السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة الشافية

الكتابة الشافية
22 نوفمبر 2012
“حياة أخرى” هو عنوان كتاب سيرة ذاتية تناول فيه مؤلفه بير أولوف انكيست حياته التي جدت فيها أحداث غريبة وصلت إلى حد المأساة، والمؤلف هو أديب سويدي شهير ولد في 23 سبتمبر 1934 وقد نشر أوّل رواية له “عين الكريستال” عام 1961، وحصل على جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي في يوليو 2010. وقد اختص هذا الأديب السويدي بما أصبح يعرف بالرواية الوثائقية، وهي نوع من الكتابة الأدبية يمزج فيها المؤلف بين الريبورتاج وسرد القضايا التي تعرض على المحاكم مع وصف المجتمع الذي يعيش فيه ليكشف خصائصه وعلاّته. وقد فرض انكيست على الوسط الأدبي في السويد هذا النوع من الكتابة الروائية. وفي هذه المذكرات يتوقف المؤلف عند المحطات الأساسية في حياته الخاصة والعّامة، ويروي ذكرياته عن فترة طفولته، كما يكشف عن إدمانه الخمر في فترة أخرى من عمره، ولا يخلو كتابه من تأملات وتساؤلات حول المجتمع السويدي والمجتمعات الأوروبية. وهو كمفكر يتساءل دائما عن مصير الإنسان في القرن الواحد والعشرين. وأهم سؤال يجيب عنه المؤلف في مذكرته هو: كيف أنقذته الكتابة من الإدمان على الخمر؟ وكيف أعطت الكتابة معنى لحياته بعد أن امتلكه الشعور بأن كل شيء في هذه الدنيا عبث؟ لقد عاش طفولة قاسية فوالده توفي وهولا يزال رضيعاً، وأمه كانت صارمة في تربيته وأرادت أن يكون رجل دين. في حين أنه كان يميل إلى ممارسة الرياضة وقد اصبح عندما بلغ العشرين من العمر بطلا وطنيا في رياضة القفز العالي. وقد ترعرع المؤلف في طفولته في قرية جميلة بشمال السويد وارتوى من المشاهد الطبيعية الخلابة وارتسمت في مخيلته تلك المشاهد، حتى انه وحال دخوله الجامعة لدراسة الأدب اصبح شاعرا، وقد ارسل بواكير قصائده إلى العديد من دور النشر. واليوم فإن هذا الروائي هو أحد اشهر المؤلفين في البلدان الاسكندنافية، وهو يروي في مذكراته صفحات مذهلة من حياته المليئة بالأحداث فقد عاش فترة متنقلاً، واستقر فترة في مدن كثيرة في الولايات المتحدة الأميركية، ثم عمل صحفياً وغطى الألعاب الأولمبية بمدينة ميونيخ الألمانية في عام 1972 والتي حصلت خلالها عملية احتجاز الرياضيين الإسرائيليين واغتيال بعض الفدائيين الفلسطينيين الذين نفذوا العملية. ويكشف المؤلف في مذكراته الفترة الحرجة التي مر بها والتي أدت به إلى الانهيار شبه التام، ثم الصمت والاختفاء، ثم انتقل مع زوجته الدانمركية إلى العيش في باريس باعتبار أن قرينته وهي تعمل في السلك الديبلوماسي تم تعيينها للعمل في سفارة بلادها بباريس بين 1986 و1989. ويتحدث الروائي في هذا الكتاب عن تجربته المريرة بعد أن استقر في شقة فاخرة في جادة “الشانزليزيه” بالعاصمة الفرنسية، فقد أصبح مدمنا على الخمر بحثاً عن السلوى من حيرته الوجودية القاتلة، ووصل به الإدمان إلى حالة قصوى وشارف حياته على الخطر مما دفعه الى الالتجاء إلى مصحة لعلاج نفسه إلا أنه وفي ليلة فر من غرفة المستشفى وهو في شبه غيبوبة إلى أن عثرت عليه الشرطة وإعادته إلى الطبيب الذي كان يشرف على علاجه. ويصل المؤلف إلى مرحلة شارف فيها على الموت، وهو يعترف انه وجد ملاذه في الكتابة وهي التي شفته، وهو يؤكد بأن الطب لم يشفه من الإدمان وإن كتابته للروايات هي البلسم الذي انقذه، ومنذ أن اصبح مواظبا على الكتابة فإنه لم يتناول قطرة نبيذ واحدة. أن القارئ لهذه الشهادة يشعر بأن الكاتب أكلته عبقريته كما يأكل السيف غمده، فالروائي السويدي الشهير كاد أن يهلك لفرط إدمانه إلى أن وجد ملاذه في التأليف ودواءه في الانكباب على ورقاته. وهكذا ربح معركة خاضها ضد نفسه. وقد اختار بير اولوف انكيست أن يكتب مذكراته بضمير الغائب، وجاء كتابه في ثلاثة فصول متبعا التسلسل الزمني للأحداث التي عاشها، وجاءت الترجمة الفرنسية في 480 صفحة واشتركت في ترجمة المذكرات من اللغة السويدسة الى اللغة الفرنسية كل من لينا غرومباش وكاترين ماركوس. واجمع النقاد على أن الروائي السويدي ليس هو كاتب كبير فقط بل انه شاهد عيان أمين وصادق على عصره وعلى مجتمعه وعلى بلاده، مع الإشارة إلى انه لم يكن وهو يروي حياته نرجسيا بل انه يدعو القراء إلى التفكير والتأمل في حياتهم. الكتاب: حياة أخرى Une autre vie المؤلف: بير أولوف انكيست Per Olev Enquist الناشر Actes Sud
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©