السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استراتيجية الأزمة أم أزمة الاستراتيجية؟

استراتيجية الأزمة أم أزمة الاستراتيجية؟
4 ديسمبر 2014 00:25
إيهاب الملاح من هنا يأتي التوصيف الذي قدمه وزير الثقافة المصري، الدكتور جابر عصفور لدور ومهام المؤسسة الثقافية الرسمية، بأفرعها وأجنحتها المختلفة، لتلقي الضوء على ما ينبغي أن تقوم به تلك المؤسسات وعلى رأسها وزارة الثقافة المصرية لمجابهة التحديات الراهنة. يستهل عصفور بقوله «إذا أردنا أن نحدد مسؤولية التثقيف العام ما بين الدولة‏ «‏الحكومة‏»‏ ومؤسسات المجتمع المدني‏،‏ في مدى عملية التثقيف المجتمعي الذي يهدف إلى التقدم‏،‏ فلا بد أن نتحدث عن الأدوار التي تنهض بها وزارات الدولة مجتمعة، وفي القلب منها وزارة الثقافة». ويوضح عصفور أن «وزارة الثقافة» هي المسؤولة عن التراث المادي والمعنوي للأمة‏،‏ والمدافعة عن إبداع المثقفين واستقلالهم‏،‏ والعاملة في خدمتهم ورعاية إبداعهم،‏ موازنة بين التراث والمعاصرة‏،‏ الفردي والجمعي من الإبداع‏،‏ عن طريق تحقيق المساواة وتشجيع أنواع الإبداع الفني والأدبي‏،‏ مجسدة صوت المثقفين الذي تنقله إلى الدولة بالقدر الذي تنقل صوت الدولة إلى المثقفين‏،‏ هادفة في كل الأحوال إلى رعاية وحماية وإشاعة «ثقافة الاستنارة»،‏ بواسطة الكلمة المكتوبة والمسموعة‏،‏ المسرحية والفيلم‏، الكتاب والمجلة‏،‏ المتاحف والمعارض. استرتيجية ثقافية ويؤكد عصفور على ما أنجزته وزارة الثقافة المصرية في عملية «التثقيف العام»، بالقدر الذي يشدد فيه على أنه «لا يزال أمامها الأكثر بالتعاون مع غيرها من الوزارات ومع المثقفين على اختلاف تياراتهم»‏، مضيفا «ظني أن الوقت قد حان لإقامة حوار بين التيارات الثقافية المختلفة لصياغة استراتيجية ثقافية جديدة،‏ يصوغها المثقفون وترعاها الوزارة‏،‏ بعيداً عن وزير بعينه‏،‏ فتكون استراتيجية مستقلة‏،‏ مرنة‏،‏ تحسب حساب الثوابت والمتغيرات،‏ خصوصا تلك التي فرضتها التحولات المحلية والدولية‏». وعن ملامح تلك الاستراتيجية التي يدعو لها وزير الثقافة المصري، يقول عصفور «‏يجب أن تحمل هذه الاستراتيجية الجديدة فكر المثقفين الذي يؤسس لمستقبل مغاير للثقافة المصرية،‏ أعني مستقبلا‏،‏ يؤكد حرية التعبير التي يحجر عليها بعض بيروقراطي الوزارة‏، أو تدخل السلطة السياسية‏،‏ أو ضغط مجموعات التأسلم السياسي». ويرى عصفور أن صياغة هذه الاستراتيجية الجديدة لن تكتمل إلا بعد إعادة النظر في أجهزة الثقافة الجماهيرية وفاعليتها،‏ خصوصا بعد أن تركت الدولة القرى والنجوع لمشايخ التطرف الذين سيطروا على العقول‏،‏ في غياب ما أسماه «استراتيجية ثقافية جذرية‏»، تصل إلى القرى والنجوع وتوصل إليها «ثقافة الاستنارة» التي تقوم على احترام العقل الذي هو حجة الله على خلقه‏، وترقية الذوق الفني والحس الجمالي والسلوك المجتمعي الذي انحدر في القرى والمدن على السواء. ويضيف عصفور إلى ما سبق ضرورة «مراجعة المفاهيم القديمة عن الرقابة التي توجد في أقطار العالم المتقدم حقا،‏ ولكن ليس بالأسلوب المتخلف الذي نسير عليه عندنا‏،‏ ونحن غير مدركين أن مفهومنا عن الرقابة لابد أن يتغير ويتطور‏،‏ خصوصا بعد أن أصبحت سماوات الكوكب الأرضي مفتوحة بلا قيود،‏ وأتاح النت ولوازم الاتصال الحديثة تجاوز أشكال الرقابة الحالية وأساليبها البالية‏».‏ خطاب أبوينظرة نقدية من خارج المؤسسة الرسمية، تبنتها الناقدة والأكاديمية المصرية المعروفة، الدكتورة شيرين أبو النجا، أستاذة الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة، طرحت ملامحها وتصوراتها في كتابها الأحدث «المثقف الانتقالي.. من الاستبداد إلى التمرد»، حيث تؤكد أبو النجا في كتابها المشار إليه أن المجال الثقافي ظل خاضعاً بشكل كبير لسلطة «الخطاب الأبوي»، فالمؤسسة الثقافية لم تطلها إعادة هيكلة أو إعادة نظر في خطابها السائد، فكان الناتج هو تبديل أشخاص من دون أن تتغير الممارسات. على المستوى الثقافي، تقول شيرين أبو النجا، نجح الجيل الجديد في إعادة العلاقة بين الثقافة والشارع، وقام بتوظيف أساليب تعبير جديدة تدل على رحابة الخيال وتعبر عن قدوم عالم جديد، إلا أنه ظل أسيراً للأسف لخطاب أبوي سابق في ما يتعلق بالعديد من مكونات المجال الثقافي، وظهر ذلك في عدم تخلصه من مقولات سابقة تعبر عن الغضب والاحباط في مجال النقد الأدبي وسياسات منح الشرعية للأعمال الجديدة. في الفصل الأول من كتابها «المثقف الانتقالي»، حاولت أبو النجا تتبع فكرة «تسييس الثقافة» التي كانت كائنة قبل 25 يناير، والكيفية التي وجدت بها الثقافة نفسها معزولة تماماً بعد الثورة، كما أن هذا التتبع والرصد يوضحان الاشتباك الذي كان قائماً بين المؤسسة الثقافية الرسمية وبين المثقفين الذين ينادون بالاستقلال عن المؤسسة لتبعيتها السياسية. في السياق، يبدو الحديث عن مستقبل المجلس الأعلى للثقافة، أهم الأجهزة ضمن مؤسسات الثقافة الرسمية وأكثرها فاعلية في التواصل مع المثقفين في الداخل والخارج، مشروعا بل ملحا خاصة مع ما طرحه البعض من تصورات لإعادة هيكلته بما يتواءم مع متطلبات المرحلة الجديدة في مصر، في سياق أزمة المؤسسات الثقافية عامة وعلاقتها الملتبسة بالدولة والمثقفين. أهداف وأولوياتأمين المجلس الأعلى للثقافة، الدكتور محمد عفيفي، وهو من القيادات الثقافية الحديثة التي تحظى بقبول واسع ورضا قطاعات ليست قليلة من المثقفين، قال في لقاء مع معد التحقيق «لديّ مجموعة من الأولويات أعتبرها ذات أهمية قصوى للعمل داخل المجلس خلال المرحلة المقبلة، أولها فيما يتعلق بالمجلس كمؤسسة لها أدوار منوطة بها ويجب أن تقوم بها على الوجه المناسب، على رأسها إعادة هيكلة المجلس ولجانه وفق نظام جديد وتصور مستقر ينبع من الدور الحقيقي الذي يجب أن يقوم به المجلس». يتابع عفيفي: لا بد من تحديد الهياكل والتفريعات الموجودة داخله أولا، ومن ثم تحديد هل هي قادرة بوضعها الحالي على الوفاء بالأهداف المطلوبة أم لا؟ وهذا قد تم الانتهاء منه تقريبا من خلال مناقشات عديدة عقدناها خلال الفترة الماضية، وخلصنا إلى أن هناك وظائف معينة لم تؤد بشكل سليم أو فعال نتيجة أنها كانت ضمن منظومة «قديمة» و»غير فعالة». ويتابع عفيفي: التصور الجديد للمجلس الذي يمكن من خلاله الوصول إلى تحقيق الأهداف المطلوبة يقوم على عدة خطوات منها طريقة اختيار المسؤولين عن القطاعات واللجان المختلفة داخل المجلس وطريقة تشكيل اللجان المكونة له، فهذه اللجان يجب على كل لجنة منها أن تنتخب مقررها من القاعدة إلى القاع، وليس العكس، بمعنى أن الجماعة الثقافية العريضة من المثقفين والأعلام المتخصصين هم الذين يشكلون من بينهم مَن يدير شؤونهم ويتولى مسؤولية إدارة النشاط أو التخصص داخل المجلس وفق آلية محددة ومتعارف عليها، ولتكن أشبه بالقائمة التي يتوافق عليها كبار المثقفين والمعروفين من كل التيارات والاتجاهات الممثلة في مصر. الأزمة والتحدياتولن يكتمل الحديث عن الدور المنوط بالمؤسسات الثقافية الرسمية، وغيرها القيام به لمواجهة التحديات وإشكاليات اللحظة الراهنة من دون التطرق بشكل مباشر وصريح إلى أبرز التحديات المفروضة على الثقافة العربية، والمصرية بالأخص، والتي أوجزها وزير الثقافة المصري في عدة نقاط، في ورقة بحثية سابقة، جاء فيها: على المستوى الداخلي للثقافة العربية فهناك، أولاً مشكلات الأصولية الدينية التي اتخذت طابعاً قمعياً، وتعولمت، ناشرة الرعب، تحت رايات الإسلام الذي هو بريء من كل جرائمها في جوهره السمح الذي يدعو إلى المجادلة بالتي هي أحسن، وتحيته «السلام» التي هي دعوة إلى الإخاء والمحبة والمساواة بين البشر جميعاً، مهما اختلفت دياناتهم ومعتقداتهم. ثانيا: الأزمات الاقتصادية خصوصاً في الأقطار ذات الكثافة السكانية العالية التي يدفع الفقر أبناءها إلى الوقوع في شراك الأصوليات الدينية، وذلك في موازاة ضعف التنمية بكل مجالاتها التي تؤدي إلى عدم تنمية الثقافة نفسها، وهو أمر يؤدي إلى استقواء «ثقافة تقليدية» تعادي التقدم وتعرقل خطاه. هذا الوضع الحالي للثقافة العربية يفرض على المثقف العربي وضعاً خاصاً يميزه عن قرينه في الدول المتقدمة، فهو مثقف يقع ما بين مطرقة «الأصولية الدينية» الكارهة للتقدم الذي تراه بدعة ضلال خاسرة، وسندان هيمنة الثقافة التقليدية الراسخة، فيعاني مشكلات حرية التعبير والقمع المباشر وغير المباشر لكل جديد أو مغاير أو مختلف، هكذا يواصل هذا المثقف طريقه ممزقاً بين عالم التخلف الذي يعاني أقسى ما فيه، متطلعاً في الوقت نفسه إلى أحدث منجزات عالم التقدم الذي عليه أن يكون ملماً وعارفاً بكل جديد فيه. ربما أفضل ما يختتم به هذا التحقيق، أنه إذا كان طه حسين قد أنهى كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» بحلم بهيج، فلنحلم مثله بأن نسهم في صنع «حلم بهيج أجدّ» وليس أجدر من المثقفين الأصلاء والشرفاء على تحقيق هذا الحلم. في لحظة ثقافية راهنة، يبدو أن الفكر العربي لا يطرح السؤال عادة حول مستقبله إلا إذا كان حاضره مهدداً، يعاني أزمة حادة، وتحديات كبيرة، ويستشعر خطراً حقيقياً يهدد هويته، بل وجوده ذاته. ونظرة عابرة على ما يحدث في بقاع عدة من عالمنا العربي، واستعادة لأحداث جرت وما زالت تجري خلال الأعوام الأخيرة، تؤكد أننا في مواجهة لحظة «فارقة»، تستدعي الوقوف جديا على فحص وتأمل الحالة الثقافية العربية، ومنها المصرية، خاصة في ظل التحديات التي تجابه الثقافة المصرية فيما يتعلق بدورها، من خلال المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، في مواجهة الإرهاب ونشر فكر الاستنارة وتجديد الخطاب الديني وغيرها من الإشكاليات الملحة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©