الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشرف قَـبْر

أشرف قَـبْر
25 نوفمبر 2015 21:23
لا يمكن لدارس أن يتناول قصيدة الشعر الشعبي الإماراتي بمنأى عن الأوضاع السياسية والأحداث التي يشهدها وطننا العربي عامة واليمن خاصةً وأثر ذلك على طبيعة النص المنتج. إن موضوع الشهيد - الذي تناوله أكثر الشعراء الشعبيين- واحداً من الموضوعات التي شكلت معالم الهوية العربية في أدب الإمارات. وساهمت في تعزيز مفهوم المواطنة الواحدة المشتركة. العروبة هويّة ثقافية جامعة، تستوجب تنسيقاً وتضامناً وتكاملاً بين العرب، يوحّد طاقاتهم ويصون أوطانهم ومجتمعاتهم. والشهداء في تضحياتهم بأرواحهم دفاعاً عن الوطن شكلوا السور الأمين والسد العظيم وصمام الأمان الذي حفظ الوطن من أعداء الدين والإنسانية. في إطار هذا المفهوم يأتي الشهيد كمنارة جمالية وإنسانية شامخة للأجيال التي تأتي. صورة شعرية الحديث عن الشهداء في صفحة الإبداع الشعري الشعبي الإماراتي، يساهم في التعرف على واقع الساحة الشعرية في الوقت الراهن، وتلمس أدوارها ووظائفها في تشكيل الهوية العربية ويفتح بوابات واسعة للتعرف على أنماط إبداعية متنوعة واكبت هذه الكواكب الملائكية من خلال خلفيات التناول الفكري والموضوعي للشهادة. وجلالة ومعنى الحدث الذي أثر في وجدانهم، وحفر فيهم الألم عميقاً، فانهمرت مشاعرهم وأحاسيسهم كأمطار لا تتوقف، وامتلأت الصحف والمجلات، وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات تباينت بين الألم والمرارة، والفخر والعزة برجال الوطن البواسل، محاولة توصيف الحالة الاجتماعية الشعورية المحتفية بعبق الشهادة. غير أن الدارس لقصائد رثاء الشهداء لدى الشعراء لا يستطيع أن يتلمس معالم الاختلاف في توجهات الشعراء الفكرية والموضوعية ؛ فغالباً تتراوح وتتمازج صورة الشهيد-عندهم- ما بين مفهومها الديني الذي تشهد له الملائكة في الجنة، أو الشهيد الذي يجعل نفسه فداءً لوطنه (التضحية)، أو تعبير عن الوعي الوطني والإدراك والإيمان بالإحساس بالمسؤولية الوطنية ودوافع الانتماء للهوية العربية. هكذا اختلطت المشاعر الدينية في الدفاع عن الوطن بالمشاعر الوطنية بكل ألوانها وأطيافها لتؤكد مكانتهم في تشكيل هويتنا الإماراتية العربية. فخر وإشادة وها هو سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، في قصيدته «قبر الشهيد» يرثي هؤلاء الأبطال، بأبيات جسدت حكاية الشهداء الأبرار وتضحياتهم على درب العزة والكرامة، وهم يرفعون راية العروبة مع شعب اليمن الشقيق، مشيداً مفاخراً بعزيمتهم وبأسهم في مواجهة التهديدات، واستعداداتهم بسن الرمح والسيف لخوض معركة الحق والمصير: يا ريس الدولة يابو راشد يا بو خالد وازيد يا شيوخنا في كل شبر من ثرى هذا الوطن يا شعبنا اللي عن دروب الكرامة ما يحيد بقول كلمة بالنيابة عن مشاعركم لمن يحسب أنا نرهب من الموت ونخاف الوعيد حنا رجال المعركة والسيف والرمح الأسن وتتابع القصيدة ما قدمه الشهداء البواسل من أجل صياغة ملحمة تاريخية تبرز قيمة وحقيقة الإخاء العربي والمعاني الحقيقية للهوية الإماراتية العربية، إلى أن تؤكد في ختامها على أن أشرف مكان يناله من قدم التضحية والفداء للوطن هو قبر الشهيد: لبلادكم سطرتوا الأمجاد بالفعل المجيد تفاخري يا أمة الإسلام واشهد يا زمن أشرف قبر بعد الرسل والأنبياء قبر الشهيد وأعز وأنبل تضحية ما قُدمت لاجل الوطن عُشّاق المجد وفي قصيدة «عشق الشهادة» يجمع مانع العتيبه، الصور البهية، المتغنية بمجد البطولة وعفة نفس الأوفياء في أقوى وأصدق ملامحها: يا بلادي موتة أبطالك شهاده.. وكل مسلم نيلها ياما تمنّا.. وسعد من هو مات في واجب بلاده.. مات لجل الناس لي باقي اتهنّا.. ونحن معنا التضحيه في الحق عاده.. وصعب إنَّا عن مطالبنا انتثنّا.. نحن خذنا السَبْق ثم خذنا السياده.. وان نسيتوا اسألوا التاريخ عنّا.. وفي أروع وأنبل صور التضحية والفداء يهب الشاعر علي الخوار في قصيدة «جيشنا الباسل» الدماء والنفس للجيش صمام الأمن والأمان للوطن دفاعاً عن العزة والكرامة والسلام: يا جــيشنا الباسِــل من عــروقــنا رَوْ نفخــر بدمٍ في الوغــى للوطــن سال موت الشَّـــرف في شَفّـك يزيدنا قُــوْ نحيا بعـــزّك.. والاّ نستشهـد أبطال نحنا أسود البَر وصقـور في الجَــوْ نرخص لك الأرواح ونســوم الآجــال ويشير الشاعر خلفان بن نعمان الكعبي في قصيدة «الفتنة» إلى أن الموت من أجل جعل راية العز خفاقة عالية نهج حث عليه الإسلام، لنجدة الأشقاء، وأنه لا تهاون في مواجهة الأعداء: ربنا واحد ورفعوا الأشرعه والنبي وصى على نهجه نسير والعدو يحرم علينا نرابعه يشعل الفتنة بشر مستطير دفاعاً عن الحق وها هو الشاعر عبد الرحمن المطيوعي معبراً عن الإحساس بالمسؤولية تجاه العروبة وحماية الهوية العربية مؤكداً أن الإمارات تقف إلى جانب الحق والعدل وإنسانية الإنسان: البواسل تدافع عن ثغور وحدود ترخص الروح لأجل إخوانها فاليمن لانها خطوط حمرا مثل صحرا النفود أو ضواحي المنامه أو جدار الحصن هم جنود الكرامه و الفخر لى تجود والشهادة هدفهم من قديم الزمن وفي قصيدة «دم الشهيد» تقول الشاعرة علياء العامري مفاخرة بشهداء الوطن، هم أبناء أمة عريقة، عرفت حضارة مليئة بالعلم والمعرفة، والعزة والكبرياء: يا دارنا تبقى فخر كل الأجيال ‏وتبقى وطن شامخ ولاشي وزانه ‏يا دار زايد يا وطن كل الأبطال ‏لك الأمانه ما نخون الأمانه وحب الشهادة يا وطن مضرب أمثال ‏للمجد والتاريخ نكسب رهانه ولأنه ابن وطن لا يقبل إلا بالنصر والعدالة، كتب الشاعر علي المهيري قصيدة «ما يبات الثأر» أكد فيها على أن هذه الأحداث لن تزيدنا إلا ثباتاً على الحق، وعزماً وإصراراً على تحقيق النصر: ما يبات الثار في قلوب الحرار لين ما تدمي مخالبها العدا والشهيد اللي رحل له خير دار والله ان دْماه ما سالت سدى أبشروا بالثار لي يتبعه ثار والعدا ملبوسهم ثوب الردا تميزت معظم القصائد التي تناولت الشهيد والشهادة بخصائص منها: معظمها أخذ طابعاً قومياً يلائم متطلبات الواقع، الإشادة بموقف الشهداء عظماء الأمة الأوفياء، استشهاد الشهداء أثار قرائح الشعراء والشاعرات على حد السواء، وتجلّت في تلك المراثي جمالية التصوير الفني؛ الذي يعتمد على الإيقاع الحركي؛ إذ تتداعى الصور البصرية والحركية تداعياً فنياً، المراثي موسومة بنبرة خطابية حماسية، القصائد تدور في فلك الأسلوب التقليدي الكلاسيكي؛ الذي يعتمد وحدة البيت الشعري والقافية الواحدة، معظم القصائد يدعو إلى الأخذ بالثأر والحث على التضحية والفداء. سيف سعيد غباش سيف سعيد غباش أول وزير دولة للشؤون الخارجية في الإمارات. ولد في رأس الخيمة، وتنقل بين البحرين والعراق ومصر ليكمل تعليمه، عمل في الكويت والنمسا وألمانيا وسويسرا، بعد 20 عاماً من الاغتراب عاد إلى الإمارات وساهم في تأسيس وزارة الخارجية. اغتيل في مطار أبوظبي يوم 25 أكتوبر 1977 وهو يودع عبد الحليم خدام وزير الخارجية السوري آنذاك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©