تسللت النغمات الساحرة لتسكن القلوب وتحرك الوجدان، وذلك عبر أطراف الأنامل الذهبية لأحمد حسين الشيخ، الطفل العربي الموهوب في العزف على آلة القانون، والذي نجح في انتزاع الآهات وحصد إعجاب الجمهور الذي ملأ المسرح الكبير بدار الاوبرا المصرية، وقد أعاد العازف الماهر الذي لا يتعدى الثانية عشرة من عمره الحضور إلى زمن الفن الجميل في ليلة لا تنسى من ليالي مهرجان الموسيقى العربية الحادي والعشرين.
ماجدة محيي الدين (القاهرة) - رغم وجود العديد من الأسماء اللامعة في الموسيقى والغناء من نجوم العالم العربي، استطاع أحمد الطفل السوري المقيم بدولة الإمارات، أن يكون من مفاجآت الدورة الأخيرة للمهرجان، فقدم مجموعة من الألحان الشرقية لسيد درويش، ورياض السنباطي، وتميز بأسلوب خاص في العزف، وإحساس ينتقل لكل من يسمعه ويتابعه ويشعر، وكأنه أمام فنان معجون بالموهبة التي صقلها التدريب الجاد.
البداية من الإمارات
وعن تعلقه بآلة القانون وخطواته الأولى التي قادته ليصبح أحد نجوم مهرجان الموسيقى العربية الـ 21، يؤكد أحمد أنه ولد في بيت مليء بالنغم، فوالده حسين الشيخ، أحد العازفين المهرة للناي والساكسفون، أما والدته، فهي عازفة لآلة القانون، ولكنها تمارس العزف كهواية، وشقيقه الأصغر “علي” يجيد العزف على الناي والكلارينت.
ويضيف: بدأت العزف وعمري خمس سنوات، وكانت البداية مع آلة الأورج، فقد كانت الأكثر جاذبية، والأسهل بالنسبة لي، وبعد فترة جذبني القانون، وكانت والدتي تشاركني العزف على القانون، وأنا على الاورج، وأحببت صوت القانون ونغماته، ولاحظ والدي سرعة تجاوبي وحفظي للألحان، وبعدها عرض عليّ فكرة الانضمام لبيت العود بأبوظبي، حيث أقيم مع أسرتي. وبدأت التدريب الجاد على القانون تحت إشراف الموسيقار والملحن الكبير نصير شمة، وعلى أيدي مجموعة من الأساتذة المتخصصين، وبعد نحو 3 شهور فقط شاركت عام 2008 في حفل بيت العود بأبوظبي، بمعاونة نصير شمة، حيث عزفت من ألحان سيد درويش “طلعت يا محلا نورها” وكان عمري 7 سنوات، وبعدها استضافتني الإعلامية نشوى الرويني في أحد برامجها، وكانت أول زيارة لي إلى القاهرة وكنت برفقة والدتي، وقدمتني للجمهور العربي الذي شجعني، وأشاد بأسلوبي في العزف الكثير من الملحنين. وحول حرصه على تنمية موهبته واهتمامه بدراسته العلمية يقول أحمد: أنا الأول على المدرسة طوال سنوات الدراسة، وأحرص على تنظيم وقتي بين التدريب والمذاكرة، ويشجعني والدي ووالدتي على ان أظل متفوقا في دراستي، وأنا حالياً في الصف السابع، وأتدرب يوميا لمدة ساعتين في بيت العود، وتزداد الى أربع أو خمس ساعات قبيل الحفلات، وقد حصلت على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف من بيت العود، وشرفني ان تضم اللجنة زياد الرحباني وأمير عبدالمجيد، وهما من كبار الملحنين العرب.
ويصف مشاعره تجاه جمهور الأوبرا في مصر قائلا: كان أحد أحلامي الغناء على مسرح الاوبرا، وأمام الجمهور المصري، فهو حلم كل فنان عربي، وقد تأثرت جدا برد فعل الجمهور واستقباله الرائع، خاصة انه جمهور ذواق للنغم الأصيل، ورغم أنني شاركت في أكثر من حفل في أبوظبي وخارجها، إلا أن كانت القاهرة بالنسبة لي هي المحطة التي كنت أتطلع إليها، ولذلك أشعر بالعرفان والشكر للدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس المهرجان ورئيس الاوبرا المصرية ود. رتيبة الحفني مقرر وأمين عام المهرجان اللتين وجهتا لي الدعوة، ورحبتا بمشاركتي في المهرجان، بعد أن رشحني الموسيقار نصير شمة.
ويشير العازف الصغير صاحب الموهبة الكبيرة، الى أنه يزداد ثقة مع كل حفل يشارك به، موضحا أنه شارك قبل عامين في حفل معهد العالم العربي بباريس، وأمام جمهور كبير من العرب والأجانب، حيث عزف مع أساتذة كبار في بيت العود مقطوعات متنوعة، منها كابرس لشريف محيي الدين حيدر، وهو مؤلف موسيقي عراقي شهير، الى جانب تقديم بعض الألحان لسيد درويش ورياض السنباطي.
بيتهوفن وموتزارت
وعن الصعوبة التي واجهها في التعامل مع آلة القانون وقدرته على العزف بعشرة أصابع يقول: لم أشعر بصعوبة أبدا، بل كنت اشعر دائما بسعادة وأنا أعزف، وكنت أشاهد العازف الراحل عبده صالح في التلفزيون، وهو يعزف خلف أم كلثوم، وأعجب به وبمهارته كذلك يعجبني عزف الفنان سيد رجب.
وأضاف: أحب الموسيقى بكل أنواعها، ومعظم الأعمال التي أعزفها مقطوعات عالمية أغلبها كتبت للبيانو، مثل أعمال بيتهوفن وموتزارت، ولكني أقوم بتحويلها الى آلة القانون بأساليب مختلفة. وعن السرعة اللافتة التي يتميز بها في الانتقال من مقام لآخر يقول: هذه الطريقة تميزني وهي تحتاج لتدريب حتى لا يشعر المستمع، ولدي أسلوبي الذي لم أسمعه من أحد من قبل، وعلى سبيل المثال أعزف بيدي الاثنتين، بحيث تؤدي يدي اليمنى خطاً ولحناً معينين، وتعزف اليسرى لحن آخر. وحول دور الأسرة في دعمه ورعايته يقول: والدي كان يشجعني دائما، ويصحح لي الأخطاء، ويعلمني العديد من القطع الموسيقية، خاصة أغنيات أم كلثوم وفيروز وحتى المعزوفات الغربية أعزفها على القانون فهي آلة آخذة في التطور لتصبح آلة عالمية بفضل الدور الذي يلعبه بيت العود ومؤسسه نصير شمة.
وقال: والدتي كانت تقول لي رأيها قبل أي حفل في اختيار المعزوفات المناسبة، وكانت تهتم باختيار الملابس الملائمة لي.
أساليب جديدة في العزف
عن طموحاته وأحلامه للمستقبل، يقول العازف الموهوب أحمد حسين الشيخ: أتمنى أن أقدم للعالم أساليب جديدة في العزف على آلة القانون، وأطور الآلة لتجذب عازفين جددا، خاصة أنها تضم 78 وترا، وهو ما يجعلها صعبة نسبيا للمبتدئين.
وبعد أن عزفت في الأوبرا المصرية أتمنى أن أعـــزف في قــاعة بيتهوفن التي عزف فيها منير يشير، فهو العـــربي الوحيد الذي عزف فيها، كذلك قاعة سيد درويش بالهرم الذي أحب ألحانه وكان أول من عزفت له أمام الجمهور.
عدد اليوم
