الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إرهاب الطرقات» يدفع الجزائر لاعتماد رخصة سياقة بالنقاط

«إرهاب الطرقات» يدفع الجزائر لاعتماد رخصة سياقة بالنقاط
12 نوفمبر 2012
حسين محمد (الجزائر) - تشهد حوادث المرور تفاقماً كبيراً في السنوات الأخيرة بالجزائر، خاصة في العامين الأخيرين، حيث ارتفعت بشكل مقلق أصبح معه الجميع يدق أجراس الخطر، ويطالب بإيجاد حلولٍ ناجعة تحجِّم هذه الآفة وتخفضها إلى معدلات معقولة. من جهتها، تحركت وزارة النقل وقررت اعتماد طريقة «رخصة السياقة بالتنقيط» بهدف «كبح» جماح السائقين، وإجبارهم على تخفيض السرعة، واحترام قانون المرور لتفادي سحب رخصهم، ما سيسهم في خفض نسبة حوادث المرور. أرقامٌ مقلقة الواقع أن هذه الآفة ليست جديدة بالجزائر، فهي تسجِّل منذ نحو عشريتين تفاقماً ملحوظاً لحوادث المرور التي أصبحت تحصد أكثر من 4 آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين سنوياً، ما دفع الجزائريين في التسعينيات إلى إطلاق وصف «إرهاب الطرقات» عليها، مؤكدين أنه أخطر من الإرهاب المعروف الذي حصد أرواح أزيد من 150 ألف جزائري في 20 سنة. ودفع ذلك السلطات إلى مراجعة قانون المرور مراراً، وكان تعديل عام 2009 أكثر التعديلات صرامة باتجاه السائقين، حيث يفرض غرامات مالية ثقيلة على المخالفين، كما رفع من حالات السحب الفوري لرخصة السياقة إلى 16 حالة، وأدى تطبيقه بشكل صارم في عام 2010 إلى خفض حوادث المرور وضحاياها إلى أدنى درجة؛ إذ انخفض عددُ القتلى من 4300 في 2009 إلى 2994 ضحية في 2010، وعدد الجرحى من نحو 40 ألفاً إلى 26239 جريح، بحسب العقيد الضاوي شنوقة، رئيس سرية أمن الطرقات بالدرك الوطني. وبرغم النتائج الإيجابية لتطبيق قانون 2009، وظهور أثرها في عام 2010، إلا أن بداية ما أطلق عليه «الربيع العربي» في يناير 2011، دفع السلطات إلى التجميد غير المعلن لتطبيقه، قصد شراء السلم الاجتماعي، واستبدلت العقوبات الصارمة بـ»حملات توعية»، وهو ما «أدى إلى تضييع مكاسب عام 2010 خلال سنة 2011»، بحسب الهاشمي بوطالبي، مدير «مركز الأمن والوقاية عبر الطرق». وبالنتيجة، عادت حوادث المرور إلى الارتفاع في عام 2011 وهذا بنسبة 28 بالمائة مقارنة بـ2010 وانتقل عدد القتلى من 2994 إلى 3831 ضحية، ثم ارتفعت الحوادثُ مجدداً بنسبة 12.26 بالمائة في السداسي الأول لعام 2012 مقارنة بنفس الفترة من عام 2011، وسجَّل مقتل 3055 شخصاً في ظرف ستة أشهر ليتجاوز بذلك عددُ قتلى نصف العام الجاري عددَ ضحايا عام 2010 بأكمله، بحسب أرقام القيادة العامة للدرك الجزائري، ما يرشح لارتفاع العدد إلى نحو 6 آلاف ضحية في آخر سنة 2012، وهو «رقم قياسي» لم تسجله الجزائر منذ استقلالها في صيف 1962. السائق المتهم الأول أدى تفاقم حوادث المرور في سنتي 2011 و2012 إلى مطالبة العديد من الأطراف والهيئات إلى العودة مجدداً إلى سياسة الصرامة في تطبيق قانون المرور لعام 2009 والإكثار من تنصيب الرادارات في الطرقات وسحب رخص السياقة من السائقين المتهورين دون هوادة. ويُتهم أصحاب السيارات والمركبات المختلفة، وبخاصة الشبان منهم، بأنهم السبب الأول في حوادث المرور من خلال تهوّرهم وسرعتهم الفائقة وعدم اكتراثهم بحياة الناس، إلى ذلك يقول صالح مالك، عقيدٌ في الدرك الوطني «يُعدّ السائقون الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة أكبر متسبب في حوادث الطرقات، فقد أثبتت إحصائيات الدرك أنهم مسؤولون عن 81.44 بالمائة منها». ودعا مدارسَ تعليم السياقة إلى انتهاج الصرامة في تكوين السائقين وعدم التساهل معهم، لاسيما بعد أن أكدت الإحصائيات أن أغلب الحوادث يرتكبها سائقون جدد حصلوا على رخصهم منذ سنتين إلى 5 سنوات فقط، كما اقترح رفع سن الترشح للحصول على رخصة السياقة إلى 22 سنة على الأقل بدل 18 عاماً، حتى يزداد الشاب وعياً بخطورة السرعة أثناء قيادة سيارته. وتشيع في الجزائر عبارة «رخصة السياقة المضمونة»، وتعني أن المترشح سيتحصل على رخصته بعد أشهر معدودة، مهما كانت ضحالة التكوين الذي يتلقاه مقابل مبلغ مالي يدفعه، وتسعى السلطات إلى مكافحة هذه الطريقة غير الشرعية والتي تفشت في السنوات الأخيرة، وأصبحت أحد مظاهر تفشي الفساد في المجتمع من خلال التشديد على مدارس السياقة. ويعترف محمد عودية، رئيس جمعية مدارس السياقة بالجزائر بـ»وجود» هذه الآفة، ويحمّلها نصيباً من مسؤولية تفاقم الحوادث، ولكنه يرفض التعميم، ويؤكد أن الكثير ممن يتسببون في الحوادث هم سائقون قدماء لهم خبرة ولكنهم متهورون ولا يحترمون السرعة المحددة قانوناً وبعضهم يتحدث بالمحمول أثناء القيادة، وأن هناك أسباباً عديدة لتفاقم الحوادث ومنها الحالة المتردية للطرقات وارتفاع عدد السيارات والمرْكبات لتبلغ 6.2 مليون مع عدم توسِّع شبكة الطرقات، وكذا تردي حالة المرْكبات وكثرة قطع الغيار المغشوشة المستوردة وتفشي استعمالها لرخص أسعارها؛ إلا أن فاروق عاشور، قيادي بـ»الحماية المدنية» يؤكد أن الطرقات عاملٌ ثانوي، فحتى الطريق السيار الذي يمتد من حدود تونس على حدود المغرب على مسافة 1266 كلم، تقع فيه حوادث عديدة يومياً بسبب السرعة المفرطة والتهور في السياقة، ما يعني أنها تبقى السبب الأول للحوادث مهما كانت حالة الطرقات. رخصة بالنقاط إزاء ارتفاع عدد الحوادث وما تخلفه من ضحايا وجرحى ومعاقين وخسائر مادية جسيمة ترهق ميزانية الدولة وشركات التأمين، أعلن وزير النقل عمار تو «العودة إلى تبني الصرامة والعقوبات الردعية بحق السائقين المخالفين لقانون المرور»؛ في إشارة إلى العودة إلى سياسة السحب الفوري لرخص السياقة ولفترات تمتد من شهر إلى عامين بحسب طبيعة المخالفة وخطورتها. إلا أن الوزير لم يكتفِ بذلك، بل أعلن أيضاً التحضير لقانون خاص باعتماد طريقة «رخصة السياقة بالنقاط» للحد من «إرهاب الطرقات». وأكد الوزير أن مرسوم القانون الجديد سيكون جاهزاً قبل نهاية السنة الجارية، وذلك بعد استكمال العديد من التدابير ومنها تحضير بطاقية وطنية لرخص السياقة والبطاقات الرمادية وإدخالها في شبكة الإعلام الآلي لتسهيل تطبيق القانون على الدرك والأمن، فضلاً عن إعداد النصوص التطبيقية للقانون الجديد. وبحسب الوزير عمار تو، فإن رخصة السياقة الجديدة ستتضمن 24 نقطة لكل سائق، وسيفقد منها ما بين 2 إلى 6 نقاط أثناء كل مخالفة جسيمة، قبل سحب الرخصة منه إذا بلغ مجموع مخالفاته 24 نقطة، مع إبقاء خط الرجعة قائماً أمام السائق حيث يمكنه تفادي السحب النهائي لرخصته من خلال استرجاع نصف النقاط الضائعة عن طريق تلقي تكوين متخصص يبرهن خلاله عن استيعابه الدرس وإدراكه لأخطائه القاتلة. وينظر الكثيرُ من الجزائر بتفاؤل إلى مشروع قانون «رخصة السياقة بالنقاط» ويأملون أن يتمكن من تحجيم المخالفات المرورية وكبح تهور السائقين، ومن ثمة تحجيم «مجازر الطرقات»، إلا أن محمد طاطشك، قيادي في الأمن، يرى أن «الجانب الردعي محدودٌ في الزمان والمكان، والضمير يجب أن يكون المراقبَ الأول للسائق، وينبغي السعيُ إلى توعيته وإقناعه بأنه مسؤول عن حياته وحياة الآخرين أيضاً».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©