الشهادة موت في سبيل قضية، تكون عادلة وغير ذاتية في العرف العام لشعب، أو في سبيل عقيدة منتشرة في أكثر من شعب. والأمثلة كثيرة في التاريخ الديني والقومي والوطني، بل هناك أبطال في القبائل ضحوا وافتدوا فعوملوا معاملة الشهداء في الذكرى والاحترام، من غير أن يكون مفهوم الشهادة لديهم كما هو لدى من جاء بعدهم، ويحتفظ لنا الفولكلور القديم بالكثير من صور الشهادة. وعندما يستشهد شخص في سبيل قضية عامة ينتقل إلى الميثولوجيا، فيمنحه الأدب كل الصفات النبيلة، حتى يصل إلى مرتبة القداسة، فيصير كائناً نورانياً ويصبح قدوة ومثالاً أعلى. هذا هو قانون الشهادة التي تحدث في الواقع التاريخي. أما قانون الشهادة التي تحدث في الميثولوجيا فلها طريق آخر، كما سنرى فيما بعد.
طرأت على مفهوم الشهادة تحوّلات كثيرة عبر التاريخ بحسب عادات الشعوب وتقاليدها. فلم يكن لدى الأزتك في المكسيك أو الأنكا في البيرو أي شيء عن مفهوم الشهادة. كان الكثير من حروبهم يشن لتأمين الضحايا لربهم- الشمس- حتى يستمر في منح الحياة. وكان هذا في الشرق أيضاً، وما المنذر بن ماء السماء سوى بقية باقية لهذه العادة. فكانت الضحية، كقربان مقدس، النموذج الأول للشهادة البشرية. والضحية منذ القديم ترفع إلى الآلهة، كإسحق وأفيجينيا. أما شهداء الحروب فكان موتهم عادياً، ولا تذكر إلا بطولاتهم فقط.
ألوان وفروق
![]() |
|
![]() |
وبظهور المسيحية ارتفعت الضحية أو الشهيد إلى مقام القداسة، فكل قتيل من أجل الدين يعتبر قديساً رجلاً كان أو امرأة أو طفلاً صغيراً. ولدى الكنائس المسيحية في هذه الأيام سجل فيه جميع القديسين يسمى السنكسار يعرف القارئ منه اسم القديس وحياته وعصره ومصرعه وما قام به من واجب ديني، أو ما صنعه من عجائب وما شابه ذلك. وهناك كتاب السواعي الكبير الذي يقسم الزمن إلى أشهر وأيام، والأيام إلى ساعات، وكل ساعة لها قديسها وما يجب على القارئ القيام به تجاه ذكرى هذا القديس. وكان السواعي أولى هدايا العريس للعروس، فيكون عوناً لها في تمضية النهار في المنزل الجديد، ومرت فترة لم تكن العروس تغادر منزل أهلها من دون كتاب الشهداء، الذي روجوا أنه يعلم الفضيلة بتلك السير الكئيبة... الخ. ومع أن السنكسار سجل القديسين، فإننا لا نجد فيه ما اعتبرته المسيحية شهيدها الأول، وهو هابيل.
![]() |
|
![]() |