الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ندوة إماراتية تفتح «صندوق الهند»

ندوة إماراتية تفتح «صندوق الهند»
30 نوفمبر 2011 23:23
كثيرة هي الأسباب التي تجعل من البحث في طبيعة وتاريخ العلاقات العربية الهندية أمراً مهماً ومفيداً، لعل أهمها التأثير المتبادل بين الثقافتين العربية الإسلامية والهندية في تجلياتها المختلفة، فالعلاقات بين المنطقة وبين الهند ليست فقط “تاريخية وعميقة”، وإنما هي مؤثرة وفاعلة لدى الطرفين حيث أثرت كل منهما في الأخرى في غير مجال. ولا شك في أن معرفة تفاصيل هذه العلاقة وطبيعتها تسهم في صياغة علاقات أكثر متانة في الراهن والمستقبل، خصوصاً في عالم بات من الضروري فيه كسب الأصدقاء. شـهـيرة أحـمـد أبرزت ندوة “العلاقات العربية الهندية عبر العصور في التاريخ والفن والثقافة” مع التركيز الخاص على دولة الإمارات العربية المتحدة التي نظمها مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام يومي 22 و23 من نوفمبر الجاري برعاية وتوجيهات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، تجليات العلاقة بين الإمارات والهند في المجالات الثقافية المختلفة، وكانت هذه التجليات موضع بحث دقيق من الباحثين العرب والهنود المشاركين في أعمال الندوة، كما كانت موضع جدل ونقاش وتساؤلات من قبل الحضور. وتميزت محاور الندوة بنوع من الشمولية ولم تقتصر على الجانب التاريخي كما يحدث في أحيان كثيرة، بل تضمنت أيضاً الأبعاد الفكرية والفن والهندسة المعمارية والخط العربي والأدب والشعر والموسيقى والأزياء ما جعلها تقدم صورة بانورامية تلم بأطراف هذه العلاقة. وأبرزت الندوة من جملة ما أبرزته أن هذه العلاقات تحتاج الى مزيد من البحث والدرس وقراءة المصادر سواء أكانت بقايا أثرية او مخطوطات أو كتب ورحلات جغرافية، واعتبر باحثون مشاركون في الندوة أن هذه خطوة أخرى على طريق فهم الآخر وتمتين العلاقات بين الجانبين على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية. ومما أبرزته الندوة أيضاً الدور الكبير الذي لعبته التجارة في ترسيخ وتوسيع مجالات هذه العلاقة، والأثر الكبير والعميق الذي تركته العلاقات على كل من شبه القارة الهندية والأراضي العربية في مختلف جوانب الحياة. وذهبت د. شيخة المسكري إلى أن تعزيز العلاقات العربية الهندية وتقويتها يتم من خلال اتفاقية الاستدامة للعلاقات العربية الهندية. وهي ترى أن “هذه العلاقات جيدة، وأنها كانت دوماً علاقة مقبولة ومرضية، إلا أن الإمكانيات غير مستغلة بشكل كاف”. وقالت المسكري: “من خلال تأسيس اتفاق الاستدامة للعلاقات العربية الهندية، يمكن للهند توفير الامتيازات الخاصة للدول العربية، ويمكن كذلك للعالم العربي إعداد خطة التنمية العربية الهندية لتوجيه الموارد المالية والطاقة لدعم برامج الهند في مجال التنمية الاجتماعية وتوفير الامتيازات الخاصة”. وهي ترى أن الموقع الجغرافي والتاريخ العريق بين العالمين العربي “والهندي يوفران ركناً أساساً قوياً لتعزيز العلاقات الدبلوماسية الثنائية والتعاون في كافة النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، فالهند هي الدولة غير المسلمة التي يعيش فيها مسلمون يشكلون ثالث أكثر تجمع سكان مسلمين في العالم، والجالية الهندية تشكل أغلبية كبيرة في عدد السكان بدولة الإمارات العربية المتحدة، والأهم من ذلك في علاقاتنا أن الهند لم تطمح يوماً وخلال تاريخها العريق بالهيمنة والتوسع الاقليمي ضد جيرانها العرب”. الأواني السوداء وإذا كان للتاريخ أن يكون سبباً للتواصل بين الشعوب وتوطيد العلاقات فيما بينها فإن الإمارات والهند يتوفران على نصيب كبير منه، لهذا خصصت الندوة محوراً لقراءة هذه العلاقة من عصر ما قبل التاريخ إلى العصر الجاهلي المتأخر تحدث فيه الباحثون د. كريستيان فيلدة عالم الآثار في دائرة الآثار والمتاحف برأس الخيمة والدكتورة سونيل غوبتا محافظ مساعد متحف إله آباد في الهند، وعيسى عباس مراقب المسح والتنقيبات الأثرية في إدارة الآثار في الشارقة، وأجمعوا على أن العلاقة بين الهند والإمارات تعود الى العصر البرونزي، أي إلى الألف الثالثة قبل الميلاد. وذكر فيلدة أن حضارة وادي السند وحضارة أم النار التي امتدت على دولة الإمارات العربية المتحدة والجزء الشمالي من سلطنة عمان ارتبطا من خلال شبكة تجارية اجتازت حتى ما وراء المحيط الهندي ومضيق هرمز إلى شمال شواطئ بلاد الرافدين - العراق الحديث، وأن دلائل هذا تقدمها اللقى الأثرية التي عثر عليها في المناطق الإماراتية أو العمانية كالأواني الفخارية المطلية وحبات العقيق ونقوشها وجرار التخزين فضلاً عن الأوزان المكعبة المصنوعة من الصوان والتي كانت تُنتج في وادي السند والتي تم العثور على اثنين منها في تل أبرق بمنطقة أم النار وأخرى في مقبرة قديمة بمنطقة رأس الخيمة. ورغبة منها في الإسهام ببناء “السيناريو الزمكاني الواسع الذي سيساعد في مساعي البحث حول الروابط الهندية العربية” ذهبت الدكتورة سونيل غوبتا الى أن “منطقة الإمارات - عمان أرض الأسطورة (ماجان) كانت تنتج النحاس والسلع الأخرى لمناطق حضارتي هارابا وبلاد الرافدين، وهو ما يتحدث عنه دليل البحر الإغريقي القديم بيريبلاس ماريس إريثرائي (القرن الأول الميلادي)، مشيراً إلى أن السفن كانت تبدأ الرحلات من مرفأ باريغاز الكبير (براغوكاتتشا القديمة أو باروتش الحديثة على نهر نارمادا في إقليم غوجرات الهندية الى الميناء العربي (عمانه)، وتم تحديد موقع باب الدر في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يوجد ذكره مع الميناء القديم (عمانه) في روايات بيريبلاس. وركزت غوبتا على مجموعة من الخزف (السيراميك) التجاري من (الدر) يسمى الأواني السوداء لأنها تأمل أن يقوم إيضاح شبكة التبادل السيراميكي وروابط موانئ داخل الإمارات- عمان ومنطقة التفاعل بغرب الهند بتسليط الضوء على الحلقات الأقل شيوعاً للتبادل الهندي العربي في أواخر عصر ما قبل الإسلام. وفي العمق التاريخي أيضاً جاء بحث عيسى عباس الذي قال: “تعد المواقع الأثرية في إمارة الشارقة شاهداً ورافداً قوياً لبروز هذه الاتصالات والعلاقات الحضارية حيث اكتشفت مجموعة كبيرة من كسرات الفخار في تل الأبرق ووادي الحلو وموقع جبل البحيص وموقع مليحة وموقع دبا الذي يعود بتاريخه إلى القرن الأول الميلادي. ويمكن من خلال البقايا الأثرية، كالأمشاط العاجية والعملات خاصة عملة أوجاين وعملة راجكوت، وعملة تبريوس التي يعتقد أنها التقليد المحلي ويوجد مشابه لها في المواقع الأثرية في الهند، ورؤوس الفؤوس البرونزية ومكتشفات موقع التعدين في وادي الحلو وغيرها، رسم مسارات هذا التواصل الحضاري”. فتّش عن السلام إلى بداية وجود الإسلام في الهند عاد الباحث البروفيسور محمد سليمان صديقي نائب رئيس جامعة العثمانية في حيدر آباد في بحثه الموسوم بـ “العلاقات التجارية الهندية- العربية والمجتمعات التجارية المسلمة بجنوب الهند”، ليتقصى أوائل مستوطنات المسلمين في مدن السواحل الغربية والشرقية من الهند، وطبيعة النشاط التجاري التي أدت الى التعايش السلمي بين المسلمين والهندوسيين. وهو يرجع تاريخ أول وجود للمسلمين في جنوب الهند الى القرن الثامن الميلادي عندما جاءت جماعة من المسلمين من العراق واستوطنت على شاطئ مالابار. وخلال القرنين الثامن والتاسع باع التجار العرب والفرس منتجاتهم العربية في الهند، وقاموا بتصدير المنتجات الهندية إلى سوق سوريا ومن هناك إلى أوروبا. ويرى الباحث أن النشاط التجاري الذي كان يتم في جو من السلام والثقة المتبادلة أدى تدريجياً إلى تشكيل الجاليات المتنوعة للمسلمين في جنوب الهند من (نوائت) و(لابي) و(مويلا) و(دوديكولا) وغيرهم. أما الـ (نوائت) فهم بعض الهاشميين (من بني هاشم) الذين وصلوا الى ميناء كونكان في ساحل مالابار بعد أن طردهم الحجاج بن يوسف الثقفي من العراق وعُرفوا باسم البحارة أو (نوائت)، وكان أولادهم الذين استوطنوا فيما بعد على الساحل الشرقي يُعرفون باسم (لابي). وأما جالية (مويلا) فأسلمت على أيدي ناثور شاه ولي المتوفى 417 هـ 1039 م، وأما جالية (دوديكولا) فأسلمت على أيدي البابا فخر الدين المتوفى 562 هـ1168 م. وقد استخدم الدعاة المسلمون صيغة بسيطة للدعوة الى الإيمان والمحبة والمساواة والأخوة والعدل في وقت كانت الهندوسية الجديدة تكافح مع البوذية واليانية لأجل الهيمنة. وفي الإطار نفسه يأتي بحث الباحث الدكتور فيصل سيد طه حافظ الأستاذ في جامعة بني سويف المصرية عن “الروابط التجارية بين ساحل عمان (الإمارات حالياً) وشبه القارة الهندية في القرن الرابع الهجري”، والذي يؤكد على أن الروابط بين المنطقتين ازدهرت مع انتشار الإسلام الذي جلب معه الأمن والسلام، فتأسست المدن الكبيرة مثل ساموراي والتي شجعت القوافل والتجارة البحرية مع الخليج كما ساعد الطلب الكبير على المنتوجات الغربية والسلع الفاخرة من الهند والصين على نمو التجارة بشكل كبير. ولم يقتصر الأمر على العلاقات التجارية بل تعداه الى الرحلات الجغرافية فقام كل من المقدسي وابن حوقل واليعقوبي بزيارة ساحل مالابار في الهند. أثر العرب على الهند في بحثه المتعلق بالفترة الإسلامية أيضاً، نوَّه الباحث امتياز أحمد مدير مكتبة خادا بخش الشرقية في الهند إلى أن نظام المسلمين السياسي كما نشأ في الهند لأكثر من ألف عام منذ أيام محمد بن قاسم (القرن الثامن الميلادي) إلى سقوط الإمبراطورية المغولية (القرن الثامن عشر الميلادي) يمثل سلسلة - ناجحة إلى حد كبير- من التجارب لتكييف الشريعة أو القانون الإسلامي مع البيئة الهندية. وقال: “إن كتابات الماوردي، خاصة الأحكام السلطانية والسوابق التي وضعها محمد بن قاسم في السند (مذكورة في شاشنامه) توفر نقطة مرجعية لتطور الأفكار السياسية في شبه القارة الهندية في العصور الوسطى. إن التصور العربي بشأن المجتمع الهندي مثل النظام الطبقي، وكذلك العادات والطقوس مثل ساتي (إحراق الأرامل) الخ.. هي أمور مثيرة للاهتمام. كما أن طريقة تطور الأفكار الجديدة ومدى تأثيرها وحتى تعديلها، في المجتمع الهندي في القرون الوسطى، تقدم مثالا رائعا لأثر العرب/ الإسلام على الحياة الاجتماعية الهندية”. لم يأخذ العرب من التراث الفكري الهندي الذي قدّروه فقط، بل قاموا أيضاً بإثراء العلوم الهندية في القرون الوسطى، خاصة علم الفلك والطب، وبترويج المفاهيم الجديدة في الفكر الديني وتقديم النظام الجديد للتعليم وإجراء بعض التجارب العلمية المبتكرة ونشر العلم والمعرفة في الهند خلال العصر الإسلامي. وقال الباحث إن جذور الميزات الخطية التي تطورت في شبه القارة الهندية وظهرت في شكل الزخرفة والديكور كما في العمارة والمباني، وفي تحرير وكتابة الكتب وتزيينها، ترجع إلى التقليد العربي. كما يمكن ملاحظة الأثر العربي أيضا في تطور المفاهيم الجديدة والتقنيات والأشكال في العمارة في أوائل أيام السند وكذلك في العصر اللاحق في آخر أجزاء شبه القارة. وهناك أمثلة أخرى رائعة لأثر العرب على بعض جوانب الحياة الهندية، كالموسيقى واللباس والطعام ... الخ. وقد عبّر العرب عن تقديرهم لهذا التفاعل المتبادل ويمكن العثور على كثير من مثل هذه الإشارات المؤاتية في سبحة المرجان التي توجد لها نسخة نادرة في قسم مخطوطات مكتبة خودا بخش العامة الشرقية”. وكان الخط العربي أيضاً موضوع ورقة الفنان والخطاط الإماراتي خالد علي الجلاف الذي رآى أن انتشار الإسلام وقوة الثقافة الإسلامية جعلت ثقافات أخرى كثيرة تتأثر بالخط العربي وتبدع فيه، حدث هذا مع الهنود الذين أحبوا الفنون الإسلامية التي جلبها العرب معهم ، فأضافوا بعض فنونهم إلى تلك الفنون المقتبسة من الحضارة العربية، وتمثل ذلك في الخط العربي الذي أجاده كثير من غير العرب واستخدموه في إضفاء جماليات جديدة على العمارة والمجوهرات وفنون الخشب والمعادن. واعتبر الجلاف أن “تاج محل” بعمارته الشاهقة والخطوط الجميلة التي تزين جدرانه أحد أهم الدلالات على مصداقية هذا التمازج الحضاري بين الثقافات العربية والهندية. فلسفة النور وانطلقت الباحثة أنوبا بانداي أستاذ ورئيس قسم التاريخ بالمتحف الوطني بنيودلهي في بحثها العميق حول “تأثير الفكر العربي في الفن والهندسة المعمارية الهندو ـ إسلامية في القرنين 17 و 18” من بدهية مفادها أن القرآن هو مصدر الاستلهام الأصلي للفن والعمارة في الهند في تلك الفترة، وقالت: “إن فكرة ونظرية النور كمصدر للخلق توجد في القرآن، حيث جاء في سورة النور: “الله نور السماوات والأرض”، كما أن رموز النور والمفاهيم الأخرى من مثل تلك التي في شارباغ، وصورة الشمس والقمر والكواكب والأزهار والفواكه كما هي موجودة في الرسم وزخارف العمارة والمباني وكذلك محتوى الخط اليدوي (كاليغرافي)، كلها مستلهمة من المصادر القرآنية”. وعلى الجانب الفلسفي، فإن الجماليات الإسلامية هي مساهمة الفلاسفة العرب والمسلمين، وهمُ الذين وضعوا أساسها. لقد استخدم ابن سينا استعارة النور بمعنى الكلمة. وفكرة النور كمصدر للخلق تصبح مصدرا للجمالية المميزة التي تصور الحسن والجمال ليس من حيث ملامح الوجود الحقيقي بل من حيث الإشراق والروعة. ويمكن ملاحظة رسم بارز لمثل هذه الأفكار في تأبين قبة ضريح الحكام من جنوب الهند، حيدر علي والسلطان تيبو. أمأ ابن رشد فهو ينظر إلى الجمال كـترتيب لخاصية المنطق والعقلانية. إنه يحلل المظهر العظيم للطبيعة ليس من حيث فئة الجماليات المميزة للحسن والجمال بل من حيث خصائصها الرسمية والمنطقية. وطالما هي تُعرَض بشكل منظم فهي تقدم مصفوفة الجماليات. وأما ابن الهيثم فيرى الجمال من حيث يشكل الملامح المرئية الخاصة. ولدراسة الجماليات هو يطور النظريات البصرية للمنظور ويصوغ قانون المعيار الجمالي وهذا يشمل أفكار الترتيب والتناسب والميزان، الخ. والنظام الجمالياتي عند ابن الهيثم هو النظام المرئي للعالم والكائنات المجسدة ليست إلا صورا لروح العالم. أما عند ابن سينا فالجمال هو روعة النور؛ ونظامه مثالي وفكري. بينما يبدو النظام عند ابن رشد نظام عقلاني للعالم المخلوق. وبطرق مختلفة، فإن عالم الجماليات الإسلامية هو عالم النظام: الميتافيزيكي، الأخلاقي، المنطقي، والمرئي. وكان رافيندرا كومار أستاذ التاريخ في جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة في بحثه عن “الأشكال البنيوية والتصميمية في الفن والعمارة الهندو-إسلامية: الأصل العربي” معنياً بتحقيق أصول هذه الأشكال ومسار نقلها/ سفرها إلى الهند وخضوعها للتحليل الحديث، وبالتالي ترقية شعورنا عن ممارسات البناء والتشييد المرتبطة بهذه الأشكال. وأشار إلى أن الشكل الرئيسي للهيكل والبناء في الهند في زمن الغزو التركي كان هو “العمود والعارضة”، وهي ممارسة معمارية عرفتها الهند منذ وقت مبكر جدا، وتكمن قوة هذه العمارة في أساليبها البسيطة للتشييد ووفرة مواد البناء. رغم ذلك، فإن عمارة العمود والعارضة أصيبت بعيب (على الأقل واحد) هيكلي كبير. إذ كان للحزام الحجري (أو حتى الخشبي) الذي كان يتم استخدامه لأغراض الامتداد قوة محدودة. وبقدوم العصور الوسطى عرفت الهند تعبيراً جديداً في العمارة يتضمن النماذج البنيوية الجديدة، وهذه النماذج هي (القوس والقبة) التي استخدمت في التشييد المعماري بطرق كثيرة مبتكرة ووفرت عدداً من الاحتمالات المثيرة أمام المهندسين المعماريين. وحدة نضال يرى الشاعر والمترجم الدكتور شهاب غانم في بحثه عن “ترجمة الشعر الهندي المعاصر إلى العربية” أن الكلمات العربية دخلت في عديد من اللغات الهندية بما فيها الهندية والمليالية والتيلغو والكانادا. وكتب بعض الكتاب الهنود في كيرالا الكتب والشعر باللغة العربية، وما زال بعضهم يكتبون حتى اليوم. وكان الشعر مظهراً لتصوير التشابه بين العرب والهنود في كفاحهم ضد الاستعمار وخاصة الاستعمار البريطاني، حيث كتب أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 ـ 1932م) قصيدة طويلة يخاطب فيها الزعيم الهندي غاندي، وكذلك فعل الرصافي. من جهة أخرى، يقول غانم، درس عدد من العرب البارزين وعملوا في الهند ومنهم الشاعر البحريني إبراهيم العُريّض والشاعر الإماراتي أحمد بن سليمان الذي عمِل مذيعاً للأخبار في الراديو الهندي في الأربعينات والمحامي اليمني محمد علي لقمان مؤسس الصحافة في عدن الذي درس القانون في الهند وكان من أصدقاء المهاتما غاندي.. حتى إنه كتب رواية عربية في بيئة هندية بعنوان “كاملا ديفي”. كما كتب عمر أبو ريشة الذي عمل سفيرا لدى الهند قصيدة شهيرة عن المعبد الهندي في خاجوراهو، وكتب والدي “رحمه الله” الدكتور محمد عبده غانم، أول خريج من جامعة حديثة في الجزيرة العربية، قصيدة طويلة باللغة العربية بعنوان “عصا غاندي” ذكر فيها نضالات غاندي، وقامت القنصلية الهندية في دبي بترجمتها إلى الإنجليزية وعرضتها قبل أعوام قليلة في حفل خاص في ذكريات غاندي”. كان طاغور، حتى وقت ليس ببعيد، الشاعر الهندي الوحيد تقريبا، المعروف لدى القارئ العربي، من شبه القارة الهندية إلى جانب العلامة محمد إقبال، حيث قام عدد من الشعراء والمترجمين بترجمة مختارات من قصائده الى العربية، وقام السفير المصري لدى باكستان عبد الوهاب عزام وكذلك الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري بترجمة بعض قصائد إقبال. كما ترجمت قصيدتي إقبال “شكوى” و”جواب شكوى” من قبل الأعظمي والصاوي شولان وقامت أم كلثوم بغنائهما. وفي بحثه “دور اللغة و الأدب في تنمية العلاقات الثقافية الهندية- العربية” لفت الباحث زبير أحمد فاروقي إلى أن علاقة العرب الفكرية مع الهند بدأت في العهد الإسلامي لا سيما في العصر العباسي من خلال ترجمة الكتابات السنسكريتية الكلاسيكية إلى العربية، ومن روايات كثير من العلماء والمسافرين العرب، ويقول: “لا يوجد مثيل لعمل البيروني على الهند حتى في أي لغة هندية”. وكان البيروني أول من قام بترجمة بعض أبيات “باغواد غيتا” إلى العربية، وبعد ذلك بكثير، تمت ترجمته كاملا من قبل باحث هندي، ماخان لال شودري إلى النثر العربي الفصيح. وفي مجال الأدب، استنبط العرب كثيرا من ترجمات الأعمال الهندية في البلاغة والمورفولوجيا والتركيب والمفردات وعلم الاستعارة الخ.. وكان للحكايات الهندية أثر عميق على الأدب الشعبي العربي بما في ذلك ألف ليلة وليلة (بعض القصص الحيوانية في ألف ليلة وليلة تمثل الفولكلور الهندي الذي يعكس تأثيرا من الخرافات السنسكريتية القديمة). وفي المقابل، أصبح عدد كبير من المفردات والجمل والتعبيرات العربية جزءا أساسيا لمختلف اللغات الهندية، فضلاً عن المفردات التي توجد جذورها في العربية. وفي اللغة الأردية يبلغ عدد المفردات العربية من 30 إلى 35%. ويفضّل شعراء اللغة البنجابية المفردات العربية في ألقابهم. وكان البابا فريد أول شاعر بنجابي استخدم الكلمات العربية في شعره. أما الكتاب المقدس للسيخ “غورو غرانث صاحب” فيشمل عددا كبيرا من المفردات العربية. وفي العصر الحديث ترجم العرب بعض أعمال نهرو إلى العربية. وأعجبوا بشكل خاص بطاغور وإقبال، وقاموا بترجمة شعرهما إلى العربية. الأدب الهندي الديني والكلاسيكي استقطب انتباه بعض الكتاب العرب حيث قام وادي البستاني بترجمة حوالي 4000 آية من المهابارتا وكذلك من “شاكونتلا” و”نال دامايانتي” لـ كاليداس إلى العربية. وحالياً، فإن الدور المتعدد الجوانب لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي بشكل عام، وجهودها لتشجيع الثقافة الهندية على أراضيها بشكل خاص، يستحق التقدير البالغ. ومؤخراً، أطلقت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مشروعا لترجمة كتب مختارة من مختلف جوانب الحياة الهندية. وكان للهند تأثيرها الواضح على الأزياء التقليدية أيضاً، حسب الباحثة الدكتورة ليلى بنت صلاح البسام أستاذة الأزياء والمنسوجات التقليدية في الرياض، التي تناولت في بحثها “التأثير الهندي على الأزياء التقليدية في الخليج”. وقد أجملت هذه التأثيرات في ظهور الملابس المطرزة بالزري ذات الزخارف النباتية في بداية القرن العشرين، حيث كانت النساء تقصصنَ الثياب وترسلنها مع التجار المسافرين الى الهند ليتم تطريزها هناك، وكان هذا الثوب يسمى “ثوب الهند”. ثم انتقل المطرزون الهنود إلى المنطقة لينتشر هذا التطريز في أرجاء الجزيرة العربية، ويجد طريقه الى الأزياء التقليدية عبر تطريز الزري، والتلي أو النقدة، والكنتيل والصرمة (انتشرتا في الحجاز). أما الزخارف فقد ظهر فيها بوضوح الزخارف النباتية بينما استخدم الطاووس وبشكل محدود من بين الزخارف الحيوانية نظراً لكراهيتها في الإسلام. وأما أهم أنواع الأقمشة الهندية المستخدمة فهي: قماش الزري من الشيفون الأورجانزة وكان يستخدم على شكل قطع مثلثة تضاف كتخراصة ملونة (G sset) لثوب التل الأسود الكبير. وحرير الساري. وهناك أزياء تشابهت مع الأزياء الهندية وهذا لا يعني أنها هندية الأصل بل أنها عربية إسلامية، مثل الدراعة أو المقطع أو الكندورة: وتعرف باسم كرته k rta في الهند، والاختلاف هو أن هذا الزي في الجزيرة العربية يكون بطول الرجل والمرأة، أما في الهند فيكون قصيراً ويرتدى معه سروال. و الزبون أو الدقلة Achkian وهو معطف طويل مفتوح من الأمام وله ياقة عالية، يرتديه الرجال في المناسبات في معظم دول الخليج العربي، كما ترتديه النساء في شمال المملكة. أما “صندوق الهند” فهو الصندوق الذي كان يستخدم لحفظ الملابس للنساء والرجال عوضاً عن دولاب (خزانة) الملابس في وقتنا الحاضر، ويمثل جزءاً أساسياً من جهاز العروس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©