الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عطاف جانم تنشد للوطن والحلم وتفتح مدارات الغربة والحنين

عطاف جانم تنشد للوطن والحلم وتفتح مدارات الغربة والحنين
16 نوفمبر 2012
(الاتحاد) - أحيت الشاعرة الأردنية عطاف جانم في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بدعوة من جماعة الإبداع مساء الأربعاء الماضي أمسية شعرية عطَّرت المكان بألق الشعر، وصاغت لنا مساء جميلاً قوامه قصيدة عامرة باللحظات الجمالية، والصور المدهشة المغزولة على مهل على نار الغربة والحنين المشرع نحو الوطن الأول “فلسطين” التي بها وعنها وحولها تمحورت أغلب القصائد. وأجمع الذين حضروا الأمسية في الختام على الجماليات الفنية والصور الشعرية المدهشة التي تحضر في قصيدة الشاعرة عطاف جانم، وغمروها بدفء شعري حميم تمثل في مداخلات بينت بعض النواحي الجمالية في قصيدتها، وغنى مضامينها، واتساع المكان في قصيدتها ما يشير إلى رغبتها في الانطلاق والانعتاق إلى المطلق، وقدرتها على تحقيق المعادلة الصعبة في التعبير عن الموضوع الفلسطيني بجمالية وبعيداً عن الشعاراتية أو الفجاجة، إذ قدمت في قصائدها صوتاً دافئاً، حميماً، نابضاً بالصور والذكريات والمختزنات الإنسانية العميقة، شفيفاً حدَّ التماهي مع أشياء الأرض الصغيرة ويومياتها وتبدلاتها التي تراها عين الشعر بصورة مختلفة. لم يكن هذا الاحتفاء بالشاعرة غريباً، على الأقل بالنسبة لمن يعرف تجربة عطاف جانم الشعرية التي بدأت منذ سبعينات القرن الماضي ثم تكرست مع صدور ديوانها الأول “لزمان سيجيء” ثم “بيادر للحلم.. يا سنابل” ثم “ندم الشجرة”، وهي تجربة مهمة لم تلق ما تستحقه من الاهتمام النقدي مثل تجارب أخرى كثيرة منعتها ظروف شخصية أو اجتماعية أو مكانية من أن تحضر بشكل دائم في المشهد الثقافي. تعطي الشجرة كثيراً من دون أن تنتظر مقابلاً، لكنها مع ذلك تشعر أحياناً بالخيبة وعمق الطعنة الغائرة في الروح، فتستعيد الصورة المقابلة عندما كانت الذات الشاعرة ريّانة، تتفجر إبداعاً وعطاء: شجر من ندم ينحني بعصافيرهِ لدبيب الشجن كيف دجَّنتَ قيثار ظني ومن ذاد شوق الشبابيك عني وصحَّر ريح القمم!! كنت أسرج ضوء القصيدةِ أعدو بشعلتها بين منفى ومنأى حينما باغتتني مواويلك الراعفة! ولويت قطوف دمي ألأَجْلو مراياك أم لأغسل في فضة الروحِِ قمصان زلاتك الفارهة!. تجسد الشاعرة عمق خساراتها مستخدمة أساليب النداء والتوجع جاعلة من الروح “قرى تنوح فيها الخيول”، موظفة في استعاراتها وكناياتها الموروث الإنساني (رمز السندباد) والتاريخي (أبرهة) والفلسطيني (حنظلة ناجي العلي، وجدران خزان غسان كنفاني)، فضلاً عن التراث الغنائي الشعبي ومواويله الراعفات. ففي قصيدة “ترابها يا نور”، (الهاء عائدة على الأرض و نور شاعر فلسطيني من الأرض المحتلة عام 1948) تنسج الشاعرة بذكاء صورة الوطن العتيقة، في لوحة من الألوان والأحداث مستوحية حكاياتها السندبادية التي خبأتها في أصداف البحر، لكي تصبح القصيدة كلها بعد ذلك واحدة من هذه الحكايات التي تروي ترحالها السندبادي العجيب في المدن والشواطئ والسفن، مدللة بملفوظ (كم) على كثرة الرحلات والحكايات التي لم تفلح في أن تنسيها تراب تلك الأرض التي صمدت أمام الطمس والتهويد واستعصت على الجلاد وثقافته. وفي قصيدة “كنعان يبلغ سن الضوء” تحشد الشاعرة في سلاسة شعرية، وتلقائية، مختزنات الذاكرة الجمعية الفلسطينية وذاكرتها الخاصة لتؤثث القصيدة بالأمكنة والروائح والعطور والأسماء وتفرش غلالة رقيقة من الصور الشعرية الرائقة. وفي قصائدها تحضر فلسطين والأردن واليمن والإمارات بشكل موارب، وهي تنجح عبر الدوال الشعرية والرموز والشواهد في قول المكان من دون أن تصرح به، كما تحضر الغربة لتقول روح الشاعرة الموزعة بين الأماكن والأحلام، تلك الغربة الداخلية التي لا ينجح فيها دواء سوى الشعر. ففي عزلتها الداخلية والخارجية المتمثلة في مكانات بعيدة عن المدن، في نائيات القرى، لا تملك الروح لكي تدفع عن نفسها الوحشة سوى الشعر، تختلسه، تسرقه من الوقت الذي لا يترك لها مجالاً للكتابة فيما هي تطارد شروط الحياة المادية، وما أجملها من سرقات!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©