاً مثيراً ومليئاً بالجمال والحسن والإشراق والغبن والظلم والخطر كما اللؤلؤ، وليس هذا غريباً، فهو أقدمها وأجملها وأكثرها تداولاً ومعرفة، ويمتلك اللؤلؤ تواريخ لا يمكن تجاهلها أو إغفالها، تاريخياً وجغرافياً ودينياً وأدبياً وعلمياً. يُعد اللؤلؤ تاريخياً من أقدم الأحجار الكريمة الثمينة التي عرفتها البشرية على الإطلاق. وقد اختلفت تواريخ العثور على أول لؤلؤة (منفردة) في الحفريات الأثرية حول العالم، كما اختلفت التأويلات حول التحديد الأدق لتاريخ هذه اللؤلؤة، فقد اكتشف علماء آثار فرنسيون أقدم لؤلؤة طبيعية في تاريخ البشرية - حسب تفسيراتهم - في موقع يعود إلى العصر الحجري الحديث في أم القيوين بالإمارات العربية المتحدة، يرجع تاريخها إلى حوالي 7500 سنة. وأوضحوا في بيان لهم: «حتى يومنا هذا، كان أخصائيو الأحجار الكريمة يعتقدون أن أقدم لؤلؤة طبيعية، تعود إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد ومصدرها موقع ياباني يعود إلى حقبة ما قبل التاريخ»، غير أن (اللؤلؤة غير المثقوبة) التي تم اكتشافها مؤخراً في إمارة أم القيوين الساحلية في الإمارات العربية المتحدة، في قبر موضوعة فوق شفة الميت العليا، تعود حسب القياسات التنقيبية بالكربون 14، إلى 5500 سنة قبل الميلاد، وأنها بالتالي أقدم لؤلؤة طبيعية أثرية معروفة حالياً في شبه الجزيرة العربية والعالم بأسره». كما دلت حفريات البحيص (الشارقة) على وجود لقى أثرية تعود إلى 7000 سنة، ومنها جمجمة امرأة، وبأسفل الأنف وجدت لؤلؤة، أجمعت الآراء على وجودها في فترة تقارب لؤلؤة البعثة الفرنسية في أم القيوين. كما عثرت بعثة التنقيب الإنجليزية في غرب البحرين (سار) على لؤلؤة سار، نسبة إلى الموقع نفسه، يبلغ قطرها 4.02 مم، ويقدر عمرها بأكثر من 4000 سنة، كما تم اكتشاف لؤلؤة أثرية في مقبرة طفل داخل جرة فخارية في موقع مدينة حمد الأثري، يقدر عمرها بـ 4300 سنة. عرف الصينيون اللؤلؤ قبل 4000 سنة في محار تم العثور عليه في مياه الأنهار الضحلة، وكان اللؤلؤ - بحسب ما تروي كتب التاريخ - يقدَّم كهدايا عند الأمراء الصينيين قبل 2300 سنة قبل الميلاد، وكانوا يعتقدون أن اللؤلؤ رمز الصفاء ويعطيه لمن يقتنيه ويرتديه. أما عند الرومان القدامى، فكان اللؤلؤ رمزاً للمكانة العالية، حيث أطلق يوليوس قيصر قانوناً يسمح للطبقة الحاكمة فقط بارتداء اللؤلؤ. كما قيل أن الإسكندر المقدوني و80 من أتباعه قدموا اللؤلؤ كمهور لزوجاتهم. وأن يوليوس قيصر غزا بريطانيا بناء على إشاعة مفادها وجود اللآلئ هناك. وأصبحت تجارة اللؤلؤ شيئاً مهماً في تواريخ الرومان في القرنين الخامس عشر والسادس عشر اللذين سُمّيا بعصر اللؤلؤ، واكتشف اللؤلؤ في جنوب أميركا مع تنامي الطلب على الحجر الصافي ضمن أوروبا الغربية، حيث كانت السيدات النبيلات يقتنين اللآلئ ليضعنها كقلائد ومشابك وأساور وأقراط، كما اكتشف الهنود وأهل سيلان اللؤلؤ علي شواطئهم في القرنين السابع والسادس الميلاديين. عرف اللؤلؤ قبل الإسلام في الخليج العربي بقرون عدّة، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ* فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرحمن 29 -19). وفي آية أخرى قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. «لؤلؤ» الأساطير أثيرت الكثير من الأساطير حول اللؤلؤ وكتبت عنه أشعار وملاحم، بدأت ولم تنتهِ، ومنها أسطورة جلجامش، التي ذكرت أن جلجامش وضع فطاماً على أنفه وحبلين في مؤخرتهما حجران ليغوصا به بسرعة بحثاً عن زهرة الخلود. وهناك أسطورة أخرى تقول إنّ قطرات الندى سقطت في البحر فابتلعتها المحارات وهكذا تكوّنت اللآلئ. وذكر أرسطو طاليس أن الدر يتكون نتيجة هيجان البحر المحيط، ويكون لأمواجه رشاش تلتقمه أصداف البحار، ثم يحتضن الصدف تلك القطرات، ويستقبل بها الشمس عند شروقها وعند غروبها، حتى يتم نموها وتنعقد الدرة داخلها، ويكون حجمها تبعاً لحجم القطرات التي التقمها الصدف، وأن الندى أو المطر حينما يقع على البحار في فصل الربيع، تخرج الأصداف إلى سطح البحر تتلقف قطرات المطر، ثم تنزل إلى قعر البحر حتى ينضج ذلك الماء، وينعقد دراً صغيراً أو كبيراً بحسب صفاء القطرات وكبرها. «لؤلؤ» العلم تتكون اللؤلؤة من جسم غريب أو ذرّة رمل أو ما شابه ذلك، تدخل إلى المحارة (الصدفة) فيتأذّى منها الحيوان الرخو (كائن حي) داخل الصدفة، فيدافع عن نفسه بأن يفرز مادة لؤلؤية تجعل ذلك الجسم أملس ناعماً مستديراً تقريباً حتّى لا يؤذيه، فتتكون من جرّاء ذلك اللؤلؤة، وتكون جودتها على قدر قوة إفراز الحيوان، والسطح اللماع هو الذي يساعد على تكوين اللؤلؤة، فيعطيها الضوء اللازم. «لؤلؤ» صناعي اللؤلؤ الصناعي أو اللؤلؤ المزروع أكبر ضربة اقتصادية وعلمية واقتصادية أثرت وشاركت في تدمير اسم وشهرة واقتصاد اللؤلؤ الطبيعي، خاصة في الخليج العربي، حيث سنت الحكومات القوانين والشرائع لمنع استيراده وتداوله، وله (اللؤلؤ المستزرع) حكاية طويلة بدأت عندما سأل ميكوموتو بعض أصدقائه عن كيفية تكوين اللؤلؤ. وحصل عام 1888 على قرض لبدء مشروعه في زراعة اللؤلؤ في خليج أكو الياباني بمساعدة زوجته وأمه، فقرر ميكوموتو أن يدخل جسماً غريباً في كل قوقعة يجدها، فجمع عدداً من القواقع وفتحها برفق وأدخل فيها الأجسام الغريبة وانتظر عامين وبعد ذلك فتحها فلم يجد شيئاً فقد ماتت جميعاً، وحاول من جديد وهبت العواصف وماتت القواقع، فخسر ميكوموتو الشيء الكثير، ولكنه لم ييأس. خلال تجاربه الطويلة تعلم ميكوموتو أن انخفاض درجة حرارة الماء إلى أقل من 7 درجات مئوية يقتل القواقع، وتعلم أيضاً أن وضع عدد كبير منها في قفص واحد يقتلها (1). وبعد أن أجرى دراسة على لؤلؤة طبيعية عرف أين يجب أن يضع الجسم الغريب، واكتشف أنه كان يضعه في مكان غير مناسب، ثم قام بعملية زراعة الأجسام الغريبة في 850.000 قوقعة، وفي 11 يوليو 1893 وبعد عدة محاولات فاشلة، قربته من الإفلاس، نجح في إنتاج لؤلؤ زراعي شبه كروي، فعرض إنتاجه في النرويج عام 1897 وبدأ بالتجارة والحصول على المال، لكنه استغرق بعد ذلك حوالي 12 عاماً للحصول على لؤلؤ كروي الشكل من غير الممكن تمييزه عن اللؤلؤ الطبيعي، بيد أن الإنتاج بشكل تجاري لم يتم حتى عام 1920. أحجام وأشكال للآلئ أشكال وأحجام مختلفة؛ فقد تكون على شكل حبة الأرز أو كروية أو كمثرية الشكل أو على شكل أزرار أو غير منتظمة الشكل، ويتم تقييمها حسب هذا الترتيب، أما أفضل أنواع اللآلئ عادة، فهي بيضاء اللون، وأحياناً بلمسة عاجية اللون أو زهري خفيف، كما قد يشوبها لمسة من اللون الأصفر والأخضر أو الأزرق والبني والأسود، واللآلئ السوداء غالية جداً بسبب ندرتها. واللؤلؤة لا تقطع أو تصقل كالأحجار الأخرى، فهي ناعمة جداً وتتأثر بالأحماض والحرارة، بوصفها مواد عضوية، فهي عرضة للتحلل. أما أكبر مركز للآلئ الطبيعية في العالم فهو الخليج العربي، ويقال إنه ينتج أفضل لآلئ الماء المالح، وتوجد مصادر مهمة أخرى منها: سواحل الهند والصين واليابان وأستراليا وجزر المحيط الهادي وفنزويلا وأميركا الوسطى وأنهار أوروبا وأميركا الشمالية، وقديماً كان البحر الأحمر مصدراً مهماً لصيد اللؤلؤ. ملكة جمال اللؤلؤ وجدت في مزارع باسبالي في سواحل كمبيرلي بأستراليا لؤلؤة، تعد واحدة من أجود لآلئ البحر الجنوبي، سواء الطبيعية أو المستزرعة على الإطلاق، وتتمتع اللؤلؤة المستديرة ببياض نادر مع لمعة وردية اللون، يبلغ قطرها أكثر من 20 ملم.، لذا فهي مثالية في مقاييسها من حيث الحجم، الشكل، والجمال، لذا تعرف هذه اللؤلؤة التي لا تقدر بثمن باسم «لؤلؤة اللآلئ»، وتم عرضها في عام 2005 في معهد سميثسونيان في الولايات المتحدة الأميركية خلال معرض عالمي لللؤلؤ النادر، بجانب أشهر اللآلئ في العالم عبر التاريخ، مثل لؤلؤة الأمل (وتعتبر أكبر لؤلؤة طولها بوصتان ومحيطها 4 بوصات، ووزنها 1800 قمحة، ووزنها 50 جراماً) ولؤلؤة الكويت ولؤلؤة شاهين. ---------------- * توفي الكاتب والباحث التراثي عبد الجليل السعد، مساء السبت الماضي، 18 فبراير 2017، وهو قامة تراثية وبحثية مهمة وذاكرة حافظة للتراث. اشتهر بتعدد عطاءاته وكتاباته بين السيناريو السينمائي والتلفزيوني، والبحث الثقافي والتراثي، والمقالة الصحفية، والترجمة من الإنجليزية إلى العربية، والنقد المسرحي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©