السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الأغنياء يستفيدون من سخونة الأرض.. و لاعزاء للفقراء

الأغنياء يستفيدون من سخونة الأرض.. و لاعزاء للفقراء
20 ابريل 2007 00:57
ملف من إعداد - عدنان عضيمة: بعد أن أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض حديثاً يومياً في الصحافة ووسائل الإعلام، تتساءل الآن الأوساط الاجتماعية والسياسية على المستوى العالمي: ما مدى خطورة المشكلة؟، وما تأثيرها على الاقتصاد والحياة ذاتها؟، وهل ثمة من إجراءات أو حلول لها؟· وظهرت مؤخراً الكثير من المؤشرات والقرائن التي تؤكد أن التغيرات المناخية بدأت بالفعل تلقي بظلها الثقيل على كل من الظواهر الطبيعية التي اعتاد البشر على التعايش معها، وعلى طبائع وعادات الأحياء ذاتها، وعلى سياسات الأمم والشعوب· ويبدو من البديهي أن تترتب عليها أيضاً تأثيرات قوية على الاقتصاد العالمي ذاته· ومن أمثلة هذه التغيرات أن الكثير من المنحدرات الثلجية الخاصة برياضة التزلج في أوروبا وأميركا وآسيا كانت قبل بضع سنوات فحسب تكتسي غطاءها الثلجي السميك قبل نهاية فصل الخريف، ولكنها تحولت الآن إلى مساحات تغطيها الأعشاب الخضراء بسبب ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض· وبدأت تظهر في المناطق المحاذية لتخوم القطب الشمالي بعض أنواع الأحياء الدخيلة على المنطقة والتي لم تكن تعيش إلا في المناطق المعتدلة· وأصبحت المناطق الصحراوية من أستراليا تعيش حالة جفاف لم يسجّل مثيل لها في تاريخ المنطقة أدت إلى إصابة قطعان الجمال البرية بظاهرة (جنون العطش)· ويمكن القول إن ميزان الحرارة الأرضي يعاني من حالة اضطراب خطيرة ولكنّها ليست مؤقتة بأي حال من الأحوال؛ بل هي ظاهرة دائمة ما لم يتمكن بنو البشر من العثور على طريقة لإعادة التركيبة الغازية لجو الأرض إلى ما كانت عليه قبل حدوث هذه التحولات، وهي المهمة التي توصف بأنها بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة· وعندما يبحث العلماء عمن يمكن أن توجّه إليه أصابع الاتهام بالتسبب في حدوث هذا التحول المدمّر فإنهم سرعان ما يصلون إلى النتيجة المؤكدة: هو الإنسان· ومع هذا الواقع المخيف، بدأت الأرقام والإحصائيات التي يتوصل إليها العلماء من خلال دراسات ميدانية، تظهر تباعاً لتزيد من عوامل القلق والاضطراب· وتوقع أحدث تقرير صادر عن (الهيئة الحكومية العالمية المشتركة لدراسة التغيرات المناخية) والذي صدر مؤخراً وأحدث ضجة عالمية، أن ترتفع درجة حرارة جو الأرض بمعدل أربع درجات مئوية كاملة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين· وبات من الواضح الآن أن من الضروري البحث عن طريقة فعالة لالتقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون O2 من الجوّ طالما أنه يمثل السبب الرئيسي لارتفاع درجة حرارة الأرض· وبات من الواضح الآن أن أية زيادة جديدة، مهما كانت صغيرة، في درجة حرارة الأرض، سوف تقلب الموازين الاقتصادية والسياسية السائدة· وعلى المدى القصير، سيكون هناك رابحون وخاسرون من ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ ويبدو بوضوح أن التغير المناخي يعمل لصالح دول الشمال الغنية، ولعكس مصلحة دول الجنوب الفقيرة· وخلال العقود القليلة المقبلة سوف تستحق جزيرة (جرينلاند) - أو (الأرض الخضراء)- إسمها بجدارة· ويمكن اعتبار (جرينلاند) قارة منعزلة تقع في أعالي المحيط الأطلسي في القطاع المحاذي للقطب الشمالي وتفوق مساحتها مساحة أوروبا كلها· وسوف تتحول هذه القارة من منطقة مغطاة بالثلج على مدار العام، إلى أرض زراعية بكر تتميز بالخصوبة العالية· وربما كان الروس من أكثر المستفيدين من احترار الأرض (ارتفاع درجة حرارة الأرض ) لأن مناطق التوندرا السيبيرية التي تضم مساحات شاسعة من الأراضي المغطاة بالثلج؛ بدأت بالفعل بالتحول إلى أراض زراعية عالية الخصوبة· في المقابل هناك الكثير من الخاسرين بسبب التغيرات المناخية؛ حيث ستزداد معاناة الأراضي الزراعية التي تقع على جانبي خط الإستواء من الجفاف وشحّ الأمطار· وتوقع بعض الباحثين البرازيليين أن تتحول الغابات المطريّة الإستوائية التي درج العلماء على تشبيهها ''برئة'' الأرض، بحلول عام ،2100 إلى مجرد مساحات تسودها أعشاب السافانا المتناثرة هنا وهناك لتشبه بذلك سهوب أفريقيا الوسطى التي ترعاها الحيوانات البرية العاشبة· وسوف تتسع رقعة الأراضي الصحراوية التي تجاور المناطق الإستوائية على حساب الأراضي الزراعية التي ستبدأ بالانحسار والتراجع جنوباً وشمالاً· وأصبح الباحثون المتخصصون بمتابعة هذه التغيرات الخطيرة يرسمون خرائط جديدة لمعالم سطح الأرض تأخذ بعين الاعتبار هذه التأثيرات المنتظرة لزيادة حرارة جو الأرض وتبدو فيها الصحراء الأفريقية الكبرى وقد التهمت كل الأراضي الزراعية التي يعتاش منها سكان الساحل والقرن الأفريقي، ويمكن أن تمتد حتى تلاقي صحراء كالاهاري في أقصى جنوب وسط القارة· و بالنسبة لأميركا الوسطى والشمالية، فإن التغيرات المناخية تعني زيادة حدّة وقوة الأعاصير المدمرة· ولم يكن إعصارا كاترينا وريتا اللذان ضربا ولاية نيوأوليانز في صيف عام 2005 إلا بداية لسلسلة من الأعاصير التي ستتردد على الشواطىء الشرقية للولايات المتحدة بين الحين والآخر ووفق إيقاع يزداد شدة وتكرراً بمرور الزمن· ولا يشك الخبراء أن الناس والأسواق سوف تتأقلم مع الفرص والتحديات التي ستترتب عن هذه التغيرات المناخية· وعندما يتغير المناخ، لا بد أن تتغير معه العادات والسلوكيات البشرية· وفي تقرير مهم نشره الخبير وليام أندرهيل في مجلة نيوزويك، ينقل عن توماس جيل مور الباحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا قوله: (إن لمن الصعب على المرء التصديق أن البشر يعيشون الآن أفضل أيامهم)· ويبدو كلام مور هذا معاكساً لما يمكن للمرء أن يتوقعه من خبير في شؤون وشجون مناخ الأرض؛ إلا أنه يقصد من ذلك الإشارة إلى أن البرد الشديد أكثر إضراراً بالبشر من الحر· وهو يقدّر أن ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض يبلغ 2,5 درجة مئوية يمكنه أن يخفّض عدد الموتى من البرد في الولايات المتحدة بنحو 40 ألفاً سنوياً· ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة وما سينتج عنه من ذوبان للمزيد من الصفائح الجليدية التي تغطي تخوم المحيط المتجمد الشمالي، إلى فتح الكثير من المعابر والخطوط البحرية التي ستلعب دوراً مهماً في تنشيط التجارة في أعالي الكرة الأرضية· وعند الحديث عن مقياس الفوائد والأضرار الناتجة عن احترار الأرض، يكون للموقع الجغرافي الأهمية الكبرى؛ ووفقاً لهذا الاعتبار المنطقي، توصل باحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك إلى النتيجة التي تفيد بأن سيراليون وبنجلادش القريبتان من خط الإستواء تعدان مثالاً نموذجياً عن البلدان الأكثر تضرراً من احترار الأرض، فيما ستكون دولتا النرويج وفنلندا ، الأكثر قرباً إلى القطب الشمالي، أكثر استفادة من هذه الظاهرة· وفيما ستعاني الدولتان الإستوائيتان من الجفاف الشديد وانتشار الأمراض والأوبئة الجديدة، فإن الدولتين القريبتين من القطب ستتمتعان بالبعض من الدفء غير المعهود، والكثير من الأراضي الزراعية الجديدة القابلة لإنتاج عدة محاصيل في السنة الواحدة· ويضاف إلى كل ذلك أن الكثير من المناطق التي سيتراجع عنها الجليد ستتحول إلى مناطق سياحية· ويقول أندرهيل في تقريره أن الصورة التي يرسمها العلماء لـ (الأرض الساخنة) تتألف من أخيلة رمادية وليس من بقعة حالكة السواد· وخلال العام الماضي، أصدر الاقتصادي البريطاني نيكولا شتيرن تقريراً مهماً حول التغيرات المناخية أصبح يعدّ اليوم مرجعاً بالنسبة للبيئيين وصنّاع القرار السياسي قال فيه: (سوف تؤدي التغيرات المناخية في الدول الواقعة أعالي الأرض، مثل كندا والدول الاسكندينافية، إلى فوائد حقيقية ستتجلى بزيادة مساحات الأراضي الزراعية ذات الإنتاجية العالية، وانخفاض معدلات الوفاة بسبب أمراض البرد، وتقلص تكاليف التسخين والتدفئة، وازدهار للقطاع السياحي)· ويقول أندرهيل أن الوقت الذي سيهجر فيه عشاق الاستجمام على الشواطىء الإسبانية تلك المناطق ليقضوا عطلاتهم على سواحل بحر البلطيق بات قريباً· وهو يعبر بذلك عن ظاهرة منتظرة تتجلى بهجرة الأسواق السياحية الأوروبية النشيطة نحو الشمال لتقترب من التخوم القطبية· ويبدو الأمر مختلفاً على سفوح جبال الألب الأوروبية؛ إذ يقول تقرير صادر عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أن ارتفاع معدل درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجتين فحسب، سوف يهدد المستقبل السياحي لمنتجعات التزلج على الجليد التي دأبت على جذب أعداد غفيرة من السياح سنوياً؛ وقدّر التقرير أن تنخفض عوائد هذه الصناعة المزدهرة بمعدل ثلث عوائدها الحالية· وبدأت العديد من شركات الاستثمار السياحي هناك بالتفكير في مستقبل القمم الجبلية الأكثر ارتفاعاً لأن ثلوجها قادرة على الصمود لمدة أطول أمام الارتفاع المتواصل في درجة حرارة جو الأرض· وتُروى في هذا الصدد قصة طريفة مفادها أن مطعم (جينتيانا) في منطقة دافوس السويسرية الشهيرة بمسطحاتها الجليدية المثالية لرياضة التزلج على الجليد، أصبح يشكو من نقص الثلج المتساقط حتى بدأ صاحبه بالتفكير في استثمار المنطقة بزراعة العنب· سيول وفقر ومجاعة في العالم الثالث أما بالنسبة لدول العالم الثالث التي تفتقر إلى المقومات والإمكانات اللازمة للتأقلم مع هذه التغيرات، فإن الأمور تبدو أكثر قتامة· وفي بعض البلدان الفقيرة يمكن لارتفاع طفيف في معدل درجة الحرارة أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي· ويمكن أخذ البلدان المجاورة لسلسلة جبال الهيمالايا مثالاً لذلك؛ حيث سيؤدي انصهار الأنهار الجليدية التي تنتشر بين القمم السامقة للجبال في بداية الأمر إلى زيادة قوة اندفاع مياه السيول التي تجتاح سهول الهند وبنجلادش لتعاني بعد ذلك من نقص حاد في المياه التي تغذي الأنهار· ويتخوف الخبراء من انتهاء ظاهرة الأمطار الموسمية العاصفية التي تتكرر في الهند سنوياً وتعرف باسم (المونسون) مما سيؤدي إلى تعريض ملايين البشر للمجاعة· وسوف يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى المزيد من النتائج والمشاكل الكارثية التي لا يمكن إصلاح أو محو آثارها· وصدرت في هذا الشأن تحذيرات إلى أندونيسيا من أن 2000 من أصل 18000 جزيرة التي تشكل الأرخبيل الأندونيسي، يمكن أن تتعرض للغرق التام تحت سطح البحر· وبات الخبراء الديموغرافيون يتحدثون عن هجرات جماعية مكثفة بسبب الجفاف والفقر المزمن اللذين سيضربان الكثير من الدول الواقعة تحت سفوح الهيمالايا· وستشكل هذه الهجرات حلاً لمشاكل بعض الدول التي تعاني من شيخوخة شعوبها ونقص معدلات الإنجاب فيها مثل اليابان وإيطاليا لأنها ستنتقي من هذه الشعوب المنكوبة الأيدي العاملة الكفؤة التي تحتاجها· ويقول تقرير أندرهيل أن العمل الجاد والمتكامل على المستوى العالمي يمكن أن يخفف من أضرار التغيرات المناخية· وسوف تتصدر قضية التغيرات المناخية قائمة المواضيع الملحة التي ستناقشها مجموعة الثماني التي تمثل الدول الصناعية الكبرى في العالم خلال الصيف المقبل· وبعد أن بقيت الإدارات الأميركية التي تعاقبت على البيت الأبيض خلال السنوات العشرين الماضية، رافضة تماماً لمبدأ التصدي لظاهرة احترار الأرض، فلقد جاء في أحد التقارير الصادرة عن مكتب الرئيس جورج بوش (ان الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أن مشكلة التغيرات المناخية تساوي في خطورتها مشكلة الإرهاب)· وبشكل عام، أصبح رؤساء الدول الثماني يدركون الآن أكثر من أي وقت مضى أن من المهم الاستجابة للمطالب الشعبية المتزايدة فيما يتعلق بإنقاذ بيئة الأرض من هذه التأثيرات المدمرة· البيئة في خطـر يشير الباحث في علم المستحاثات (الاحافير) القديمة تيم فلانيري في كتاب نشره مؤخراً تحت عنوان (صنّاع الطقس) إلى ما لاحظه من نمو مفاجئ للأشجار الغابية على سفوح جبل ألبيرت إدوارد في كندا بعد أن كانت هذه الأرض مغطاة بالثلوج معظم أيام السنة ولا تنمو فيها إلا بعض الأعشاب القصيرة· واستنتج فلانيري من دراسته الجادة لأسباب هذا التحول بأن الجو أصبح هناك دافئاً للحدّ الذي أدى إلى تشجيع نمو اشجار العائلة الصنوبرية· وهو يعتبر ان هذه الظاهرة دليلاً على قوة تأثير التغيرات المناخية على كافة الأحياء التي تستوطن الأرض· ولم يتمكن علماء البيئة من اكتشاف تأثير زيادة معدل غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو على المناخ إلا في عام 1975 عندما تمكنوا من ابتداع أول النماذج الحاسوبية المعقدة التي أظهرت أن تزايد نسبة الغاز في جوّ الأرض إلى ضعف ما كانت عليه في ذلك الوقت يمكن أن تؤدي إلى زيادة معدل درجة حرارة جو الأرض بنحو 3 درجات مئوية· وكان بعض العلماء قد ارتكبوا خطأ فادحاً في ذلك الوقت عندما اعتقدوا أن زيادة معدل غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو يمكن أن تساهم في زيادة المحاصيل وأن تؤدي إلى تضاعف الإنتاجية الزراعية على المستوى العالمي· ولم يتنبه علماء المناخ إلى أخطار تزايد معدل غاز ثاني الكربون على الجو إلا في عام 1988 عندما عمدوا إلى تأسيس هيئة تضم مجموعة من كبار الخبراء العالميين في هذا الاختصاص واتفقوا على أن تتولى الهيئة الجديدة إصدار تقريرين كل عشرية من السنين حول ما تتوصل إليه في مجال التداعيات المناخية لزيادة ثاني أوكسيد الكربون· واستدعت البحوث التي أنجزتها الهيئة في عام 2001 إصدار تقرير استثنائي ثالث دقت من خلاله ناقوس الخطر عندما أعلنت أن بيئة الأرض بدأت رحلة انهيارها؛ إلا أن الحكومات والشركات العالمية ذات التأثير الكبير في التصدي لهذا الخطر، ضربت بالتقرير عرض الحائط ولم تعره أي اهتمام يذكر· ويعزى هذا الموقف السلبي على المستوى الرسمي إلى نقص أعداد الخبراء المتخصصين بمتابعة هذا الموضوع، والجهل المطبق فيما يتعلق بالأساليب الصحيحة للتصدي لهذه الظاهرة· ويشير فلانيري في كتابه إلى أن احتفاظ جو الأرض بدرجة حرارة مناسبة هو ظاهرة بالغة التعقيد يلعب فيها غاز ثاني أوكسيد الكربون د2 الدور الأساسي· وهذا الغاز الشفاف وعديم اللون والرائحة، هو الذي يحقق التوازن الحراري الضروري للأحياء من خلال قدرته على إمرار الإشعاعات الضوئية الشمسية والسماح لها بالوصول إلى الأرض، ومنعه للإشعاعات الحرارية المرتدة عن سطح الأرض من الرجوع إلى الفضاء· ولولا النشاط الصناعي البشري، لكانت النسبة بين ما يسمح هذا الغاز بامتصاصه من الأشعة الشمسية وما يمرره من حرارة منعكسة إلى الفضاء الخارجي، مناسباً تماماً لاستقرار حالة المناخ واستمرار الظروف المواتية للحياة على الأرض· ولهذا الغاز الذي أصبح يعرف باسم (غاز البيت الأخضر) بسبب خصائصه المذكورة سابقاً، مصادره الطبيعية حيث ينتج عن تنفس أغلب أنواع الأحياء التي تستوطن الأرض؛ وتستهلك النباتات الخضراء كميات ضخمة منه لأنه واحد من مادتين أساسيتين تدخلان في عملية التركيب الضوئي (الأخرى هي الماء) التي تؤدي إلى تشكل سكر العنب (الجلوكوز)· ويمكن القول إن حالة دائمة من التوازن بين ما تطلقه الأحياء من هذا الغاز وما تمتصه النباتات؛ كان من الممكن أن تقوم في الطبيعة لولا النشاطات الصناعية البشرية، إلا أن الكميات الهائلة منه والتي تنتج عن حرق الأنواع المختلفة من الوقود العضوي هي التي قوّضت هذا التوازن وأدت إلى زيادة معدل الغاز للدرجة الكافية لزيادة درجة حرارة جو الأرض على نحو خطير· صناعة السيارات في قفص الاتهام قبل أيام فقط، نشبت معركة حقيقية في شوارع كاليفورنيا بين فئتين تحملان توجهات متناقضة في مفاهيمهما وتوجهاتهما؛ الأولى تضم فريقاً من عشاق السيارات الكلاسيكية الذين دأبوا على متابعة الاستعراضات السنوية المتكررة التي تنظّم لأرقى وأندر المجموعات من السيارات القديمة في شوارع لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو؛ وضمّت الفئة الثانية مجموعة كبيرة من النشطاء المدافعين عن البيئة الذين يرون أنه بات من الضروري إصدار القوانين الصارمة التي تحظر حركة أي سيارة أو عربة لا تنطبق عليها شروط الفعالية الكافية في حرق الوقود؛ وبما أن كل السيارات الكلاسيكية نشأت وترعرت في عصر لم تكن فيه الأرض قد بلغت حدّ الاختناق بغاز ثاني أوكسيد الكربون، فلقد بات من الضروري أن يتم التعامل معها الآن وفقاً للضرورات البيئية· وتدعو هذه الفئة إلى إخراج كافة السيارات التي لا تستجيب للشروط البيئية باعتبارها من مسببات زيادة التلوّث· ويدافع تقرير نشره موقع متخصص على الإنترنت عن مواقف الفئة الثانية ضارباً عدة أمثلة عن سيارات كلاسيكية من التي تشكل حركتها في الشوارع خطراً بيئياً حقيقياً مثل سيارات شيفروليه التي تم إنتاجها ما قبل عام 1980 حيث كان نظام طرد عادم الاحتراق يخلو تماماً من جهاز حفز أكسدة أول أوكسيد الكربون وأكاسيد الآزوت بأوكسيجين الهواء مما يؤدي إلى انتشار الغازات السامة إلى جانب غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يسبب مفعول البيت الأخضر ويساهم في احترار (ارتفاع درجة حرارة ) الأرض· ويشير التقرير إلى أن أصغر واحدة من تلك السيارات تنشر من الغازات الملوثة أكثر مما تفعل سيارة ضخمة من طراز بنتلي لعام ·2007 وتكمن المشكلة وفقاً لما تراه الفئة الأولي في أن اللوائح والقوانين التي تحدد شروط الفعالية في حرق الوقود سوف تقضي تماماً على أهم الاحتفالات التي يتعلق بها الكاليفورنيون عندما يستعرضون بعض نسخ السيارات الكلاسيكية النادرة التي يعود تاريخ صنع بعضها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية· ولا شك في أن المشاكل البيئية تكون قد أصابت كبار مقتني مجموعات السيارات النادرة بكارثة حقيقية لأن من المؤكد أن هذا الجدل سوف يؤدي بالضرورة إلى هبوط أسعار هذه السيارات إلى أدنى مستوى لها طالما أن من المحتمل أن تتحول إلى مجرّد قطع فنية للعرض في المتاحف بدلاً من الاختيال بها في الشوارع الراقية· ومع هذه الضجة الكبيرة التي أثارها التقرير الأخير المتعلق بخطورة التغيرات المناخية، أصبح المطلعون على تفاصيل هذه القضية ينظرون إلى كافة الأجهزة والأدوات التي تحرر غاز ثاني أوكسيد الكربون نظرة عدائية وخاصة منها السيارات التي اقترب عددها على مستوى العالم من مليار سيارة· وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كل واحدة من هذه السيارات تطلق 300 جرام من غاز ثاني أوكسيد الكربون في كل كيلومتر، وأن السيارة الواحدة تقطع 5 كيلومترات في اليوم في المتوسط، فسوف نستنتج أن السيارات وحدها تطلق كل يوم أكثر من 1500 طن من هذا الغاز يومياً؛ ولو أضفنا إلى هذه الكمية تلك التي تتحرر عن حرق الفحم الحجري والوقود النفطي والغاز الطبيعي لتشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وأفران صهر المعادن وغيرها، لتبين لنا الحجم الحقيقي للضرر الذي يلحق بالبيئة بسبب النشاطات البشرية الضارة· ومع نشر المزيد من الأخبار والشروح الهادفة إلى ضبط انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وزيادة فعالية حرق الوقود في المحركات، أصبحت الشعوب أكثر خوفاً على مستقبل الأرض· ففي دول الاتحاد الأوروبي مثلاً، تنتشر الآن في كل مكان لافتات وملصقات تثقيفية وتوجيهية تحثّ الناس على تخفيض إطلاق ثاني أوكسيد الكربون بكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك ترشيد استخدام السيارة الشخصية وعدم حرق المواد العضوية إلا للضرورات القصوى· وأصبحت شركات صناعة السيارات معرضة لضغوط كبيرة تهدف إلى إجبارها على إنتاج محركات أقل استهلاكاً للوقود وأكثر فعالية في حرقه· وعرضت في هذا المجال سيارة في معرض هانوفر التكنولوجي الذي افتتح قبل أيام يمكنها قطع 100 كيلومتر بـ لترين من البنزين فقط· الشركات الأميركية تستثمر الأزمة من النواحي الاقتصادية فإن القطاع الخاص سوف يكون الأقل تضرراً من هذه التغيرات بسبب هامش المرونة الذي يتمتع به للتكيف مع الظروف الطارئة؛ وربما يتمكن هذا القطاع من الاستفادة من هذه التغيرات وجني العوائد من ورائها· ومن ذلك مثلاً أن شركة (مونسانتو) الأميركية العملاقة المتخصصة باستنبات البذور الزراعية، تأمل في أن تتمكن قريباً من تخليق بذور ذات قدرة عالية على مقاومة الجفاف بحلول عام ·2015 وتراهن شركة جنرال إلكتريك الآن على إنتاج أجهزة كهربائية منزلية قليلة الاستهلاك من الطاقة· ولا شك أن هذا الواقع المرير الذي تمر به بيئة الأرض سوف يدفع الكثير من بلدان العالم إلى الاعتماد على الطاقة النووية بسبب ديمومتها وانخفاض تكاليف إنتاجها وعدم إطلاقها لغاز ثاني أوكسيد الكربون على الإطلاق· ويقول خبراء البنوك: (من المرجح أن تمثل التغيرات المناخية في المستقبل القريب قوة ذات تأثيرات زلزالية على الاقتصاد العالمي على غرار العولمة والشيخوخة السكانية التي بدأت تغير بشكل تدريجي الأساس التقليدي الذي كان يقوم عليه الاقتصاد· ولا شك أن المؤسسات التي ستتمكن من التعامل مع هذا التحدي قبل غيرها هي التي ستنفرد باستثمار الفرص الجديدة المتاحة)· ويمكن القول أن الوقت قد حان لمواجهة الحقيقة المرّة، وهي أن التغيرات المناخية قادمة، وعلينا أن نكون جاهزين للتعامل مع هذه الحالة الجديدة· ممرات جديدة وانخفاض تكاليف النقل البحري \ الفوائد المؤقتة لارتفاع درجة حرارة الأرض طالما أنه ما من شيء على الإطلاق ينطوي على الأضرار وحدها ولا على الفوائد وحدها، فلقد عمد خبراء البيئة مؤخراً لدراسة الفوائد المؤقتة التي ستترتب على زيادة درجة حرارة الأرض ومن أمثلة ذلك: الممرات البحرية الجديدة· منذ القرن السادس عشر ظل مشغلو الخطوط التجارية البحرية يبحثون عن ممرات صالحة للملاحة في البحر المفتوح الواقع شمال غربي الكرة الأرضية من أجل اختصار المسافة لبلوغ الشواطىء الآسيوية إلا أن الصفائح الجليدية كانت تحول بينهم وبين هذا الهدف· أما الآن فإن الانصهار الجليدي المتدرّج بدأ يكشف عن مثل هذه الممرات· ومن المنتظر أن يؤدي ظهور هذه الطرق البحرية إلى نتائج كبيرة على الاقتصاد العالمي حيث من المنتظر أن تنخفض أجور النقل البحري مما سيخفّض من أسعار السلع والمواد· وفي مقابل ذلك سوف تتضرر بعض المؤسسات الأخرى مثل الهيئة العامة لقناة السويس لأن هذه القناة هي الممر الوحيد الأقصر بين دول الشمال والغرب من جهة، والشواطىء الاسيوية من الجهة الأخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©