السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنبؤات.. والمستقبل الرقمي

12 نوفمبر 2012
التنبؤ غير مستحيل علمياً، بل يمكن أن يكون علماً قائماً بذاته، ومنشأ ذلك أن تراكم ما يظهر من الناس كفيلٌ بأن يجلعنا نتوقع بعض تصرفاتهم، كما أن المتابعة الحثيثة لما يقوله البعض أو يُفكر يصرّح به يمكن أن يجلعنا نتوقع بعض مواقفهم المستقبلية ولو مع نسبة من الخطأ. إن طيفاً واسعاً من العلاقات البشرية قائم على هذا الأساس، بوسعك مثلاً أن تتوقع إلى حد ما تصرفات صديق حميم أو جار أو قريب لك في مسألة شائكة إذا كنت تعرفه حق المعرفة. وبوسع الأم أن تتوقع تصرفات أبنائها الصغار وردات فعلهم في العديد من الأمور ولدرجة تبدو مفاجئة أحياناً، ويمكن للأب ذلك ولكن بدرجة تتبع مستوى علاقة الأبوة الفعلية، أي درجة المعرفة المتراكمة الناشئة عن هذه العلاقة. إن كل ذلك يستند إلى معطيات متراكمة ولا يعتبر معجزة بدليل نسبة الخطأ الواردة دائماً. إن درجة الصواب تكبر كلما استندت المعرفة إلى بيانات أكثر. في مجتمعاتنا ثمة عاطفة زائدة تشوّش على الكثير من توقعاتنا لتصرفات الآخرين ومعرفتنا لهم، خاصة وأنها تنضح بالكثير من التمنيات أحياناً. تأكدت من ذلك عندما لفتني أحد العاملين في الشأن العام إلى أن موقع تويتر «كشف» له معدن الناس او مواقفهم منه، فبات يعرف حقيقة كل منهم «أو نفاقه» في العديد من الشؤون من خلال ما يغرّدون به أو يعيدون تغريده أو يفضلونه على موقع التواصل الاجتماعي و»الثقافي والسياسي» تويتر. كنت أقرأ قبل يومين خبراً علمياً عن معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وكيف أن باحثاً في المعهد يعمل على تطوير نظام يعتمد معادلة رياضية «خوارزمية» يمكن من خلالها أن يتنبأ فعلياً بأهم المواضيع «القادمة» التي تبرز وتلقى رواجاً على موقع تويتر، كما أن هذا النظام قد يصبح «لاحقاً» صالحاً للتطبيق في أسواق الأسهم وأسعار بطاقات السفر وغيرها من «المُتغيرات» الديناميكية. ووفقاً لبيان صادر عن المعهد فإن البروفسور المشارك «ديفارات شاه» يقول إن نموذجه نجح في مرحلته الاختبارية بتوقع اتجاهات التغريد في تويتر بنسبة 95% قبل ساعات من ظهورها في لائحة أهم مواضيع الموقع. قبل فترة ظهرت تقارير غربية عديدة عن مشاريع تعاون بين بعض من أهم شركات المعلوماتية ومحركات البحث من جهة وبعض أجهزة المخابرات من جهة ثانية بشأن بناء نظم لمتابعة ودراسة وتحليل ملفات الأشخاص والجماعات من خلال كتاباتهم وبياناتهم التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت عامة، وهي تستهدف بشكل أساسي الأشخاص المحتمل ميلهم للعنف أو الإرهاب، وذلك بهدف استباق تصرفاتهم وعملياتهم التفجيرية.. وأظن لأهداف أخرى عديدة، منها القدرة على التحكّم بردود فعل هؤلاء ومن يمثّلون، وربما جعلهم «مواضيع» اختبار نظريات جديدة في علم النفس والسلوك والتحكم بالبشر. كانت دراسات التحكم في السلوك في الحرب العالمية الثانية وفي فترة الحرب الباردة تعتمد على أدوات تحليل شبه يدوية أو يدوية بالكامل ولكنها استطاعت التحكم و»التلاعب» في كثير من الجماعات وفي العديد من الأحداث. وفي ظل الواقع الرقمي والكميات الهائلة من البيانات المتوافرة ونظم المعلوماتية الرياضية «الخوارزمية» الخارقة، من الطبيعي أن تكون القدرة على مثل هذا التحكم قد تضاعفت مرات ومرات. وفي ضوء تتبع حركة التاريخ المعاصر يمكنني القول بكل ثقة إن مثل هذا التوقع لم يعد «تنبؤاً» بقدر ما هو مُعطى وواقع. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©