الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خراسان.. مدينة تحتضن الفنون الإسلامية والآسيوية

خراسان.. مدينة تحتضن الفنون الإسلامية والآسيوية
22 نوفمبر 2013 21:20
أحمد الصاوي (القاهرة) - أفغانستان التي نعرفها اليوم هي خراسان أي أرض الشمس ذلك الإقليم الذي ترسخ فيه الحكم الإسلامي في أعقاب فتحه بعد معركة نهاوند في عام 31 هـ ومن خراسان انطلقت جيوش الفتوحات العربية إلى أواسط آسيا. وكان استقرار الحكم الإسلامي بخراسان منذ بدايات القرن الهجري الأول سبباً في تحول السكان من العناصر الآرية تحولاً حاسماً نحو الإسلام واندماجهم في حضارة الإسلام فكانت منهم الجيوش التي فرضت هيمنتها في مراحل تاريخية متعاقبة على الأقاليم المجاورة مثل البنجاب والهند وأواسط آسيا أيضاً. التحف المعدنية ولخراسان أو أفغانستان دور كبير في الفنون الإسلامية المعمارية والزخرفية، حيث عبرت في تلك المنتجات المختلفة عن وضعها الجغرافي الحرج باعتبارها نقطة تلاق أو ممراً بين أمصار عدة فإلى الغرب منها كانت الأراضي الإيرانية وفي شمالها تتماس أراضيها مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، بينما تقع الصين في شرقها والبنجاب أو باكستان الحالية في الجنوب منها. وبقدر ما عانت خراسان من كونها ممراً وطأه بكل الوحشية غزاة العصور القديمة والوسطى، من أمثال الإسكندر المقدوني وجنكيز خان وتيمورلنك بقدر ما نالت شرف السيطرة في فترات مختلفة على ممالك إسلامية عدة. وتكشف مقتنيات المتاحف العالمية التي تنسب لخراسان أو أفغانستان عن ازدهار كبير لمنتجات التحف المعدنية في تلك المنطقة متنوعة التضاريس والتي جمعت في تقاليدها الصناعية والزخرفية بين ملامح إيرانية وسمات تركية ولمسات هندية. وهذا الازدهار الكبير للمصنوعات المعدنية يعود إلى الوفرة الكبيرة للمعادن في أراضي خراسان مثل النحاس والحديد والذهب ومستلزمات إنتاجها كالفحم ومواد زخرفتها كالأحجار الكريمة. الانتصارات وكانت هذه المزايا سببا في قدرة الجيوش التي انطلقت من خراسان في عهود السامانيين والغزنويين والغوريين لتسيطر على الهند وآسيا الوسطى على تحقيق الانتصارات الحاسمة بفضل أسلحتها المصنوعة من الحديد والفولاذ. وتعود أقدم القطع المعدنية المنسوبة لخراسان إلى القرن الخامس الهجري وبالتحديد في عهد سيطرة السلاجقة على الإقليم، ومن أجمل تلك القطع حامل شمعدان من البرونز المكفت بالفضة له قاعدة ثمانية الأضلاع، وقد استخدمت الفضة بشكل كثيف في تنفيذ الشريط الكتابي بوسط القاعدة، وكذلك في مناظر الافتراس التي سجلت بكل وجه من الوجوه الثماني للقاعدة. وهذا الشمعدان بتصميمه وزخارفه يوضح مدى التأثر الكبير بتقاليد صناعة الشماعد في إيران والعراق خلال تلك الفترة. أما القرن السادس، فقد وصلتنا منه عدة قطع رائعة تنوعت بين مباخر وقواعد لمجامر وسلطانيات صغيرة ومرشات لماء الورد. ومن هذه المباخر واحدة من البرونز تحمل تقاليد فنون السلاجقة الأتراك قسمها العلوي على هيئة رأس فرس بينما قسمها الأسفل الذي توضع به الجمرات على هيئة جسد أسد وتعد من روائع المنتجات المعدنية الإسلامية. وهناك أيضاً مبخرة على هيئة كرة كانت تعلق بسلسلة في المجالس وقد ازدانت بأشرطة زخرفية تحصر بداخلها مناظر تصويرية ذات صلة وثيقة بمدرسة التصوير العربية في العصر السلجوقي. وتزدان هذه الأشرطة تارة بكتابات بخط الثلث تحوي عبارات دعائية وتارة أخرى برسوم حيوانات متعاقبة تعرف في الفنون الإسلامية باسم طرد وحش وتحصر هذه الأشرطة نقوشا لأشخاص في أنشطة معروفة في بلاط الحكام مثل الصيد والشراب، وقد استخدمت الفضة بكثافة في تنفيذ كل تلك الزخارف وفقا لأسلوب التكفيت الذي ازدهر في تلك الحقبة وهناك أيضا من نفس الفترة حامل لمجمرة تدفئة من البرونز وقد اتخذ هذا الحامل الفريد شكل قط جالس لتوضع على ظهره مجمرة الفحم. ومن الأمثلة النادرة للأدوات المعدنية التي كانت تستخدم لرش ماء الورد بأيدي الضيوف في الولائم تقليديا دورق رشاش من النحاس الأصفر ويمتاز بعنق طويل يمسك منه لصب ماء الورد عبر ثقوب ضيقة بفتحته العلوية. أناقة لافتة وتتجلى الشخصية المتفردة لأفغانستان الإسلامية أو خراسان في صينية من البرونز العالي القصدير وقد زخرفت بالتكفيت بمعدن الفضة بأناقة ملفتة، فبالوسط نجد منطقة دائرية بها نقوش زخارف نباتية من فروع وأوراق متداخلة، ويلي ذلك شريط دائري ضيق به مناظر طرد وحش دقيقة وأخيراً يأتي شريط زخرفي متسع يدور مع حافة الصينية وهو من كتابات نسخية لهامات الحروف فيها هيئة رؤوس حيوانات. وتحمل هذه الصينية تاريخ صناعتها في عام 596 هجرية. ومن نفس الفترة تقريباً لدينا صينية مربعة الشكل من النحاس الأحمر المكفت بالفضة وهي ذات حوض على هيئة محراب معقود في الجانبين. وهناك أيضاً سلطانية من القصدير ذات طابع محلي نفذت بالطرق وتمت زخرفتها بأسلوب الحز بزخارف هندسية خالصة. وينسب للقرن السابع الهجري عدة تحف مميزة منها كأس من البرونز تحتفظ به دار الآثار الإسلامية بالكويت، وقد نفذ بأسلوب الطرق وزخارفه عملت بالضغط وهي تضم عبارات دعائية بالعز والإقبال نقشت بخط نسخي رشيق حول فوهة الكأس بينما البدن والقاعدة حافلان بالزخارف التي تضم رسوما لحيوانات وكائنات خرافية من حيوانات مجنحة. قاعدة متسعة من أجمل تحف البرونز العالي القصدير فنجان مكفت بالفضة حول حافته ومقبضه رسوم بالفضة لحيوانات على أرضية من مادة النيلو السوداء وإناء بغطاء له قاعدة متسعة نسبياً بها شريط كتابي بخط النسخ ويليه منطقة متسعة من زخارف التوريق العربية الدقيقة تنتهي بشريط كتابي يدور حول حافة الإناء أما الغطاء، فهو مزخرف برسوم الأرابيسك أو التوريق، بينما قمة الغطاء الشبيهة بقبيبة صغيرة، فبها كتابات نسخية أيضاً ويعد هذا الإناء بصنعته الدقيقة وتصميمه المثالي النسب وزخارفه المغرقة في الترف والتأنق من أجمل القطع المكفتة بالفضة التي أنتجت في القرن السابع الهجري بإقليم خراسان. والصينيات والأحواض النحاسية المتسعة ظلت تنتج في خراسان في القرون التالية ومنها ما صنع من النحاس الأحمر أو النحاس الأصفر، حيث كانت تلقى رواجاً تجارياً لجودتها الصناعية وجمالها الزخرفي. ومن القطع التي تنسب للقرن العاشر الهجري حوض من النحاس الأصفر نفذت زخارفه بأسلوب الحفر المباشر بعدما تراجعت طريقة التكفيت بسبب ارتفاع أسعار الفضة، ورغم ذلك لا يخلو من طابع الجمال الفني، حيث تتوسطه جامة من زخارف الأرابيسك المعقدة التي تتكرر أيضا في الشريط المتسع الذي بالحافة العريضة لهذا الحوض الذي يمتاز بحسن الصنعة والمتانة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©