الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب الشياطين

حرب الشياطين
23 نوفمبر 2012
أحمد محمد (القاهرة) - تقدمت المرأة مثل الآخرين لشراء شقة تمليك في البناية الجديدة التي يبنيها «ماهر» المقاول، تم تحرير عقد ابتدائي وتسلم مقدم الثمن إلى أن ينتهي من جميع الإنشاءات وتوصيل المرافق ربما في غضون عامين أو يزيد قليلاً وتبقى له مبلغ كبير باقي السعر المتفق عليه ولم يكن ماهر يفعل ذلك مع كل الذين تقدموا لشراء وحدات في بنايته لكن مع إلحاح المرأة وأيضاً مع كثير من الدلال الذي أظهرته سال لعابه وإن لم يكن طامعاً في شيء منها لكنه أراد أن يظهر أمامها كرجل متحضر وهو في النهاية لن يخسر شيئاً ولن يتنازل عن جنيه واحد من حقه كل ما سيفعله أنه سيمهلها عدة أشهر لتسديد ما عليها وقد يحصل على كامل حقوقه قبل أن تتسلم الشقة. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها ماهر غمار عالم المعمار بل منذ سنوات طويلة شرب المهنة وأصبح خبيراً بأسرارها وقد بدأ حياته من الصفر عندما كان مجرد عامل أجير ثم مقاول أنفار يجمع العمال المتخصصين في هذا المجال للمقاولين الكبار الذين يتولون كل العمليات المتعلقة بالإنشاءات وكل لوازمها إلى أن استطاع أن يصبح مقاولاً صغيراً يقوم ببعض الأعمال الجزئية وجرت الأموال بين يديه حتى أصبح مقاولاً يعلم كل أسرار المهنة التي بدأها من الصفر فها هو يشتري الأراضي ويستخرج التراخيص ويقوم بالبناء ويستطيع بيع كل الوحدات التي سيقوم ببنائها بمجرد وضع الأساسات وقبل أن تظهر الأعمدة فوق الأرض وهذا يتيح له الحصول على مبالغ ضخمة يمكنه أن يستثمرها أيضاً في نواح أخرى مثل شراء الأراضي والاتجار فيها. المرأة لم تتوقف عند حد المحاولة الأولى وراحت تماطل في سداد باقي الثمن بالرغم من قرب انتهاء الأعمال وتسلم الشقق وقد تكلفت مبالغ ضخمة ولم يتوقف ماهر عن مطالبتها حسب الاتفاق ووصل الأمر إلى تهديدها بفسخ العقد الذي بينهما ورد المبلغ الذي دفعته وفي هذه الحالة فإنه قد يربح ضعف المبلغ المتفق عليه وهي ستخسر كثيراً لأن الأسعار في تلك المنطقة المتميزة ارتفعت كثيراً لذا فإنها متمسكة بالوضع القديم وهو لا يريد أن يتنصل منه وإنما فقط يريد أن يحصل على حقه. استمرت الحال طويلاً لعدة أشهر بين شد وجذب هو يتعجل وهي تماطل بالفعل كانت ماكرة تسعى لكسب المزيد من الوقت لكن يبدو أنها أكثر خبثاً وتذهب إلى ما لا يعرفه أحد فهل تريد أن تسدد وتعطي الرجل حقه أم أنها تخطط لتتنصل من مديونيتها الحقيقية؟ كانت لغزاً غير قابل للحل بسهولة مثل الحية الناعمة تخفي سمومها ولا يبدو منها الشر لذا فإنها عندما حمي الوطيس واشتد الخلاف توجهت إليه للتفاوض معه وكعادتها استطاعت أن تسيطر على جلسة الحوار وبلغتها الناعمة وأسلوبها الهادئ ولم تكن تفتقد هدوء الأنثى واستغلت الضعف وحوّلته إلى سلاح فتاك وهي تقدم للرجل الأعذار وتقدم له العهود والمواثيق وأبدت حسن النية وهي تقدم له شيكاً وقعته أمامه بالمبلغ المستحق كاملاً على أن يتم صرفه من البنك بعد ثلاثة أشهر مقابل حصولها على العقد النهائي. قبل الرجل أعذارها واعتبر أن الصبر هذه الأشهر القليلة لا يضر وقد صبر لعدة أعوام وأكدت له أنها تفتح معه صفحة جديدة في العلاقات بينهما وتفاهم الجميع وتصالحوا من قبيل أن الصلح خير في الوقت الذي كان فيه الحاجزون الآخرون يستعدون لتسلم وحداتهم السكنية في بناية «ماهر» وقد انتهى من كل التشطيبات وبعضهم تسلمها قبل أن تتم ويتولى استكمالها بنفسه. ما كان يجري خلف ظهر الرجل لم يذهب إليه فكره على الإطلاق فقد فوجئ بأن المرأة جاءت لتتسلم الشقة رغم أنفه بعدما لعبت لعبة شيطانية فقد تمكنت من الحصول على الأوراق والشيكات قبل أن يتم صرفها من البنك حيث تعرفت على وكيل أعمال «ماهر» الذي يتولى الحسابات وصرف الشيكات وتقديم المخالصات للعملاء وأيضاً تسليمهم الوحدات السكنية وهي الآن لديها العقد النهائي وليس عليها أي التزامات ولا ديون ولا يوجد أي مانع من تسلمها الشقة ووجد الرجل نفسه في موقف لا يُحسد عليه شعر بالهزيمة النكراء وبالضربة القاضية. ما حدث أنها استدرجت الوكيل إلى سهرة عادية دعته إليها بحجة تصفية الحسابات وقامت باستئجار بلطجي معروف في المنطقة يفرض سطوته على الجميع وقبل أن يتناول شيئاً من المأكولات التي ازدحمت بها المائدة ولا حتى قطعة حلوى صغيرة ظهر له هذا العفريت المخيف الذي لا يجهله أحد، شاب دموي بطبعه لا يعرف الخوف ولا يتورع عن ارتكاب كل الموبقات والجرائم وقد سبق اتهامه في عشرات القضايا من خطف وضرب وفرض سيطرة وتعديات وقتل وصدرت ضده أحكام قضائية كثيرة ومازال هارباً منها ويتخفى من الشرطة. أصدر أوامره للوكيل بأن يخرج ما معه من أوراق تخص المرأة الناعمة التي استأجرته مقابل حفنة جنيهات وعشاء فاخر وكان لها ما أرادت فقد حصلت على الأوراق وأيضاً على الشقة بلا ثمن ولم يتوقف عند ذلك بل تعدى بالضرب المبرح على الرجل المخدوع وكاد يفقده حياته وأراد أن يقتله بالفعل لولا تدخل الحضور الذين أقنعوه بأنهم لا يريدون أكثر من ذلك وتطاول أيضاً على ماهر الغائب وأرسل له تهديدات ورسائل تحذيرية بألا يحاول أن يفعل شيئاً وإلا ستكون حياته هي المقابل بلا هوادة. اعتبر «ماهر» تلك ضربة موجعة وامتهانا لكرامته شعر بالإهانة وهو الذي لا يشق له غبار ولم يتعرض لمثل هذا الموقف من قبل استشاط غيظاً من هذه الجرأة ولو سكت فإنه سيجد الجميع طامعين فيه وسيتجرأون عليه ولابد أن يحافظ على وضعه وحيثيته وإلا فلن تقوم له قائمة بعد ذلك، وفكر كثيراً ولم يكن عنده بديل عن الانتقام بعدما قلّب الأمر على كل جوانبه واستعان بمن حوله الذين يعرفون التفاصيل واستقر رأيه على أن يحاربها بنفس طريقتها وأسلحتها ولن يشفي غليله إلا أن يرد لهما الصاع صاعين. جمع المقاول رجاله وأجمع أمره وانتهى إلى الخطة التي وضعها وبدأ التنفيذ فقد أرسل إلى ذاك البلطجي من يعرفه بحجة أنه يريده في عملية من العمليات التي تخصص فيها مقابل مبلغ سخي كما أرسل للمرأة من أقنعها بأن تقابله لتصفية الحسابات بدون أن يطلب منها شيئاً ووعد بتسليمها الشقة فهي حقها وأن وكيله الذي أخطأ يتحمل نتيجة فعلته وحدد لهما نفس المكان وهو شقة في حي آخر غير الذي يقيمون فيه استأجرها لتنفيذ خطته وابتلع الاثنان الطعم وبمجرد حضورهما طوّقهما رجاله وبدأت المعركة. أجبر رجال ماهر المرأة على توقيع تنازل عن الشقة وأنها باعتها وحصلت على كامل الثمن، في البداية حاولت أن تستخدم أسلوبها القديم ونعومتها ودموعها وتظهر ضعفها لكن لم تفلح ووجدت من يستخدم معها القوة من رجال المقاول الكثيرين الذين يحيطون بهما بأسلحتهم الحادة الباترة التي تلمع وتخيف وتثير الرعب في النفس وأخيراً وجدت أنها ليس أمامها أي اختيار، استسلمت للأمر الواقع ووقعت على الأوراق كما هو مطلوب منها وإن كانت مجبرة لكنها آثرت أن تنجو بحياتها ولا مانع من جولة جديدة من الانتقام والقتال فيما بعد. الأمر كان مختلفاً بالنسبة للرجل شريكها في اللعبة السابقة فهو يرى نفسه فتوة لا يُغلب ولا يُقهر ولا يقبل الهزيمة دائماً يكون الطرف المنتصر وحتى إن كثر حوله الشباب الأشداء فإن الأمر لا يختلف كثيراً ولابد أن يحافظ على وضعه ورفض الاستسلام من البداية، اختار المقاومة حتى ولو كثر من حوله، لكن من أين له أن يقاوم أوثقوه فأصاب منهم من أصاب، أوجعوه ضرباً، لسانه كان يقطر سماً وتهديداً توعدهم بالموت جميعاً وصفهم بأنهم ليسوا رجالاً وأنهم جبناء ولن يستطيعوا أن ينالوا منه، استفزهم حتى قضوا عليه باللكمات فارق الحياة بين أيديهم وهم غير نادمين كانت شريكته ترتعد وهي ترى وتراقب ما يحدث وكلها ندم لأنها السبب فيما حدث. ليس من المنطقي أن يتركوها تذهب الآن فهي شاهدة عليهم وستبلغ الشرطة ليس أمامهم إلا أن يتخلصوا منها هي الأخرى لتنال جزاءها، إنها السبب في كل ما جرى من البداية إلى النهاية أوثقوها وخنقوها حتى لفظت أنفاسها هي الأخرى وفارقت الحياة وحصلوا على الأوراق التي يريدون. اختفى ماهر ورجاله لكن فاحت رائحة الجثتين وتم إبلاغ الشرطة وعثر عليهما بعد أربعة أيام في نهاية مأساوية ولم يكن صعباً كشف لغز الجريمة بعد الوصول إلى شخصيات المتهمين من خلال عقد إيجار الشقة وفحص خلافات ماهر مع المرأة ودفع الجميع الثمن غالياً، هي دفعت حياتها والبلطجي انتهت أسطورته وقُتل، ودخل ماهر وشركاه السجن وبقيت البناية الصماء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©