أبو الحسن: في الغربة حفرت الأرض

على مدار عمره يتعلم الإنسان الكثير، لكن الاغتراب والبعد عن الأهل يكسبانه خبرات قد يقضي العمر في محاولة تعلمها إن لم يغترب· ولأن ''لقمة العيش مرة'' يضطر الكثيرون في كل مكان إلى ترك أهلهم وناسهم والسفر بحثا عن تلك ''اللقمة المرة''· أبو الحسن نبيل واحد من هؤلاء، ترك (باكستان) قبل عدة سنوات وأتى إلى الإمارات بحثا عن الرزق، وتمكن من إصدار ''رخصة'' قيادة ثقيلة لتصبح بوابته للعمل· يقول أبو الحسن: أعمل سائق ''حفار'' منذ ثلاث سنوات ونصف· استيقظ باكرا كل يوم وأبدأ عملي في تحميل الرمال للمزارع أو الشركات، وأحيانا أعمل على دفن أراضي الفلل وتحريك الحجارة الضخمة· أحب عملي لأنه يرتبط بالأرض والتراب، فأنا من منطقة جبلية، وأعتقد أن عملي يهون من شعور الغربة· ومن إيجابيات الغربة أن أبو الحسن تعلم اللغة العربية وحفظ عدة أجزاء من القرآن الكريم، يقول: ''في الإمارات تعلمت اللغة العربية التي كنت أعرفها بحكم حفظي لبعض أجزاء القرآن الكريم· لكنني تعلمتها هنا بشكل مكنني من التعامل اليومي بها· في باكستان تعلمنا المدارس القراءة والكتابة ومع ذلك نذهب لحفظ القرآن الكريم في ''الكُتّاب''، ولأن والدي يعمل في الإمارات منذ سنين كان يسيراً علي أن ألتحق بالمدرسة لتعلم الرياضيات وبعض المهارات الأخرى، لكن هذا لم يمنع ذهابي (للكُتّاب) وهناك حفظت بعض أجزاء القرآن''· يفتقد أبو الحسن جو الأسرة، فهو متزوج ووالد لطفلين (حسن، بلال) يحمل صورتهما في جيبه، ويشعر بالسعادة لمرأى الأطفال وهم يلعبون ويمرحون، يقول: ''الصغار نعمة من الله ولأنني أحب أبنائي سافرت واغتربت· أريدهم أن يتعلموا في المدارس، وأن يتمكنوا من الذهاب إلى الجامعة، فأنا فعلا لا أريد أن يضطر أبنائي للعمل والحياة خارج باكستان، وكل ما أريده أن يكونوا في وضع أفضل من وضعي وأن يعملوا في مهن حلموا بها· أنا لم أستطع إكمال دراستي والالتحاق بالجامعة لكنني أتمنى أن يستطيعوا هم تحقيق ما لم أحققه أنا''· أبو الحسن يقضي نهاره بكامله أحيانا في عمله، لأن طبيعة ما يقوم به تحتاج إلى صبر وجهد، ومع ذلك يؤكد أنه ''مرتاح'' في هذا العمل، ويقول: يحتاج الحفر إلى جهد وتركيز، فأنا أقود آلة عملاقة لا أعرف ماذا تخبئ لها الأرض تحتها· أخاف من وجود التمديدات أو الكابلات، لذا أحاول التحري عن وجودها قبل العمل· ونظراً لخبرتي أصبحت أعرف مكانها في الفلل القائمة فعلا (وهي المكان الذي أخشى وجود كابلات فيه أو تمديدات) لأن أكثر عملي يكون قبل مدّ الكابلات أساساً فجرف التربة يكون أول خطوة لإقامة أساس الفيلا· وأما العمل في المزارع والمساحات المكشوفة فهو الأكثر راحة بالنسبة لأبو الحسن وقليلا ما يتعرض فيه لأي ضغط· ويكمل أبو الحسن عن نفسه: أجد راحتي حين ألتقي بأصدقائي، وأخرج في نزهات أيام الأعياد، وحين تكون الفرص مواتية للذهاب إلى ''دبي'' التي أجدها رائعة ومريحة، أقضي الوقت مع أصحابي هناك، وأذهب للحدائق وزيارة الأقارب، وأعتبر الذهاب إلى دبي هو أروع ما أقوم به في غربتي·