الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زلزال اليابان.. كأن شيئاً لم يكن!

9 ديسمبر 2014 23:55
كان يوم الحادي عشر من مارس 2011 من أفظع الأيام على الإطلاق في تاريخ اليابان، بل أكثر مأساوية مما حل بها بعد كارثتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب الكونية الثانية. ففيه وقع خامس أقوى زلزال في تاريخ الكرة الأرضية منذ عام 1900 بقوة 8,9 على مقياس «ريختر» قبالة الساحل الشمالي الشرقي للبلاد، تلته موجة مد بحري هائلة «تسونامي»، ومن ثم انفجار في مفاعل فوكوشيما النووي تسبب بكارثة أتتْ على المنطقة برمتها، وأودت بحياة نحو 19 ألف شخص، ناهيك عن آلاف الجرحى والمفقودين والخسائر الضخمة في المباني والسيارات والممتلكات الشخصية التي قدرت قيمتها الإجمالية بأكثر من 500 مليار دولار. وقتها قــُدرتْ تكلفة إعادة إعمار ما دمر بنحو 150 مليار دولار على مدى خمس سنوات.وبطبيعة الحال، فإن تداعيات تلك الكوارث المتتابعة كان من المفترض أن تكون ضئيلة، خصوصاً في ظل ما هو معروف عن اليابان من تفوق صناعي وتكنولوجي واقتصادي، وسمعة دولية في مجال إدارة الكوارث الطبيعية، على اعتبار أن الأراضي اليابانية من الناحية الجيولوجية هي واحدة من أكثر مناطق العالم الناشطة على مستوى الزلازل وبنسبة 20% من زلازل العالم التي تتجاوز قوتها ست درجات على مقياس «ريختر»، وذلك جراء موقعها الجغرافي القريب من صفائح القشرة الأرضية. غير أن المصيبة كانت أكبر من أنْ يتوقعها أي إنسان وتجاوزت كل السيناريوهات التي كان من الممكن تصورها سابقاً.ومنذ وقوع الكارثة، التي حلت ذكراها السنوية مؤخراً وأحياها اليابانيون بطرقهم الخاصة عبر الصمت المطبق وخفض النظر وشبك الأيادي وإيقاف العمل في حضور الإمبراطور «أكيهينو» وزوجته ورئيس الوزراء «شينزو آبي»، أطلقت الحكومة اليابانية ورشة عمل ضخمة، وأعلنت حالة الطوارئ، ورصدتْ نحو 19 مليار دولار لتسريع عملية إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي في المناطق المنكوبة، وبناء منازل آمنة للأفراد والأسر المشردة التي يقال إن عددها تجاوز مئات الآلاف. كما قام مصرف اليابان المركزي بضخ تريليونات من «الين» في سوق المال كي يواصل عمله بسلاسة، وبمضاعفة حجم خطته لشراء الأصول.وتفيد التقارير الإخبارية بأنه تمت حتى الآن إزالة معظم الركام المتخلف من الكارثة البالغ وزنه نحو 23 مليون طن، وتم تعبيد الطرق وإعادة تنصيب أعمدة النور في البلدات الساحلية المدمرة وبما ساهم في عودة الحياة إليها بشكل تدريجي. كما قامت الحكومة بوقف العمل في 48 مفاعلاً من أصل مفاعلاتها النووية الخمسين تحت ضغط منظمات المجتمع المدني القلقة على صحة سكان السواحل من تأثيرات الإشعاعات، على رغم وجود تأكيدات من منظمة الصحة العالمية بأن الإشعاعات الناجمة عن انفجار مفاعل فوكوشيما لم تتجاوز مسافة عشرين كيلومتراً من موقع المفاعل المذكور.بل إن صحيفة «الديلي ميل» البريطانية نشرت صوراً لما حل بالمناطق المتضررة، وصوراً أخرى لها بعد إعادة تعميرها مع مانشيت عريض يقول: زلزال اليابان.. كأن شيئاً لم يكن! وذلك في إشارة إلى سرعة تخلص اليابانيين مما حل بهم في غضون عامين لا أكثر، على رغم هول المصاب وضخامة الخسائر المادية والبشريةوالحقيقة أن هذا ليس بمستغرب على أمة استطاعت أن تنهض وتقف على قدميها مجدداً خلال سنوات معدودة بعد تلقيها ضربة ساحقة ماحقة غير مسبوقة بالقنابل النووية الأميركية، وذلك من خلال التضامن والتكاتف ومواجهة التحديات بـ«الانضباط النفسي والحلم المجتمعي وقيم المشاركة المجتمعية والذكاء العاطفي وتحويل الخصم إلى رفيق درب في التنمية والديمقراطية والتعليم والإبداع والابتكار وامتلاك التكنولوجيات» طبقاً لما ورد في مقال كتبه مؤخراً معالي سفير مملكة البحرين في طوكيو الدكتور خليل حسن (صحيفة أخبار الخليج البحرينية 1/11/2014).لكن المستغرب حقاً هو أن تلجأ جماعة من الإسلاميين المتشددين إلى التشفي مما حل بالأمة اليابانية بالقول في مواقعهم الإلكترونية الموبوءة، إنّ ما حدث هو «عقاب رباني لهم على إرسال قواتهم إلى أفغانستان والعراق لقتال المسلمين»، مضيفين «نسأل الله أن يرينا بهم ما تقر به أعيننا وتُشفى به صدورنا وتتقطع به من الفرح نياط قلوبنا». وهو ما أثار أحد المتابعين وجعله يذكـّر هؤلاء القساة الغلاظ المجردين من الإنسانية بأن الإسلام لم يكتف باحترام الأحياء من أتباع سائر الأديان، بل فرض أيضاً احترام الأموات بغض النظر عن مللهم ونحلهم»، مستشهداً في هذا السياق بما ورد في صحيح البخاري بسند عن جابر بن عبدالله الذي قال «مر بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا به، فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي! قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا». وفي رواية أخرى «كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا: إن النبي مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال أليست نفساً؟». وكان هناك متابع آخر استفزه الأمر فكتب حول التناقض الذي يقع فيه هؤلاء، بمعنى أنهم يدعون على اليابانيين بالويل وعظائم الأمور في الوقت الذي ينعمون فيه بآخر ما صنعته العقول اليابانية، ابتداءً من المركبات وانتهاء بالكاميرات والمكيفات والتلفزيونات. إنها والله لقمة التناقض! د. عبدالله المدني* * باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©