الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لعبة إرهابية!!

21 نوفمبر 2013 21:15
ألو.. شرطة النجدة، أرجو إرشادي إلى طبيب بيطري، حيث إن قطتي مريضة والوقت متأخر والطبيب الذي أتعامل معه لا يرد على الموبايل، ألو.. أنا مسافر في الفجر وأرجو إيقاظي قبل موعد الطائرة بساعتين لأنني لا أقيم بمفردي وأخشى أن تفوتني الطائرة وأنا نائم، الو.. أنا طالب وعندي امتحان في الصباح وأريد سيارة لتوصيلي حتى لا أتأخر عن اللجنة، ألو .. أنا سيدة عجوز وأبحث عن دواء وأريد مساعدتي والاتصال بالصيدليات وتوصيله إلى منزلي فزوجي مسن مثلي وليس عندنا من يرعانا، ألو.. يا شرطة النجدة.. الكلب الشقي دخل المصعد وتعطل به، رجاء اتخاذ اللازم، لإنقاذه، وهكذا عشرات بل مئات البلاغات يتلقاها المتخصصون في هذا المكان من هذا النوع، وعلى الرغم من أن البعض يرى أن معظمها تافه لكن تتم الاستجابة لها باعتبار أن الشرطة في خدمة الشعب، وأنها لا تقل أهمية عن بلاغات الحرائق والقتل والحوادث والمشاجرات، وغيرها، والتي تمثل سيلاً من الاتصالات في كل لحظة، حيث لا تتوقف الهواتف الكثيرة عن الرنين، ومعها الهواتف المحمولة وأجهزة اللاسلكي. الجانب الآخر أما هذا البلاغ فقد جعل الشرطي الذي يرد على مبلغه ينهض من مقعده منتفضاً، فالمتحدث على الجانب الآخر مدير فندق كبير في وسط المدينة أو هو أكبر فندق ونزلاؤه من علية القوم والمشاهير والساسة وكبار الضيوف، وأحياناً تعقد فيه لقاءات مهمة وربما مباحثات على مستويات عالية، المدير يبلغ عن محاولة لتدمير الفندق، حيث هددت سيدة بنسفه إذا لم يتم دفع خمسة آلاف دولار لها، وأنها اتصلت من هاتف محمول، ولم تزد في اتصالها على هذا التهديد وطلب المبلغ، وأنهت المكالمة بأنها تتبع إحدى الجماعات الإجرامية المعروفة، وفي حال إبلاغ الشرطة سيتم التنفيذ بلا معاودة الاتصال، ولكن إذا لم يتم إبلاغ الشرطة فإنها ستعاود الاتصال للاتفاق على كيفية تسلم المبلغ المحدد في مكان تحدده هي، وكذلك تحدد الوقت وكيفية التسلم. البلاغ جد خطير، لذلك كانت كل قيادات الشرطة على علم به خلال أقل من ثلاث دقائق لتبدأ التحركات للتعامل معه بكل جدية واهتمام وسرعة فائقة، فكل دقيقة لها ثمنها في تلك الحالات، الخطة الأمنية التي تم تطبيقها والقرارات العاجلة جدا التي تم اتخاذها تحركت في محاور عدة في وقت واحد، وبالتزامن من خلال مجموعات عمل متخصصة وجاهزة، وكل منها تعرف ماذا ستفعل في مثل هذه الظروف، وكثيراً ما تعاملت مع حالات مماثلة، وانتشر الجميع كل في موقعه ليقوم بمهمته. حساسية المهمة المجموعة الأولى كانت تقوم بتأمين الفندق، من الداخل ومن الخارج، لكن المهم في الأمر وحساسية هذه المهمة ألا يشعر النزلاء بأن هناك أي شيء غير عادي يقلقهم أو حتى يثير التساؤلات في نفوسهم، كذلك ما جعل هذه المهمة صعبة وجود مول تجاري بالفندق يرتاده الزبائن من غير النزلاء، ويجب إغلاقه فورا حتى لا يتم استغلاله في تنفيذ الجريمة، وكذلك إذا كانت المتصلة تتخذ منه مكانا للاختباء يتم كشفها أو إبعادها عن المكان حتى لا تراقب تحركات رجال الشرطة ولا تدرك وجودهم، وقد تم على الفور نشر العمال في المول ببضائع بحجة وضعها على الأرفف، وانتشار عمال النظافة لمنع الرواد من الدخول بطريقة غير مباشرة، ونجحت هذه المجموعة في لحظات في إخلاء المول والمنطقة المجاورة من دون أن يشعر أحد بشيء. أما المجموعة الثانية فقد كانت تفحص النزلاء للتعرف إلى ما إذا كان من بينهم شخصيات مهمة أو معروفة قد تكون مستهدفة في هذا التوقيت، وعلى الرغم من أنه ليس من بينهم هؤلاء فإن الخطة تسير بالاهتمام نفسه، علاوة على أنه تم التأكد من أن المتصلة ليست من رواد الفندق، أي لا تقيم فيه في الوقت الراهن، وارتدى رجال الشرطة زي عمال النظافة والخدمات في الفندق وانتشروا في كل أرجائه يراقبون عن كثب كل ما يدور حتى لو كان تافهاً، ومن ناحية أخرى يقومون بالمزيد من التأمين. وتأتي مهمة المجموعة الثالثة التي تضم قوات الحماية المدنية، ومكافحة الإرهاب وكشف المفرقعات، والمتخصصين في إبطال مفعول القنابل والعبوات الناسفة بكل أنواعها، لإطفاء أي حرائق يمكن أن تنشب جراء التفجير المحتمل أو إبطال مفعول أي عبوة أو قنبلة فور العثور عليها وتفكيكها، وكانت هذه المجموعات أيضا توجد وتنتشر وتعمل بكل جدية من دون أن يشعر أحد بوجودها حتى وهي تفحص كل كبيرة وصغيرة في المكان والسيارات المتوقفة في الكراج والداخل والخارج. إلى هنا تم التأكد والاطمئنان التام إلى أن الموقف تحت السيطرة، وأن الفندق خالٍ من أي مواد مفرقعة أو ناسفة، وأن صاحبة الاتصال لم تقم بالتنفيذ بعد، ويمكن التحكم في الوضع وعدم السماح لأي شخص غريب بالاقتراب، وأصبح من اليسير نوعاً ما التعامل مع الموقف بشيء من الهدوء، وبينما تنتظر أجهزة الرصد معاودة الاتصال من «الإرهابية»، ولكنها على عكس المعتاد في مثل هذه الأحداث تأخرت لساعات عدة، كانت المجموعة الرابعة في هذا الوقت تقوم بالبحث عن صاحبة الاتصال الطرف المهم في الحدث كله من خلال رقم الهاتف. وعندما تم التوصل إلى مالك رقم الموبايل تبين أنها فتاة تدعى «إيمان» في الرابعة والعشرين من عمرها، وبفحص السجلات تبين أنها تنتمي إلى أسرة إجرامية، فشقيقاها محبوسان في قضية سرقة ومتهمان في العديد من قضايا سرقات المنازل، وأبوها سبق اتهامه بالاتجار بالمخدرات، ورغم أن المعلومات أكدت أيضاً، إنهم جميعاً، وبمن فيهم الفتاة، ليس لهم أي علاقة من قريب أو بعيد بالتنظيمات الإجرامية، فإنه ما زال هناك احتمال قائم بأنه ربما تكون تلك الجماعات استأجرتها وتريد أن تستغلها للقيام بهذه العملية الإجرامية، مع الأخذ في الاعتبار أن الجماعات الإرهابية تنفذ مباشرة ولا تهدد ولا تطلب فدية. الاتصال الأول وجاء أخيراً الاتصال من الفتاة لمدير الفندق للمرة الثانية بعد أكثر من ثلاث ساعات من الاتصال الأول، بينما كانت الأجهزة تراقب وترصد مكان الاتصال، لتأتي المفاجأة بأن الفتاة تقيم في مدينة أخرى، وتتحدث منها، بما يعني أن الأمر مجرد ابتزاز، ولكن ها هي تصر على إعداد الدولارات أو التنفيذ فرد عليها مدير الفندق بأن المبلغ جاهز وعليها أن تحدد المكان والزمان للتسلم، وبكل سذاجة حددت «كوفي شوب» في وسط المدينة التي تقيم فيها وبعد ساعة من الآن، هنا تأكد رجال المباحث من أن الأمر ليس خطيراً، وأن الفتاة لا تنتمي إلي أي تنظيمات، وتحركت قوة من المباحث تضم عناصر من الشرطة النسائية وأعدت الكمين للفتاة من دون أن يشعر أحد لا من الرواد ولا من المترددين على المنطقة ولا السكان، فقد كان الضباط والأفراد يجلسون على المقهى في صورة زبائن يدخنون الشيشة والسجائر ويشربون الشاي والقهوة ويلعبون الشطرنج والنرد. لحظات وجاءت الفتاة تتهادى بملابس بلدية سوداء تغطي رأسها بطرحة قد حسرتها عن مقدمة الرأس ليظهر منها خصلات من شعرها الأسود الفاحم، شخصيتها لا تنم عن مجرمة ولا عن انحراف، جلست على مقعد ولكن يبدو عليها القلق والاضطراب، وجاءها النادل الذي كان في الأساس من أفراد الشرطة يسألها ماذا تريد أن تشرب لكنها ترددت في الكلام ثم طلبت عصير ليمون ليهدئ أعصابها، فجاءها مرة ثانية وهمس في أذنها بأن المبلغ جاهز، وعليها أن تتوجه معه بهدوء لتتسلمه بعيدا عن عيون رواد المقهى الكثيرين، فتلعثمت وقامت معه وسارا معا بضع خطوات نحو سيارة خاصة كانت متوقفة على بعد وركبا فيها بينما استقلها معهما ثلاثة آخرون من زملائه الضباط وأخبروها بحقيقة شخصياتهم فلطمت وجهها وصرخت صرخات لم يسمعها احد لأنها ضعيفة ولأن زجاج وأبواب السيارة كانت مغلقة. مفاجآت اقتادوا الفتاة «الإرهابية» إلى قسم الشرطة للتحقيق معها، وإذا بها تلقي بالمفاجآت التي كانت بعيدة عن الحسابات، قالت إنها كانت تقوم ببعض الاتصالات وأخطأت في طلب رقم صديقتها وعندما جاءها على الطرف الآخر صوت رجالي وأنه بفندق كبير حسب الرسالة المسجلة التي تأتي للمتصلين جميعا في كل وقت، جاءتها فكرة اللعبة «الإرهابية» بلا قصد، معتقدة أنها مجرد مكالمة وستنتهي على خير، أو مزاح كما كانت تتابع مشهدا في أحد الأفلام الأجنبية ولم تكمله لتعرف النهاية. لطمت إيمان وجهها وهي تعترف أنها سيئة الحظ وتؤكد من غير أن يسألها احد أنها تنتمي لأسرة معروفة بالإجرام، لذلك لم يتقدم احد لخطبتها بينما من هن في مثل عمرها تزوجن وأنجبن، وهي تعاني نفسيا من ذلك لأنها لا تأمل حتى في شاب مثل إخوتها ليتقدم لها، ومع ذلك فالفتاة ارتكبت «جريمة» في عرف القانون هي البلاغ الكاذب وإزعاج السلطات، تصل عقوبتها إلى السجن سبع سنوات، وقد اعترفت بها والمحادثات مسجلة، فالأدلة ثابتة لا تحتاج إلى أكثر من ذلك لتلحق بأخويها وأبيها في السجن، بعد أن قررت النيابة حبسها، ووجهت إليها الاتهامات، وتحددت لها جلسة محاكمة عاجلة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©