الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سكان غزة اعتادوا توقع الأسوأ وينزحون من بيوتهم إلى مناطق أقل خطراً

19 نوفمبر 2012
غزة (رويترز، أ ف ب) - فجرت روح التحدي في الكفاح المسلح في غزة المشاعر في شوارع المدينة حتى أن دوي الصواريخ التي تنطلق من منصاتها في وسطها، يلقى تشجيعا من خلال صفارات الشبان وإطلاق أبواق السيارات وهتافات “الله أكبر” من مكبرات الصوت في المساجد. ومن احدى السيارات القليلة التي تجاسرت على المرور في الشوارع انطلقت أغنية تقول “اضرب، اضرب تل أبيب”. غير أن الإيمان بالقضاء والقدر وليست نشوة النصر يفسر رد فعل أهالي غزة على الهجوم الجوي الإسرائيلي المستمر منذ يوم الأربعاء الماضي، وشعورهم بأن التجربة التي يمرون بها ليست بجديدة عليهم أو مفاجئة لهم ولن تنتهي عما قريب بغض النظر عن شدة معاناتهم. ذلك أن غزة كابدت كل هذه الظروف من قبل ووطن أهلوها انفسهم عليها . ففي آخر حرب على مدى 3 أسابيع في أواخر عام 2008 ومطلع عام 2009 استشهد 1400 فلسطيني. معظمهم مدنيون، بينما قتل 13 إسرائيليا. ودمرت جرافات الجيش الإسرائيلي العملاقة مناطق بأكملها في المدينة لإقامة مواقع مدفعية لدعم الدبابات وقوات الغزو، وهدمت مصانع ومنازل بدأ أصحابها التعساء الطهي على نار الحطب وسط الأنقاض. وفي مثل هذه الحالات تشتد الحاجة إلى الغذاء والمأوى وهو أمر لا يغيب عن فطنة سلطات حركة “حماس” في قطاع غزة. ولا يكف زبائن الأكشاك القليلة التي لا تزال مفتوحة في “سوق فراس” بالمدينة عن ارتياد السوق للشراء تحت الغارات الجوية وأزيز طائرات الاستطلاع من دون طيار الإسرائيلية التي تحلق فوق رؤوسهم، والغارات الجوية التي تشنها إسرائيل بين الحين والآخر. غير أن احتمال استمرار موجة القتال لأمد بعيد وشن إسرائيل غزوا آخر يلقي بظلال من القلق على المحال التجارية المغلقة والعائلات الفقيرة. وقال الشاب عاهد فضل “عندما بدأ العدوان اشترينا ما يكفي أُسرتنا من الغذاء لمدة أسبوع، فقد ينفد الغذاء أو يرتفع ثمنه كثيراً إلى حد يفوق طاقتنا. لا يمكن لاحد أن يقول متى سينتهي ذلك. فما الذي يمكننا فعله”. وحاول مسؤولو شرطة حركة “حماس” تهدئة المخاوف بتعهدهم بأن الإمدادات الحكومية والسوقية يمكنها الصمود في ما قد تكون جولة قتال عصيبة تمتد لأيام أو أسابيع، وألقوا باللوم بشأن غلاء الاسعار على جشع التجار واستغلالهم. وقال قائدها العميد تيسير البطش “تعتبر الشرطة الفلسطينية كل من يحاول من التجار الاحتكار أو رفع الأسعار شريكا للاحتلال في عدوانه وسنتعامل مع هذه الفئة القليلة من التجار بكل حزم”. وقال علي جاروشة، وهو يقف أمام أجولته من الحبوب التي تحمل شعار منظمة إغاثة دولية. “نثني على الحكومة (الفلسطينية المقالة التابعة لحركة حماس لصمودها وموقفها. بالطبع تغيرت بعض الأسعار نظرا للوضع القائم ولكننا نحن الفلسطينيين شهدنا عدوانا أسوأ على أيدي إسرائيل وسنصمد”. وبدا الثبات على وجوه المتسوقين المحتشدين حوله. وتقول الأمم المتحدة إن 80 بالمئة من سكان القطاع الساحلي يعيشون تحت خط الفقر وانخفضت القيمة الحقيقية للأجور بنسبة 10% منذ عام 2005. وما الحرمان بأمر جديد على أهالي غزة، المتحدر معظمهم من عائلات لاجئين من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 حتى أن أوقات السلم أيضاً لا تجلب الرخاء لتلك البقعة التي تعد واحدة من أكثر بقاع الأرض ازدحاما بالسكان. لكن يبدو أن فترات المعاناة الشديدة كتلك التي تمر بها غزة اختبار لصمود القطاع المحاصر الذي تتوقع الأمم المتحدة أن يكون “غير قابل للعيش فيه”، بحلول عام 2020 ما لم تكن هناك تنمية كبيرة في مجالي البنية التحتية والاقتصاد. وازدادت المعاناة بسبب النقص طويل الأمد في الإمدادات الطبية، فيما بلغت الحاجة إليها ذروتها، ما يهدد بتأجيج سخط عائلات الجرحى وقالت “أم أحمد” التي أصيب ابنها بجروح، أثناء انتظارها بقلق في مستشفى “ليست هناك أدوية كافية وفي هذه الحالة لا نعلم إلى متى سيظل الوضع على ما هو عليه”. وثمة مشاهد مروعة تفوق حد الخيال. فقد عرض الاطباء جثمان صبي استشهد في غارة جوية إسرائيلية وقد تدلت أطرافه أمام عدسات كاميرات وسائل الإعلام في غزة، واحترس المحتشدون أثناء مغادرتهم من الانزلاق في بركة دماء سالت منه على أرضية المستشفى. ولدى معاينة حجم الأضرار التي لحقت بمزرعته فجر يوم الجمعة عقب هجمات جوية مدمرة، لم يظهر على أبو شادي أي انفعال لدى معاينة أضرار كبيرة لحقت بأرضه جراء غارة إسرائيلية. وقال، وهو يقف بجوار حفرة عميقة، “فوجئنا بأن الانفجار كان هائلا للغاية لقد دمر محصول العنب وكميات من الحديد والأرض بأكملها. خسرنا الكثير حقاً. ولكن في النهاية نحمد الله على بقائنا على قيد الحياة”. ويسأل الطفل محمد أحمد (6 أعوام) والدته “متى سنموت”، كلما سمع دوي انفجار حول منزل عائلته التي قررت النزوح، كمئات الغزيين، إلى أماكن يعتقدون أنها أقل خطراً، فلجأت إلى منزل عائلة والدته في مدينة خان يونس جنوب القطاع هرباً من دوي الانفجارات وهدير الطائرات الحربية المتواصل وتقول والدته أم جهاد “أولادي مرعوبون، ابني محمد يرفض الأكل ويلازمني في كل مكان خوفاً من القصف ويسألني كل عشر دقائق متى سنموت”. وتضيف بألم “ابني يعاني من خوف وقلق شديدين، فهو يخبرني بأنه لن يذهب إلى المدرسة أبداً لأنه يخشى أن يستشهد كالأطفال الذين يراهم على التلفزيون، أو أن يعود من هناك ويجدني وأخوته استشهدنا”. وتتابع “أسكن في الطابق التاسع في حي سكني غرب مدينة غزة، البرج كان يهتز مع كل غارة تشنها الطائرات حتى تكسرت كل نوافذ شقتي وخلع بابها فقررت التوجه إلى خان يونس”. وتستطرد “نسمع دوي الانفجارات في خان يونس أيضاً، كما قصفت الطائرات أرضا خالية قريبة من منزل أهلي، لكن قد يكون الوضع أقل توترا من غزة لأنها اكثر اكتظاظاً والبيوت متفرقة في هذه المنطقة. لكن الخوف والقلق ما زالا يرافقانني، لا أعرف ماذا أقول لأبنائي الخمسة وكيف أجعل محمد، وهو أصغرهم يتغلب على مخاوفه بعد انتهاء الحرب؟”. أما وليد السلطان (30 عاماً)، فقد غادر منزله مع زوجته الحامل وابنتهما الى جانب العشرات من جيرانه في منطقة السلاطين في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ولجأ إلى منزل أصدقائه في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، إلا أنه لم يجد الأمان هناك أيضاً. وقال “نهرب من الموت لكنه يلاحقنا في كل شبر. تركت منزلي في السلاطين خوفا من أن تشن إسرائيل عملية برية، فخلال الحرب الماضية تجاوزت الدبابات منطقتنا ودمرت منازلنا”. ويضيف “الوضع مرعب هنا أيضاً، أشعر بالعجز لأني غير قادر على حماية عائلتي، اشعر بخوف على ابنتي التي تصيبها نوبات ذعر وصراخ شديدة مع صوت القصف وعلى زوجتي الحامل في أشهرها الأخيرة، لكن أين نذهب؟”. أما سهيلة النوري (43 عاماً) فغادرت منزلها شرق بيت لاهيا الى منزل اخيها في مدينة غزة بعد قصف منزل مجاور لها وأراض بور بعدة صواريخ ألحقت أضرارا بمنزلها. وتقول “كانت ليلة سوداء، كنت اسمع صوت انفجارات مدوية واعتقدت انها سقطت في منزلي. جلست انظر حولي وانتظر ان يصيبنا أحد هذه الصواريخ ونموت. لم أتوقع أن أنجو ومع طلوع الصباح أتيت الى منزل أخي، حيث نسمع انفجارات مرعبة أيضا لكن بحمد الله لم يُستهدف الحي”. وغادرت ميساء الشنطي (40 عاماً) شقتها في ابراج المقوسي شمال غرب غزة بصحبة عائلتها إلى منزل أقاربها في حي الرمال الجنوبي غرب المدينة. وقالت “شن الطيران الاسرائيلي غارة عنيفة على موقع لتدريب المقاومة خلف شقتي، فتكسرت نوافذها وقررت مغادرتها الى مكان أكثر أمناً خشية على عائلتي وأطفالي المذعورين”. لكنها استدركت بسخرية “لا ننام هنا أيضا. دوي الانفجارات متواصل. لكننا نواسي بعضنا بعضاً ونسلي أنفسنا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©