الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حين أحرزت كأس العالم لبلادي

حين أحرزت كأس العالم لبلادي
22 نوفمبر 2013 21:20
لم أكن في صغري أعرف كيف أخدم وطني، وكل الذي كنت أفكر به هو أن أرفع اسم الإمارات عالياً، بطريقتي.. وكانت هذه واحدة من الطرق. علق شقيق لي في غرفتنا المشتركة مع شقيقين آخرين، وكنت أصغرهم سناً، ملصقاً لبطولة كأس العالم التي كنا ننتظر إقامتها في إسبانيا عام 1982، يتضمن جدول المباريات وطريقة الصعود من دور إلى دور حتى المباراة النهائية. كان الجميع يشجع الكويت، والجزائر، والبرازيل، وحين بدأت البطولة، بدأنا نشعر بخيبة الأمل تدريجياً، فالكويت انسحبت بطريقة دراماتيكية، والجزائر أُقصيت بحركة أوتوماتيكية من الألمان وأبناء عمومتهم النمساويين، وأعتقد أنني استوعبت معنى «المؤامرة» بعد «زحلقة» الجزائريين بتلك الطريقة، وكنت آسفاً بشكل خاص للأخضر بللومي الذي أُغرمت به، وبقيت لفترة من الوقت أحمل لقب «بللومي» في ملعب «الفريج». وتفاقمت الخيبة بعد خروج البرازيل إثر خسارتها من المنتخب الإيطالي بثلاثة أهداف أحرزها باولو روسي، ولا زلت إلى اليوم أتمنى خسارة إيطاليا حتى في مبارياتها الودية، وربما بسبب تلك المباراة، وبتحريض من لا وعيي، لم أطأ أرض الطليان حتى الآن، رغم أنني أزور جاراتها كثيراً، بل لم أعد أشجع أي شيء، ولا أتابع الكرة من الأساس. المهم، بعد انتهاء تلك البطولة المخيبة للآمال، قررتُ إقامة بطولة موازية أعيد فيها الأمور إلى نصابها، فأخذت أحلل ملصق البطولة محاولاً فك رموزه، إذ كان عمري آنذاك ثماني سنوات، ولم أكن أعرف آلية صعود الفرق، حتى عرفت أن من يحل أولاً وثانياً في المجموعة، يلاقي نظرائه من المجموعات الأخرى، وهكذا. أحضرت دفتراً وبدأت بالقلم والمسطرة أعد جدول الفرق والمباريات، فكنت أنا هافيلانج، رئيس «الفيفا» آنذاك، وأنا أشكّل جميع اللاعبين لكل الفرق، وأنا حكم كل المباريات. ولأنه حزّ في نفسي ألا أجد منتخب بلادي ضمن البطولة، وكانت الإمارات قد حلّت ثالثاً في دورة الخليج التي استضافتها العاصمة أبوظبي قبل ذلك بأشهر قليلة، فقد شطبت منتخب السلفادور الذي استقبلت شباكه عشرة أهداف في مباراة واحدة، ووضعت بدلاً منه الأبيض الإماراتي.. «بطولتي، وكيفي». كان ملعبنا الترابي مواجهاً لمنزلنا، وكنت أترك الدفتر على مقعد خشبي موجود أمام البيت وأنزل الملعب لإقامة المباريات حسب الجدول، فأجري بالكرة وأراوغ الهواء، ثم أسددها في المرمى الخالي إلا من قطة ربما مرّت بالمصادفة في تلك اللحظة. وهكذا إلى أن تنتهي المباراة، فأعود إلى الدفتر وأدوّن النتيجة. وكانت تتخلل المباريات بعض الحركات، كالتدحرج على التراب والحصول على «فاول»، والجري فرحاً بعد تسجيل هدف، وتحية الجمهور بعد الطيران في الهواء للذود عن المرمى، وتحريك اليد في الهواء بعصبية احتجاجاً على قراري باعتباري مدافعاً بمنحي ضربة جزاء باعتباري مهاجماً، وحصولي على بطاقة حمراء من تلقاء نفسي. أقمت جميع مباريات الدور الأول خلال ساعات قليلة، واستطاع منتخبنا الفوز على بلجيكا بدزينة من الأهداف، والفوز على المنتخب المجري بسهولة، لكنه تعادل في اللحظة الأخيرة مع المنتخب الأرجنتيني بهدف أحرزه فهد خميس برأسه من منتصف الملعب، وأبلى الحارس الإماراتي سعيد صلبوخ بلاءً حسناً في هذه المباراة. وكان الفوز حليفاً لمنتخبات الكويت والجزائر والبرازيل في مجموعاتهم. مساء اليوم نفسه، عكفت على تحليل نتائج المباريات وترتيب الفرق، وكان لابد من التدخّل لإجراء بعض التغييرات على نتائج المباريات وعدد الأهداف لتناسب قراري بصعود هذا الفريق أو ذاك، خصوصاً المنتخبات التي قرر هافيلانج أن تصل إلى دور الأربعة حتى قبل أن تبدأ البطولة. صباح اليوم التالي، وكانت فترة الإجازة الصيفية، بدأتُ فعاليات الدور الثاني للبطولة، وتمكن منتخب الإمارات من إلحاق هزيمة تاريخية بالمنتخب البولندي. وفي دور نصف النهائي، وكنت قد خططت لهذه المباراة منذ البداية، انقضّ صقور الإمارات على أرانب إيطاليا، وهزوّا شباكهم عشر مرات، مقابل هدف واحد مشكوك في صحته أحرزه اللعين باولو روسي، الذي تلقى ضربة «بوكس» من سعيد صلبوخ. وأذكر أنني كنت أتقدم بالكرة باعتباري باولو روسي، ثم أسددها عمداً خارج الملعب، وأصدر أصوات استهجان الجماهير. في مساء ذلك اليوم، بذلت جهداً خارقاً لاكتشاف الخلل في جدول المباريات والنتائج، إذ كان من المفترض أن تلعب الإمارات، والكويت، والجزائر، والبرازيل، في دور نصف النهائي، فكيف لعبت الإمارات مع إيطاليا؟! قررت إقامة بطولة أخرى مستبعداً بكثير من التأثر المنتخب الكويتي الشقيق، ليلعب بدلاً منه منتخب الإمارات، ويفوز بثلاثة أهداف نظيفة على كل من إنجلترا، وفرنسا، وتشيكوسلوفاكيا، التي لم أكن أعرف كيف أنطقها، ومن حسن حظي أنها لم تعد موجودة على الخارطة الآن. بطريقة ما، واجهتُ كإماراتي نفسي كألماني في دور نصف النهائي، وانتقمت للمنتخب الجزائري الشقيق، وكان «بللومي» يصول ويجول في الملعب، إذ كانت قوانين الفيفا التي أوجدتها لنفسي، تسمح بانتقال اللاعبين بين الدول. وفي الدور نفسه، رقص جمهور السامبا وهو يتابع سقراط، وزيكو، وفالكاو، وهم يتلاعبون بلاعبي إيطاليا ويحرزون عشرة أهداف تمر كلها من بين قدمي حارسهم المدعو زوف، كما أصيب ولله الحمد باولو روسي إصابة خطيرة أبعدته عن الملاعب نهائياً، وحصل نصف لاعبي المنتخب البرازيلي على بطاقات حمراء بعد أحداث مؤسفة. كانت مباراة النهائي قمة في المتعة، فعن يمين باب منزلنا يلعب منتخب البرازيل، وعن شماله يلعب منتخب الإمارات بنجومه آنذاك، كفهد خميس وسعيد عبدالله وفهد عبدالرحمن وحسن محمد وجمعة ربيع وسالم حديد وسالم خليفة ومبارك وخليل غانم وبدر صالح وعبدالله سلطان وعبدالكريم خماس. ولأن كل شيء كان مخططاً له منذ البداية، وكان المنطق يرفض فوز الإمارات على نجوم البرازيل، فقد أصيب زيكو في الدقيقة الأولى من عمر المباراة، ولحقه فالكاو، ناهيكم عن نصف اللاعبين الأساسيين الذين كانوا قد طردوا في المباراة السابقة. كنت أصارع نفسي في هذه المباراة، فمن جهة أنا معجب بمنتخب البرازيل، ومن جهة أخرى تأبى وطنيتي إلا المركز الأول لبلادي، فاهتديت إلى طريقة لأُرضي مشاعري، وهي أن يسدد سقراط عشرة تسديدات في الزاوية التسعين، وأن يتصدى لها جميعها الحارس الأسطوري سعيد صلبوخ، فتارة أسدد الكرة في المرمى، وتارة أقف فيه أصد الكرة المتخيلة. وقبل نهاية المباراة بدقيقة، أحرز فهد خميس هدفاً تاريخياً، وانتهت المباراة بفوز الإمارات بكأس العالم، وخسر سقراط ورفاقه لكن بشرف ونالوا احترام الجميع، ووقفت أمام الدفتر أرمق هذه العبارة: الأول- الإمارات. me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©