الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«الحي التراثي السعودي».. شغف بالتاريخ والأصالة

«الحي التراثي السعودي».. شغف بالتاريخ والأصالة
10 ديسمبر 2015 22:26
أحمد السعداوي (أبوظبي) مثلت الأحياء التراثية، التي أطلت على جمهور مهرجان الشيخ زايد التراثي، إضافة فريدة إلى فعاليات الحدث التراثي الضخم الذي تشهده منطقة الوثبة، بما أتاحته هذه الأحياء من فرصة لالتقاء نماذج تراثية من دول متعددة، تمثل قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وعرضها على أعداد هائلة من الجمهور، في أجواء كرنفالية بديعة، نجح مسؤولو مهرجان في توفيرها منذ انطلاق فعالياته في التاسع عشر من نوفمبر الماضي، وأدهشت الجماهير بزخم هائل من الأنشطة والفعاليات التراثية الإماراتية من حرف تقليدية ومشغولات يدوية وعادات وتقاليد الأقدمين، تم طرحها على الزوّار في إطار من الجاذبية والإدهاش، جنباً إلى جنب مع معروضات الدول الأخرى في أروقة الأحياء التراثية، ومن بينها المملكة العربية السعودية، التي قدمت ألواناً فريدة من الموروث الشعبي المحلي لأبناء السعودية، بما يتميز به من ثراء لافت نظراً للاتساع الجغرافي للمملكة وما يتبعه من تنوع بيئي وحضاري بين مختلف مناطقها، وبالتالي في الحرف والعادات والتقاليد الممثلة لكل منها، والتي عرضت ملامح من هذه الموروثات ضمن المشاركة السعودية في فعاليات النسخة السادسة من المهرجان، المقرر أن تنتهي في الثاني من يناير المقبل. بالدخول إلى جناح المملكة العربية السعودية، يطالع الزائر لآلئ التراث السعودي، وقد انتشرت هنا وهناك بين بعض أساليب الحياة القديمة التي كانت منتشرة في المنازل السعودية، ومنتجات سعف النخيل، وتشبه إلى حد كبير مثيلاتها الإماراتية، وصناعات الفخار بالطريقة التقليدية، وعمل الملابس التراثية لأهل السعودية، وصناعات التمور والعطور التي حقق بعضها تميزاً عالمياً، وغيرها من ألوان التراث التي عكست إرثاً حضارياً كبيراً، تميز به الأخوة في المملكة. دعوة كريمة وتقول مها الرويس، مشرفة الجناح السعودي المشارك في مهرجان الشيخ زايد التراثي: «إن الحضور السعودي في المهرجان جاء استجابة لدعوة كريمة، تلقتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية، متمثلة في البرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية «بارع»، من مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية، للمشاركة في فعاليات هذا المهرجان، وقد تنوعت المنتجات والمعروضات السعودية ضمن الحي التراثي، ووصلت إلى 32 محلاً، تتيح للزائر رؤية واختلاف الحرف التقليدية المعروضة بين السدو والسعف والخياطة والتطريز ونظم السبح، كما ستجذبه رائحة دهن الورد وماء الورد من خلال محال «الكمال» المختصة بتعطير الكعبة المشرفة، لما لها من تاريخ عريق وأصيل في هذا المجال، ونعتبرها من الإضافات الجميلة للحي السعودي، كما يمكن للزائر تذوق طعم العسل الرائع من منتجات «مقبول الطلحي» المعروفة منتجاته بجودتها الراقية بين منتجي العسل في المنطقة والعالم». وتتابع: «معروضات الأسر المنتجة في المملكة كان لها حضورها المميز ضمن الحي التراثي السعودي، بما قدمته من مشغولات، دمجت بين الماضي والحاضر والحفاظ على الأصالة، وعكست مهارة الحرفيات السعوديات اللاتي ورثن غالبية هذه المهن من الأجيال السابقة، وحرصن على إتقانها والإبداع فيها حتى يقدمنها إلى العالم، في إطار جذاب عبر الفعاليات التراثية التي يشاركن فيها سواء داخل المملكة أو خارجها». حرفيون وحرفيات وبينت الرويس، أن عدد الحرفيين والحرفيات التراثيين السعودين بلغ 25 فرداً، توزعوا على مكونات الحي التراثي، عارضين ما لديهم من موروث شعبي نفيس إلى الجمهور من الأشقاء الإماراتيين أو ضيوفهم القادمين من كل دول العالم، وامتلأت بهم ساحات المهرجان، في دلالة واضحة على نجاح إدارة المهرجان في استقطاب قطاعات واسعة من الجماهير الشغوفة بالتاريخ والأصالة، وتقديم وجبة تراثية عالمية بنكهة إماراتية، وهو ليس بغريب على الأخوة الإماراتيين الذين اثبتوا نجاحاتهم في مجالات كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومنها الاهتمام بموروثهم المحلي، وإعلاء مكانته في قلوب العالم أجمع. ولفتت إلى أن جمهور المهرجان كان كثيفاً إلى حد لافت، لأن من لم يعرف أو يزور السعودية من قبل، استمتع برؤية منتجاتها التراثية، وكأننا نقلنا أغلب هذه المنتجات بشكل مصغر إلى ساحات «زايد التراثي» للتعرف إلى الهوية السعودية وعادات وتقاليد المملكة أسوة ببقية الأحياء التراثية الممثلة للثماني دول المشاركة في ملتقى الأحياء التراثية على أرض مهرجان الشيخ زايد التراثي. إلى ذلك، أشارت الرويس إلى وجود تشابه كبير بين التراثيين الإماراتي والسعودي، لكوننا جميعاً ننتمي إلى البيئة الخليجية بكل ما تحمله من سمات وخصائص، ولكنّ هناك اختلافاً بسيطاً في صناعة المنتج وتطويره وأشكال المخرجات التراثية للحرفة، لافتاً إلى وجود رغبة كبيرة في الوجود السعودي في النسخة القادمة من المهرجان حتى ننقل ما خفي من تراث المملكة العربية السعودية الذي يتميز بتنوع وثراء غير عادي، وعلى سبيل المثال تختلف المنطقة الشرقية في كثير من النواحي عن الغربية في كثير من المظاهر الفولكلورية من ناحية الملابس والعادات وغيرها من المفردات التراثية. العصر الحديث من جهتها، تقول الوالدة، زهرة ناصر الدوسري: «إنها تقدم منتجاتها من السعف من قلب النخيل التي كان يستخدمه الأجداد الأولون، ومن أشكاله السفرة، الحصير، المحفرة، والآن قمنا بتطويره وأعدنا استخدام السعف في صناعة الحقائب وعمل آوانٍ للمكسرات وغيرها من الأشياء التي تستعمل في العصر الحديث»، لافتة إلى أنها تعلمت هذه الحرفة بنفسها من خلال رؤية الأهل في المنزل منذ أكثر من خمسين عاماً ولكنها تخصصت في عرضها بالمحافل التراثية منذ حوالي 10 سنوات فقط، وسافرت إلى دول عدة تشارك في مهرجاناتها التراثية مثل الجزائر والكويت، إضافة إلى المشاركة في كل الفعاليات التراثية داخل المملكة. سدو وخرز فيما قالت الخبيرة التراثية، نخلة عبدالله، المسؤولة عن أحد محال الخياطة والتطريز في الجناح السعودي: «إنها تعرض منتجات خياطة وسدو وخرز، لأنها تعمل مع طالبات، فيما يشبه بجمعية صغيرة لتعليم الأجيال الجديدة مبادئ التراث وكيفية صناعة الحرف التراثية النسائية التي عرفتها النساء في المملكة منذ مئات السنين، ومازال بعضها مستخدماً إلى الآن، بحيث نعرض نماذج من هذه المعروضات في المحافل التراثية حتى نروج لهذه المنتجات وفي الوقت ذاته نقدم التشجيع لهن حتى يحافظن على موروث الأقدمين ويحرصن على توصيله إلى الآخرين. مهنة بالوراثة مقبول ساعد الطلحي، المسؤول عن عرض منتجات عسل الطائف، ومنها السدر، والطلح، والزهور الصيفي، وهذا النوع حصل على المركز الأول عالمياً في مونديال العسل في سبتمبر العام الحالي في كورسيا الجنوبية، لافتاً إلى أن حرفة جمع العسل يعمل بها بالوراثة عن الآباء والأجداد لكونها حرفة أصيلة نابعة من أعماق المجتمع السعودي، ويفخر بعرضها على الجمهور في أي مكان في العالم، خاصة الأخوة الإماراتيين والعرب الذين كان حضورهم مميزاً لمطالعة الحي التراثي السعودي لمشاهدة المنتجات التراثية لأهل السعودية سواء من العسل أو غيره من الأصناف، مشيراً إلى تعدد مشاركاته في الفعاليات التراثية المتنوعة داخل المملكة، وأهمها مهرجان الجنادرية، إضافة إلى المشاركات الدولية، مقدماً الشكر إلى مسؤولي مهرجان الشيخ زايد التراثي، الذين وجهوا الدعوة لأهل الحرف والصناعات التراثية السعودية للوجود الفعال في المهرجان الذي تشهده منطقة الوثبة ويتميز بتنظيم راق وحسن إعداد يكفل الراحة للعارضين والجمهور على حد سواء ما يضعه في مصاف أنجح المهرجانات العالمية، وأعرب عن تطلعه وزملائه إلى المشاركة في فعاليات المهرجان في العام المقبل. وردة دمشقية من ناحيته يورد بندر الكمال، مدير مصنع ومحال الكمال للورد بالطائف: «إن عائلة الكمال مشهورة في السعودية والدول الخارجية بتخصصها في إنتاج ورد الطائف، وهو ينتمي إلى الجيل السابع من العائلة ، والذي يعمل في صناعة العطور المستخلصة من الورد المعروف بجودة ونقاء عطوره وتميزها على مستوى العالم». وقال: «إن ورد الطائف في الأساس عبارة عن وردة دمشقية زرعت في المملكة العربية السعودية خلال عهد الدولة العثمانية، وتحديداً في مدينة الطائف، وإلى الآن لا يوجد مدينة في العالم تنتج ورودا تضاهي هذا النوع من الورد، والذي يستخدم في كثير من المنتجات مثل العطور، وماء الورد، وماء ورد العروس المستخدم في الحفاظ على البشرة. وهذه بعض المنتجات الأساسية، أما المشتقات فتشمل أنواع من الصابون والكريمات، وبالنسبة لأفضل ما نقدمه من منتجات هو معطر الورد المصنع بالطائف والمستخدم في الكعبة المشرفة والمسجد النبوي في المدينة المنورة». وأكد الكمال أن صناعة مستخلصات الورد تمثل له إرثاً عظيماً، حافظت عليه العائلة كجزء من المجتمع السعودي منذ مئات السنين، ويفخر بالمساهمة في الحفاظ على هذا الإرث وتوصيله إلى الجميع سواء داخل المجتمع السعودي أو في الفعاليات التراثية العالمية، مثل مهرجان الشيخ زايد التراثي الذي يعتبر مفخرة لكل عربي مهتم بالتراث وليس لأهل الإمارات فقط، لما يتسم به المهرجان من تعدد وشمولية غير عادية سواء في عرض المفردات التراثية الإماراتية أو المكونات التراثية للدول التي شاركت في ملتقى الأحياء التراثية المقام ضمن فعاليات «مهرجان زايد التراثي»، لافتاًَ إلى أن الإقبال على المهرجان كان كبيراً، خاصة أيام العطلات، مشيدا بقرار المسؤولين عن المهرجان بتمديد فعالياته حتى الثاني من يناير المقبل لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من الجمهور لمتابعة أنشطته والتجول في أجنحته المميزة خلال فترة العطلة الدراسية التي تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، ولذلك فهو من القرارات الصائبة والمدروسة، وتساعد على تحقيق قدر كبير من النجاح واستقطاب فئات أوسع من الجمهور لزيارة هذا الحدث التراثي الكبير. معروضات غنية من الجمهور، أشادت فاطمة الزعابي من جانبها بالمعروضات السعودية، مشيرة إلى أنها للمرة الأولى ترى منتجات تراثية قادمة من المملكة العربية السعودية، ووجدت فيها تشابهاً كبيراً مع المنتجات التراثية الإماراتية، وهذا يؤكد الروابط القوية التي تجمع كل أبناء العالم العربي، خاصة شعوب منطقة الخليج التي تعيش تقريباً في بيئة واحدة وتراث وتاريخ متقارب إلى حد كبير، معبرة عن أن أمنيتها أن ترى مزيداً من الدول العربية تشارك في فعاليات مهرجان الشيخ زايد التراثي، إلى جانب كنوز الموروثات المحلية الإماراتية التي كان لافتاً إلى حد كبير مدى تنوعها وثرائها، عبر انتشار الحرف التقليدية والنماذج التراثية في ساحات المهرجان، فضلاً عن عروض الفرق الشعبية التي قدمت عروضها في كل الأجنحة، ومنها جناح الحي التراثي السعودي، وهو ما يعكس قمة أصول الضيافة التي يتمتع بها أبناء الإمارات وحسن استقبالهم لضيوفهم ومعاملتهم بأرقى مستوى. «الميزب».. التراث في خدمة الأطفال تقول خبيرة التراث ومشرفة الجناح السعودي المشارك في مهرجان الشيخ زايد التراثي، مها الرويس: «إن (الميزب) يعتبر واحداً من المفردات التراثية النادرة التي ربما يراها غالبية جمهور المهرجان لأول مرة، والميزب، عبارة عن فراش مريح للرضع والأطفال، مصنوع من الجلد وجريد النخيل، وتحمله الأم على ذراعها أثناء حركتها وتنقلها من مكان إلى آخر، ويبلغ طوله حوالي متر، أما عرضه فلا يزيد على 50 سنتيمتراً، وتبدأ عملية صناعته بدباغة الجلد وتنظيفه من الشعر والشوائب باستخدام الماء الساخن والملح وبعض النباتات الموجودة في البيئة البرية في السعودية، ثم يتم تجفيفه، ونشر الجلد على خشبة مربعة الشكل، ومن ثم تبدأ عملية التصنيع من خلال عمل «الصحن»، وهو الجزء الذي سينام فيه الرضيع، ويتم تثبيته من الجانبين عن طريق عصا من جريد النخيل في كل طرف، أما «العروة» فهي المكان الذي يعلق منه الميزب على كتف الأم، وهو مصنوع من الجلد، ولها فوائد كثيرة، لكونها تحمي الطفل من السقوط عبر التحكم في فتحة الميزب، وتوفر له الاستلقاء على الجانب الأيمن بشكل يحميه أثناء النوم من ارتداد الطعام أو الشراب، مثل ما يحدث لدى كثير من الأطفال في هذه المرحلة العمرية، وهناك «المشطاف» في أعلى الميزب، وهو مصنوع من الجلد لتغطية الرضيع وحمايته من الشمس أو البرد والعوامل الجوية المختلفة، بالإضافة إلى «المسيال» الموجود في أدنى جزء من الميزب لتصريف السوائل التي قد تخرج من الطفل، فتوفر له الجفاف والحماية خلال فترة حمل أمه له، والتي قد تمتد لساعات إذ كان التنقل من مكان إلى آخر خارج البيت في زمن ما قبل ظهور المواصلات الحديثة». روابط قوية يقول الوالد، سالم ظاعن الراشدي، إنه سعيد برؤية أشقاء من دول إسلامية متنوعة تشارك في فعاليات المهرجان، وهذا يعكس قوة الروابط بين الإمارات وبقية دول العالم خاصة الدول الخليجية مثل السعودية والبحرين وعمان، حيث كان وجودهم في المهرجان وبين أهلهم في الإمارات مشرفاً من خلال الأنشطة التراثية الكثيرة التي شاركوا بها وأشهر الحرف والصناعات التقليدية التي تميزوا بها ويحرصون على الحفاظ عليها، وهو مثل النهج الذي نسير عليه نحن أهل الإمارات اعتزازاً بما تركه لنا الآباء والأجداد الذين عاشوا زمن أول، وابتكروا كثيراً من الوسائل والأدوات التي لازلنا إلى الآن نرى نفعها وفوائدها، ونحرص على استخدام الكثير منها، سواء لأغراض عملية أو للزينة والديكور، إعلاء لقيمة ومكانة موروثنا المحلي، وجعله أمام أعيننا في كل وقت وحين. مستلزمات المرأة يقول سعيد حسين البوسعيد، من المنطقة الشرقية في السعودية، وأحد العارضين بالحي التراثي السعودي للكثير من مستلزمات المرأة التراثية، والتي يقدمها بلمسة عصرية ومنها الحقائب، وعباءات صلاة وأوان منزلية، وغيرها من الأدوات التي تستخدمها المرأة في حياتها اليومية، وجميع المنتجات مشغولة عن طريق الخياطة اليدوية التي تعكس مهارة المرأة السعودية في صناعة أشياء مفيدة وعملية بشكل تراثي مع لمسة عصرية تمزج بين الأصالة واختلاف أذواق المرأة حديثا عن النساء قديماً، لافتاً إلى شعوره بالامتنان مع وزملائه المشاركين لإتاحة هذه الفرصة لهم لطرح منتجاتهم على أعداد كبيرة من الجمهور في مهرجان ناجح بكل المقاييس مثل مهرجان الشيخ زايد التراثي، وهوم ما عودنا عليه أهل الإمارات الذين أثبتوا قدرتهم على النجاح في كل المجالات التي يتصدون لها ومنها التراث، باعتباره الأساس الذي تقوم عليه نهضة الدول والمجتمعات ويحفظ لها هويتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©