الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة نمطية للبخيل

صورة نمطية للبخيل
22 نوفمبر 2012
عبد المجيد عبدالحميد ضمّ التراث العربيّ عبر عصوره الأدبية الكثير من النماذج ذات السّرد المزدان بالعديد من الشواهد والملامح الإنسانية التي توضح خصوصيتها للقارئ. والصور السردية العربية لها دورها الفاعل في المُثاقفة والمُؤانسة فضلاً عن دورها البيّن في عملية التطهير. ويجيء كتاب “نماذج إنسانيّة في السّرد العربيّ القديم” لمؤلفه الدكتور سيف محمّد سعيد المحروقي والصادر عن دار الكتب الوطنية في أبوظبي بصفحاته الـ314 من القطع الاعتيادي، وتضمن على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول، وخاتمة وقائمة للمصادر والمراجع. وذكر الدكتور سيف المحروقي في مقدمة الكتاب قوله: “ركزت على ثلاثة من النماذج الإنسانية في السرد العربي القديم، واخترت لكل نموذج منها عملا سرديا واحدا، حتى يتسنى لنا دراسة النموذج الإنساني وفق إطار محدد، نستطيع من خلاله تحديد ملامح هذه النماذج، وتعرف العلاقة القائمة بينها وبين مبدعيها، ومدى قدرة المبدع على استثمار نموذجه في عمله السردي، هذا فضلا عن تعرف مدى تأثير هذا النموذج على البنية الفنية للعمل السردي”. ثم ذكر سبب اختياره لهذا الموضوع، فقال: “وكان وراء اختياري لهذا الموضوع رغبتي في الكشف عن هذه النماذج الإنسانية، وتعرف أهميتها في السرد العربي القديم، ودورها الفاعل فيه، بحيث لا يمكن أن نتصور كتاب “البخلاء” من دون وجود نموذج البخيل، أو أن نتصور “المقامات” من دون نموذج المُكْدي، كما لا يمكن أن يستقيم البناء الفني للسير الشعبية من دون نموذج البطل، الذي تأكد حضوره في السير الشعبية جميعها، ثم أشار إلى الدراسات التي تناولت مواضيع كتابه تناول المؤلف في الفصل الأول “نموذج البخيل في كتاب البخلاء للجاحظ”، مفهوم البخل في اللغة العربية، حيث أورد قول ابن منظور في لسان العرب عنه: “البُخل والبَخَل: لغتان وقرئ بهما. والبَخل والبُخول: ضدّ الكَرَم، وقد بَخِلَ يَبخَلُ بُخلاً وبَخَلاً، فهو باخل: ذو بُخل، والجمع بُخّال”. كما عرض للبخل في الكتاب والسنة، وفي التراث العربي القديم، الذي ضم منذ العصر الجاهليّ، نصوصاً شعريّة ونثريّة وافرة، تهاجم البخل والبخلاء، ورسمت لنا أبشع صورة، رويت عن بخلهم وتقتيرهم الغريبة والعجيبة، في حين رسمت بالمقابل صورة مُشرقة للكرم والجُود والسخاء والعطاء وأهله. ثم تحدث عن أشهر المُصنفات التي عالجت ظاهرة البخل، وقد كان للأديب الجاحظ في العصر العباسي الصدارة في كتابه الشهير “البخلاء” فكان فتحاً كبيراً في هذا الميدان، وجاء بعده مؤلفون تصدوا للبخل والبخلاء في مؤلفاتهم، نحو كتب ابن عبد ربه الأندلسي “العقد الفريد”، وأبو حيّان التوحيدي في “الإمتاع والمؤانسة”، فضلاً عن أبي الفرج الأصفهاني في “الأغاني”، في حين عُدّ الخطيب البغدادي صاحب “تاريخ بغداد” من الذين خصّوا البخلاء بكتاب مستقل أسماه “البخلاء” أيضاً، وهناك النويري في “نهاية الأرب”، والآبشيهي في “المُستطرف مِن كلّ فنٍّ مُستظرَف”، وألفّ ابن المُبرّد كتاباً في البخل والكرم، سمّاه “إتحاف النبلاء بأخبار وأشعار الكرماء والبخلاء”. وختم المؤلف الفصل الأول بذكر مصادر الجاحظ في تشكيل نموذج البخيل في كتاب البخلاء، حيث حلل فيه نفسية البخيل من خلال عدة مواقف، ثم تعرض لملامح البخيل الخلقية والخلقية، وللغة نموذج البخيل، وموقف الجاحظ من نموذجه، وتوظيف نموذج البخيل. وقدّم المحروقي في الفصل الثاني من كتابه “نموذج المُكْدي في مقامات الهمذاني”، لبيان مفهوم الكدية في اللغة والاصطلاح، فقال أنّ “الكُدْيَة”: هي شدّة الدهر، وهي الأرض الغليظة، والصَّفاة العظيمة الشديدة والشيء الصَلْب بين الحجارة والطين، فيقال: إنّه أكْدَى، والمُكْدي من الرجال: الذي لا يثوب له مال ولا يَنْمِي. بعد ذلك عرض للكُدية في التراث العربي القديم، من خلال نماذج شعرية لعدد من الشعراء والحكايات، منها شكوى وتذمر ابن سكرة الهاشمي وتذمره من الدهر وتفجعه، وأن عيشه ظلم وعدوان فيقول: جُملة أمري أنّني مُفْلِسٌ وليسَ للمُفْلِسِ إخوانُ وكلّ ذي عيشٍ بِلا دِرْهَمٍ فعيشه ظُلمُ وعدوانُ ثم تناول مصادر تشكيل نموذج المُكْدي في المقامات للهمذاني، من خلال مقامات الإسكندرية والقريضية والأسدية والجاحظية، والساسانية، والمضيرية والمارستانية، ثم عند الأصفهاني في كتابه الأغاني من خلال حديث خالد بن صفوان، وعند ابن عبد ربه في “العقد الفريد”، والثعالبي في “يتيمة الدهر”، والبيهقي في “المحاسن والمساوئ” وفي حكاية أبي القاسم البغدادي، كما تناول في الفصل لأساليب الكدية عند نموذج المُكْدي، مع تحديد ملمح المُكْدي الخلقية والخلقية، والإشارة إلى لغة المُكْدي، وموقف الهمذاني من نموذجه، مع توظيف نموذج المُكْدي. واختتم المؤلف فصول كتابه بالفصل الأخير “نموذج البطل في السير الشعبية”، حيث نشأت السيّر الشعبية في ظروف صعبة، وعاشت حياة أصعب؛ فإذا كانت الطبقات الشعبية والعوام الخاصة، استقبلتها بالترحاب، وتحمست لها، فإنّ أغلب علماء اللغة والأدب، استقبلوها باستهجان ونبذوها، ولم يقع الاهتمام بها إلاّ في مرحلة متأخرة. ويعزو مؤلف الكتاب هذا إهمال السيّر الشعبية في أنّها كُتبت للعامة أولاً، ولم تُكتب للخاصة، كما أنّها كُتبت بلغة العوام، في حين كانت الأعمال الأدبية عادة ما تُكتب بلغة متميزة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©