السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعايش الإيجابي مع فاجعة الموت يعين على تجاوزها

التعايش الإيجابي مع فاجعة الموت يعين على تجاوزها
23 نوفمبر 2012
لا ينتهي الحزن والأسى الذي ينتاب المرء عند إصابته بفاجعة فقدان حبيب أو قريب عند نقطة معينة بعد موته. بل يمتد إلى فترة تكون قصيرة لدى أصحاب الأفئدة القوية وطويلة لدى أصحاب المشاعر المرهفة والهشاشة العاطفية. فصدى آلام خسارة الفقيد لا يتلاشى بانصراف المعزين، بل يعود ليتردد في جنبات ذهن الشخص المفجوع ونفسه وقلبه كلما استحضر ذكرياته، أو مر بمكان كان يحبه أو صادف ما يذكره به. ويقول خبراء الصحة النفسية إن اللبيب هو من يُحول تلك اللحظات الباعثة للحزن والأسى إلى أوقات يستخلص منها المرء كل ما هو إيجابي ويخدم مناعته الشعورية والعاطفية. عندما يرحل حبيب أو قريب، فإن رد الفعل الشعوري الطبيعي الذي ينتاب أحباؤه هو الحزن والأسى. ولا يستغرق ذلك أياماً معدودات يعود بعدها الشخص إلى حياته النفسية الطبيعية، بل قد يلقي الحزن بظلاله على حياة الشخص شهوراً وأحياناً سنوات. وإذا كان بعض الناس يتغلبون على صدمة الفقدان المفاجئ لحبيب أو قريب بسرعة ويواصلون حياتهم بشكل طبيعي، فإن معظمهـم يستسـلمون لمشـاعرهم الحزينة كلما حلت ذكرى وفاة الفقـيد أو عيد ميلاده، وكلما وقعت أعينهم على من يشبهه ويذكرهم به. انبعاث الأسى المشاعر التي تظهر في كل ذكرى أو مناسبة تُذكر بالفقيد لا تُعد بالضرورة انتكاسة في عملية التعافي من صدمة خسارة الحبيب، بل هي فقط تجسيد عاطفي يترجم درجة المحبة التي يكنها الشخص للمتوفى، ويعكس نوع الفراغ الذي خلفه فقدانه في حياته. ولمواصلة التقدم في درب التعافي، ينصح خبراء الصحة النفسية من عيادات “مايوكلينيك” بالتسلح بالوعي اللازم من أجل معرفة التعايش بإيجابية مع كل الأشياء والعناصر التي تُذكر الشخص بمن افتقده. وإذا كان المعزون يُشاطرون أهل المتوفى لحظات حزنهم وأساهم لحظات قليلة، ثم ينصرفون ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، فإن الحزن يظل مخيماً على بيت أهل الفقيد وجاثماً على قلوب أحبائه أياماً طويلة، لا سيما إنْ كانت وفاته مفاجئة أو غير متوقعة. وإذا كان شعور الحزن يُستحضَر بقوة في مناسبات ذكرى الوفاة أو الأعياد، فإنه يطغى على قلوب المكلومين من الفقدان أيضاً عند المرور بأماكن تعود الفقيد على زيارتها أو العيش فيها أو العمل بها. وقد ينتابك خلال سياقة سيارتك ومرورك بجانب مطعم أو مقهى كان يجلس فيه الفقيد فيض من العواطف. وقد يحصل ذلك بمجرد سماعك لأغنية أو قطعة موسيقية كانت هي المفضلة للفقيد، طفلاً أو أباً أو أماً أو زوجاً أو زوجة أو قريباً أو صديقاً. كما أن حضور حفل تأبين أو الاحتفاء بأعمال الفقيد أو إسهاماته بعد الوفاة واستحضار أعماله يمكن أن يجلب إلى النفس قدراً كبيراً من الأسى. ويمكن أن تستغرق ردود الفعل الشعورية الناجمة عن ذكريات معينة أياماً، وأحياناً أسابيع. وعلى الشخص الذي يحضر مناسبة أو ذكرى لها علاقة بالفقيد أن يتوقع عواطف من قبيل الحزن والغضب والقلق والألم واضطرابات النوم والتعب والكآبة، وأحياناً الوحدة. وقد تجلب مناسبات كهذه ذكريات قوية تُستحضَر معها كافة التفاصيل التي أحاطت بالوفاة. فتجد الشخص الحاضر يستحضر تماماً ماذا كان يفعل وأين كان وكيف مات الفقيد، أو كيف تلقى نبأ وفاته، وغيره من الحيثيات. مناعة عاطفية يقول خبراء الصحة النفسية إن الشخص قد يظل عائشاً على وقْع فقدان عزيز لسنوات عدة بعد وفاته. وهم ينصحون كل شخص أن يتبع خطوات مناعة شعورية تُسهل عليه التعايش مع فواجع قوية كالموت، وتُحصنه من الرزايا العاطفية التي قد يُسببها الموت للمفجوع بموت حبيبه. وما دام الموت سنة من سنن الحياة ونهاية حتمية لكل مخلوق، ينصح الخبراء بأن يتسلح كل شخص بما يلزمه حتى يسهل عليه تجاوُز محنة فقدان حبيب أو قريب، وحتى يتعافى عاطفياً بأسرع وقت ممكن، ويواصل حياته ولا يضيع وقتاً طويلاً في الحزن على الآخرين. ومن بين هذه النصائح: ? كن مستعداً. فالإنسان الإيجابي هو الذي تكون له القابلية للتعامل مع أي موقف وللتعايش مع أي شعور، فيدفعه ذلك إلى تحويل مناسبات التأبين وذكرى الوفاة إلى فرص للتعافي، واستخلاص الدروس مما مر به الفقيد من محطات وتجارب. ? خطط لقليل من الترفيه والمرح. حاول برمجة زيارة مع الأصدقاء أو الأحباء، خلال الأوقات التي تشــعر فيها بالوحدة، أو حينما تجعلك ذكريات الفقيد حزيناً أو ـكئيباً. ? استحضر المحطات الإيجابية في علاقتك بالفقيد. ركز على الأشياء الجيدة التي ربطتك بالمتوفى، وعلى الأوقات الجميلة التي قضيتها بصحبته، ولا تُسخر طاقتك الفكرية في التركيز على مسألة فقدانه. اكتب ما تشعر به حياله بعد سنة أو عشر من فقدانه، أو شاطر الآخرين بعض ذكرياتك الجميلة معه. ? ابتكر عادة جديدة. يمكنك مثلاً أن تتبرع بمبلغ مالي أو شيء عزيز تملكه إلى جمعية خيرية، أو منظمة إنسانية في ذكرى الوفاة أو التأبين أو العطل، أو قم بزرع نبتة، أو شجرة أو فسيلة نخل في كل مرة تُخلد فيها ذكرى رحيله السنوية. ? تواصل مع الآخرين. اجعل أصدقاءك وأحباءك قريبين منك، بمن فيهم أولئك الذين كان المتوفى يحبهم ويُكن لهم معزة خاصة، ولا تبخل عليهم بزياراتك. ويمكنك أن تجد من يشجعك منهم على الحديث عن خسارتك للفقيد. فلا بأس بذلك ما دُمت تُبقي نفسك متواصلاً مع شبكة أحباء يدعمونك روحانياً وعاطفياً واجتماعياً. ? اسمح لنفسك بالشعور بتشكيلات متنوعة من العواطف. من الطبيعي أن ينتابك شعور بالحزن وتحس بثقل الفقدان، لكن ذلك لا يجب أن يجعلك تُحرم على نفسك الشعور بالفرح والسعادة. فأطلق لقلبك العنان للتعبير عن كل ما يختلجه، ولا بأس أن تعيش لحظات خاصة تجد فيها نفسك تضحك وتبكي، أو تحزن وتفرح، فلن يكون ذلك تناقضاً ولا شيئاً معيباً. الفشل في التعافي يُشير خبراء الصحة النفسية إلى أنه ليس هناك وقت معين يمكن فيه أن نعتبر أننا توقفنا عن الشعور بالحزن تُجاه فقدان شخص ما. فقد تمر في ذكرى وفاة حبيب ما بأوقات عاطفية صعبة للغاية بسبب استحضارك للفقيد واستشعارك لفداحة فقدانه وخسارته، لكن الشيء الإيجابي هو أن هذا الشعور يخف تلقائياً مع مرور الوقت، ولعل ذلك يحدث بفضل نعمة النسيان النسبي التدريجي الذي رُزق به كل إنسان. وفي حال فشل الشخص في التعافي، من فقدان حبيب أو قريب وساءت حالته النفسية أو وصلت إلى مستوى مقلق، فعليه أن يُسارع إلى مراجعة استشاري صحة نفسية. أما إن أهمل نفسه واستسلم للحزن والأسى ينهش قلبه ويجفف معين عواطفه، فإن ذلك قد يقوده إلى المعاناة من مستوى مزمن من الكآبة. كما أن صحته النفسية قد تصل إلى الحضيض بسبب الهرمونات التي تغمر الجسم استجابة لشعور الحزن الذي يغذيه ويرويه الإنسان في قلبه، فيؤثر على كافة جوارحه ووظائف جسمه، ويقلل تفاعله مع محيطه، وقد يعزله عن مجتمعه. أما إنْ لجأت إلى استشاري صحة نفسية، فإن لديك وسائل علاجية قادرة على تزويدك بما يساعدك على إدارة مشاعرك وتوجيه حياتك وتسريع عملية تعافيك، ويجعلك تعود بسرعة إلى أحضان الحياة وبهجتها وتواصل عيش لحظاتك مع الأحباء الآخرين. فالحياة لا تنتهي لحسن الحظ بوفاة حبيب أو قريب. وتحقيق السعادة الحقيقية لا يكون أبداً برهن ماهية الوجود بالعيش رفقة شخص ما، فكل حب إنساني قابل للتعويض بفضل طبيعته النسبية، ومن ثم فإن مصيبة فقدان هذا الحب تظل قابلة للتجاوز بفضل استحالة حب شخص ما حباً مطلقاً. هشام أحناش عن موقع “mayoclinic.com”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©