الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأب الغائب صورة قاتمة أمام أطفاله المحضونين

الأب الغائب صورة قاتمة أمام أطفاله المحضونين
12 نوفمبر 2012
أبوظبي (الاتحاد) - تعرضت كثير من الدراسات الاجتماعية والسلوكية لتحليل واقع الأطفال المحضونين واحتياجاتهم النفسية والصحية للحد من سلبيات التفكك والانهيار الأسري على نفسية الطفل، وتوعية الوالدين عن كيفية التعامل مع هذه الشريحة من الأطفال بما يحد من انعكاسات التفكك الأسرى عليهم. وتأتي صورة الوالد في ذهن الطفل المتضرر في مقدمة الجوانب الأسرع تأثراً وتأثيراً على حياة الطفل ومستقبله. وهنا تتأتى أهمية موقف الأم من الأب، وتجد نفسها أسيرة أسباب وعوامل ذاتية متضاربة. فماذا تقول للطفل الذي تخلى عنه أبوه ولن يعود؟ إنها مشكلة معقدة تواجه الأمهات أياً كانت أسباب الطلاق أو الهجر، وهي مشكلة غاية في الصعوبة بطبيعة الحال بالنسبة للطفل أيضاً. في دراسة حديثة للدكتور دب هنتلي، أستاذ علم النفس في جامعة أركوزي الأميركية، حول كيفية رد فعل الطفل أثر طلاق والديه، تبين أن: في عمر 2-5 سنوات: عادة ما يظهر الطفل علامات سلوك تراجعية، مثل تبليل الفراش أثناء الليل، أو المعاناة من الكوابيس وقلق النوم والتشتت، أو يكون سريع الانفعال. وفي عمر 6-9 سنوات: يصبح الطفل قادراً على أن يدرك أن شيئا سيئا يحدث، ويعبر عن أحاسيسه بالغضب، أو بالتأثير في أداء دروسه المدرسية أو عدم التركيز. فأغلب الظن أن الأم تشعر بالمرارة والحقد على سلوك الأب الذي قاده إلى الطلاق أو الهجر. وطبقاً لها العذر في أن تكون ثائرة مغتاظة من فشل الأب وعدم اقتناعه ببذل أي محاولة لاستمرار الاتصال بالطفل. أما الطفل فهو - لأنه إنسان - يشتاق إلى حب الأب وحب الأم بالتساوي. صحيح أن الأب غائب، بل ولا يتصل به لكن ذلك يزيد من حنين الابن لرؤية ذلك الأب حتى لدى أولئك الأطفال الذين يوضعون بسبب تخلي آبائهم عنهم في ملاجئ ومؤسسات كفالة ورعاية الأيتام. إن الطفل يبذل كل جهد للتشبث بهذا الاعتقاد، حتى ولو اضطر إلى نسج حكايات من الوهم والأحلام لإثبات هذا الاعتقاد. لكن الذي يحدث في أغلب الأحيان، أن يغلب الطفل على أمره وينتهي به المطاف إلى الاقتناع بأن أباه لم يحمل في نفسه ذرة واحدة من الحب أو الحنان، إما لأن أمه قد أقنعته بذلك، أو لأن أباه نفسه قد قدم الدليل العملي عليه. فلا مفر هنا من حدوث اختلال رهيب في شخصية هذا الطفل، وينتابه شعور عميق بالكره والسخط على هذا الأب، ولهذا تتكون في نفسه عقدة تقلل من ثقته بالناس بصورة عامة، ويصبح موقفه العام من الآخرين موقف التوجس وعدم الثقة، والأكثر خطورة من ذلك هو أنه يحتقر نفسه ويراها غير جديرة بالحنان. خبير الطب النفسي، الدكتور بنيامين سبوك، يقول:» الطفل الذي يغيب عنه أبوه لسبب غير مقنع بالنسبة له، عادة ما يشعر بأن فيه نقصاً أو عيباً أساسياً. إنه لا يصغر في عين نفسه فقط، لكنه يحس بأن نقصاً أساسياً يكمن فيه هو، وأن هناك شيئاً ما موجود عند بقية الأطفال وغير موجود عنده. وكلما كبر فإنه يستمر في شكوكه الحساسة التي تجعله يرتاب فيما إذا كان الناس يحبونه حقاً أم لا مهما يبلغ عدد الذين يحبونه فعلاً في الواقع. وهذا الوسواس يقف كجدار لا يمكن اجتيازه في سبيل علاقاته بأصدقائه وزملائه في العمل ورفاقه في اللعب. أما بالنسبة إلى الأم التي تكون في مثل هذا الموقف، إنها لا تشعر إلا بالاحتقار لهذا لأب، ومع ذلك يجب عليها أن تقدم للطفل صورة عن أبيه من أحسن زاوية ممكنة، يجب أن يكون وصفها له وصفاً جيداً. ويجب عليها أن تضع حبها لطفلها فوق كرهها لأبيه وسخطها عليه. وهذا يتطلب مجهوداً جباراً، قد تكون فوق طاقة الاحتمال، فإذا لم تستطع أن تجد حسنة واحدة تذكرها، ففي استطاعتها إذا شاءت أن تبدأ ذكرياتها وتحكي عن الصفات التي جعلتها تقع في حب الأب وتغرم به في أول الأمر، ثم تذكر بكل أمانة مظاهر حبه لها، فالأم الحاقدة التي تدعي أن زوجها السابق إنما خدعها وغرر بها بحيث جعلها تعتقد أنه ذو صفات حميدة أو أنه يكن لها حباً، تبالغ حتماً في سلامة طويتها ونقاء سريرتها الساذجة لكي تحافظ على شعورها بأنها مظلومة أمام نفسها وأمام غيرها». إن أهم ما يتوجب على الأم هو أن تتحاشى اتهام الأب بأنه في جوهره وأساسه أنه شخص خسيس وأناني لا ينبض قلبه بالحب، وأن تقول ذلك بصيغة إيجابية، فإن ما يحتاج إليه الطفل هو أن يعرف أن أباه له صفات تحبب فيه معظم الناس وأشد ما يحتاج إليه، هو أن يسمع أن أباه أحبه وما زال يحبه. إن الكلمات التي يمكن أن تستعملها الأم ومدى المسيرة التي تبلغها في كل حديث تتوقفان إلى درجة كبيرة على عمر الطفل ونوع الأسئلة التي يسألها، فالأم التي تمتلئ بالغيظ والضيق والاحتقار لهذا الأب الذي لا يهتم بابنه ترى أن بعض هذه العبارات عن مدى حب الأب لابنه، غاية في الكذب وتكاد تكره نفسها لأنها تنطقها. قد يكون ذلك أمراً كريهاً بالفعل، لكن من المؤكد أن هناك عدداً قليلاً جداً من الآباء الذين يفقدون مشاعر الحب والحنان نحو أبنائهم مهما أعلنوا ذلك في لحظات الغضب ومهما فشلوا في التعبير عنها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©