إعداد ـ محمد عبدالرحيم:
كشفت روسيا النقاب عن خطة طموحة لبناء النفق الأطول من نوعه في العالم تحت مضيق ''بيرينج'' كجزء من مسار النقل الذي سيربط بين أوروبا وأميركا من منطقة سيبريا إلى الاسكا على الجانب الآخر· وهذا الحلم الذي ظل يراود الدولة طوال حقبة القرن التاسع عشر تجدد مرة أخرى ليتمثل في نفق بطول 64 ميلا ''103 كيلو متر'' ليفتح الطريق أمام احتمال إنشاء خط حديدي في نهاية المطاف يمتد لمسافة تعبر ثلاثة أرباع الكرة الأرضية من لندن إلى نيويورك في نفس الوقت الذي سيصل فيه طول النفق ضعف طول القنال الإنجليزي الذي يربط فرنسا ببريطانيا·
وكما ورد في صحيفة التايمز اللندنية مؤخراً فإن هذا المشروع الضخم الذي تقدر تكلفته بنحو 65 مليار دولار انما يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في حركة التجارة بين روسيا واعدائها السابقين في فترة الحرب الباردة عبر أحد أكثر التضاريس الأرضية عزلة في العالم· ومن شأن المشروع أن يستحدث خطاً للسكك الحديدية العالية السرعة، بالإضافة إلى تبادل موارد الطاقة وانشاء شبكة لكوابل الألياف البصرية·
وكانت المقترحات الخاصة بانشاء القناة تحت مضيق ''بيرينج'' قد تفتقت أول مرة قبل قرن من الزمان في ذهن القيصر نيكولاس الثاني، الا أنها أجهضت إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى ثم بسبب انفجار الثورة الروسية·
وتجددت الفكرة، مرة أخرى، بعيد سقوط الاتحاد السوفييتي قبل أن يتم تعليقها مجدداً بسبب ازمة انهيار سوق المال الروسي في عام·1988 ولكن المسؤولين الروس يصرون على أن القناة عبارة عن فكرة اقتصادية حان الوقت لتنفيذها على أن تصبح حقيقة واقعة في غضون عشر سنوات من الآن· ويدعي هؤلاء المسؤولون أيضاً بأنها قادرة على استعادة تكاليف الانشاء عبر نقل ما مقداره 100 مليون طن من البضائع في كل عام، بالإضافة إلى إمكانية تزويد الولايات المتحدة وكندا بالنفط والغاز والكهرباء من اقليم سيبيريا·
ويقول ماكسيم بايستروف، نائب رئيس الهيئة الروسية للمناطق الاقتصادية الخاصة، إن القناة ستصبح مشروعاً تجارياً وليس سياسياً، وسيتم بناؤها على ثلاث مراحل لتربط ما بين جزيرتين في المضيق وتنطوي على خط لسكك الحديدية بطول 6 آلاف كيلومتر، وتتراوح التكلفة المقدرة لبناء القناة وحدها ما بين 10 و12 مليار دولار·
وأشار فيكتور رازبيجن، نائب رئيس إدارة البحوث الصناعية في وزارة الاقتصاد والتنمية التجارية الروسية وأحد أكبر المؤيدين للمشروع، إلى أن القناة توفر مسارا أرضيا لأول مرة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بعد أن قام باصدار دراسة لجدوى القناة في حقبة التسعينيات، وصرح للصحفيين مؤخراً بأن الشركات الحكومية والتجارية سوف تشكل شراكة من أجل تمويل وإدارة المشروع، كما اقترح أن يتم عقد مؤتمر في موسكو في الأسبوع المقبل، وتوقيع اتفاقية بين روسيا والولايات المتحدة لتمويل عملية انشاء مسار النقل مقابل حصص في الأعمال التجارية للمشروع·
وذكر ناسيلي زوباكين، نائب الرئيس التنفيذي لشركة ''هايدرو''، التابعة لشركة ''أنظمة الطاقة المتحدة المنتج الرئيسي للكهرباء في روسيا، أن المشروع بامكانه أن يوفر 20 مليار دولار سنوياً لكل من سيبيريا والولايات المتحدة الأميركية قيمة الوفر المتوقع في تكاليف الطاقة والكهرباء، مشيرا إلى أن الشركة تخطط لبناء محطتين عملاقتين لطاقة الأمواج في منطقة الشرق الأقصى لإنتاج عشرة جيجا واط من الكهرباء بحلول العام ·2020 يأتي هذا في الوقت الذي عبر فيه بعض المسؤولين عن المشروع عن شكوكهم بشأن نجاحه، وقال سيرجي جريجوريف، نائب رئيس شركة ''ترانسنيغت'' الحكومية الاحتكارية لخطوط أنابيب النفط: لم اسمع حتى الآن بمثل هذه الخطة، ولكني اعتقد باننا بحاجة أولاً لتطوير الحقول في شرق سيبيريا· وتساءل آخرون عن مدى الجدوى الاقتصادية للقناة، مشيرين إلى أن الاحتياطيات الهائلة للنفط في الاسكا لا تجعلها في حاجة إلى النفط الروسي كما أن السوق الصيني الضخم يعتبر أكثر قرباً وربحية من التجارة مع روسيا·
وعلاوة على ذلك فإن الجانب الروسي من القناة سوف يبدأ من اقليم ''شوكوتكا'' الذي يديره رومان ابراموفيتش ،الملياردير المعروف، صاحب نادي ''تشيلسي'' الإنجليزي لكرة القدم، والذي يبدو من غير المرجح أن يجازف باستثمار ثروته في مثل هذا المشروع المحفوف بالمخاطر!
عدد اليوم
