الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هجرة الرسول حادث عظيم في تاريخ الأمة أيدته السماء

هجرة الرسول حادث عظيم في تاريخ الأمة أيدته السماء
25 نوفمبر 2011 00:13
يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عاماً هجرياً جديداً في حياتهم، يرجون نفعه ويأملون خيره، ويودعون عاماً من عمر دنياهم ذاقوا حلوه ومره، وهكذا الحياة تمضي بأيامها ولياليها، وإن في تاريخ الأمم أعمالاً ظاهرة تؤيدها قوة السماء، وتلحظها عناية الله، وتحفظها ملائكة الرعاية والرحمة، وفي مقدمة هذه الأعمال حادث الهجرة، إذ فيه نرى الحق الأعزل يخلص كريماً من بين مخالب الباطل الباطش، ونرى النبوة الحليمة الراشدة تعلو على السفاهة الكافرة الحمقاء، وليس ذلك كله عمل الإنسان، لكنه في بدئه ومختتمه تدبير الرحمن ، كما في قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(1) . الأحداث والوقائع إن ذكرى الهجرة العطرة لا تحتاج إلى سرد الأحداث والوقائع، إذ من الواجب أن يكون جميع المسلمين على دراية تامة وإلمام محيط بمغازيها وعياً وحفظاً وفهماً، فلا رفعة لأمة لا تحفظ وتحافظ على تاريخها وتراثها، وأي تاريخ أرفع وأنقى وأسمى من ذلك الذي أضاء نوره الإسلام، وزرعه رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم - فأنبت نباتاً حسناً بفضل من الله سبحانه وتعالى . لقد كانت الهجرة فاتحة خير بالنسبة للمسلمين والدعوة الإسلامية على السواء، فقد تهيأت من خلالها سبل النصر للمسلمين، وتألفت من ضيائها أنوار الهداية لترسل بأشعتها في كل اتجاه من أرجاء المعمورة، ومن ثم فقد فطن الفاروق عمر - رضي الله عنه - إلى أهمية هذا الحدث ، فجعل منه بداية التقويم الهجري، مع أن الإسلام قد بدأ في إرسال أشعته الهادية قبل ذلك بسنوات، بيد أن هذا الحدث بالذات كان بمثابة الرحم الحقيقية التي انبثقت منها دولة الإسلام ووحدة المسلمين . وَحَدَثٌ بهذه الخطورة والأهمية، فلا بُدَّ أن محمداً- صلى الله عليه وسلم- قد أَعدّ له العدة، ووفر له من عوامل النجاح ما لابدّ منه، خاصة وأن أعداءه المتربصين بالإسلام والمسلمين لم يكونوا ليتركوه لتقوى شوكة الإسلام والمسلمين في يثرب، فيصبح ذلك خطراً يهدد تجارتهم ودينهم بل ومستقبلهم كله. لقد كانت الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة تمحيصاً للمؤمنين، واختباراً صعباً اجتازوه بنجاح كبير، حيث فارقوا أرضهم وديارهم وأهليهم استجابة لأمر الله ،و إعلاء كلمته، كما كانت الهجرة إلى المدينة المنورة إيذاناً بفجر جديد في تاريخ الدعوة ، حيث أصبح للإسلام دولة ?عزيزة الجانب . رفع الأذان فقد كانوا في مكة أفراداً، فصاروا في المدينة دولة وكانوا في مكة مضطهدين، فصاروا في المدينة مكرمين وكانوا في مكة فاقدي الأمن، فصاروا في المدينة آمنين. وكانوا في مكة لا يردون عن أنفسهم أذى، فصاروا في المدينة يكيدون من كادهم، ويرهبون من يعاديهم . كانوا في مكة يعبدون الله سراً، فصاروا في المدينة يرفعون الأذان عالياً مدوياً خمس مرات في اليوم لا يخافون إلا الله- عز وجل- . هذه هي هجرتهم ، تحّول عظيم صاعد في سماء الدعوة ، وعند دراستنا للسيرة النبوية، نجد أن الهجرة كانت رحمة من الله لعباده، حيث اشتملت على دروس كثيرة عميقة الدلالة دقيقة المغزى، بعيدة الأثر ، ومن واجب الأمة الإسلامية الاستفادة من هذه الدروس عن طريق تذكرها والتأثر بها ، وخير احتفال بذكرى الهجرة اليوم أن نعود إلى هذه القيم والتي تتطلب منا أن نرتفع بها من المدارسة إلى الممارسة ، ونقف اليوم عند درس واحد هو درس المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار . فسلام على المهاجر العظيم محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى الذين معه، أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربــنــا الله، خرجوا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وعلى الذين آووا ونصروا، يحبون من هاجر إليهم، ويؤثرونهم على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة. المهاجرون والأنصار فالإخاء بين المهاجرين والأنصار أحد الأسس الهامة التي قامت عليها الدولة الإسلامية، وهو المثال الأول في التاريخ الإسلامي، الذي جمع بين قبائل شتى من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن المعلوم أن ذلك لم يكن ليحدث، لو لم يكن تحت عين النبي- صلى الله عليه وسلم - وبتوجيه منه - عليه الصلاة والسلام -، وقد كان بينهم ما كان من عصبيات أدت أحياناً إلى حروب طويلة . وقد أثنى القرآن الكريم على الطرفين اللذين تكوَّن منهم المجتمع الإسلامي أطيب الثناء وأعطره، وسجل موقفهم في آيات خلَّدت حسن صنيعهم ما بقيت آيات الله تتلى ، كما في قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(2). وما أعظم الحدث الذي تتلاقى فيه كرام الفضائل ، مهاجر يعلن للدنيا عقيدته الصادقة، ويبتغي فضل الله عز وجل ورضوانه ، وينصر الله ورسوله، وإن اشتد الفقر في مجاهدته ، والكفر ?في ملاحقته ، وأنصاريّ يستقبل بالحب والترحاب أخاه في الإسلام ، وكفى به نسباً ، وبالقرآن حسباً، وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- رسولاً و إماماً، فيأوي الضيف ، ويؤمَنه من خوف، ويشاركه? في كل شيء ،كما جاء في الحديث الذي يرويه إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: ( لما قدموا المدينة آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع، قال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً، فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبَهما إليك فَسمِّها لي أطلَّقها ، فإذا انقضتْ عدَّتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينُقاع، فما انقلب إلا ومعه فضلٌ من أقط وسمن، ثم تابع الغدُوَّ، ثم جاء يوماً وبه أثرَ صفرَة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - : مَهْيَم ؟ قال : تزوجتُ، قال : كم سُقتَ إليها ؟ قال : نواة من ذهب- أو وزن نواة من ذهب- شك إبراهيم) (3). احتمال الأعباء وهكذا اختار الله السابقين من المهاجرين والأنصار من تلك العناصر الفريدة النادرة، ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين في مكة المكرمة، ثم ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين في المدينة المنورة، مع السابقين من الأنصار، ولم يعرف تاريخ البشرية حادثاً جماعياً كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء . الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©