الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علي البتيري: المثقفون يحتلون المقاعد الخلفية

علي البتيري: المثقفون يحتلون المقاعد الخلفية
20 نوفمبر 2013 20:52
لا أكتب الشعر من أجل الشعر وإنما أوظف موهبتي وتجربتي لخدمة القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وتراوح معظم قصائدي بين همّين: الأول تحرير فلسطين وأي مكان في الوطن العربي تحت الاحتلال في إشارة للجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران. والثاني تحرر الإنسان العربي من القهر والاستبداد والإحساس بالانكسار والهزيمة، لا سيما أن طموحاتنا الوطنية والقومية مهددة على الدوام بالمصادرة وما تحمله العواصف متعددة الجنسيات من شهوة النهب. بهاتين العبارتين استهل الشاعر علي البتيري حديثه لـ”الاتحاد الثقافي” وقال: لا شيء في جعبة الشاعر الملتزم بالقضية سوى قصيدة التحدي للواقع المتردي والمأزوم، بمزيد من المواجهة والمقاومة وتضميد جراح اللغة المستبسلة على جبهة النضال بالكلمة. أعطي قصيدة الطفل أولوية الكتابة بكل أمانة وحرص على توعية الأجيال العربية الجديدة التي نعدها لمستقبل عربي أكثر إشراقاً، وقد ثبت لي بالتجربة أن القصيدة الوطنية الصادقة تؤثر في إدراك الطفل ووجدانه ويمكن أن تتحول لسلاح يشهره في وجوه الجهات التي تستهدف حلمه وأمله ورغبته في التغيير وإصلاح الطريق للمستقبل. وحسب البتيري، فإن معظم شعرائنا اختاروا الجلوس بقصائدهم في المقاعد الخلفية.. يميلون للهتاف والتصفيق لحظة المواجهة ويرفعون قصائدهم كيافطات احتجاج على المباراة والحكم الدولي في أحسن الأحوال. وفيما يلي تفاصيل الحوار: عملية تجميل ? في مغناة “شمسنا لن تغيب” التي تتحدث عن القدس وفلسطين وعرضت قبل أيام هناك مغالطات تاريخية.. ما الذي حصل؟ ?? ما أردت قوله لم أقل حتى ربعه حيث عمد المخرج والملحن على تشويه العمل برمته وتم إقحام سيناريو أعده مخرج العمل دون أن أطلع عليه، في حين قام الملحن بتقطيع اللوحات الغنائية وتقليمها وفقاً للمزاج وليس وفقاً لطبيعة العمل الدرامي. وقد شعرت بالحزن والأسف معا وأنا أشاهد المغناة التي أخضعت لعمليات تجميل مزاجية أدت لتشويه وإنقاص ما أردت قوله وتقديمه، ولم يعد يرضيني فيها إلا بعض الأغاني التي سلمت من التقطيع والتشذيب وتركيب أجزاء فلكلورية دخيلة عليها. ورغم ذلك، فقد عبرت المغناة عن صمود شعبنا وإصراره على تحرير الأرض والحفاظ على القدس عربية إسلامية. المرأة.. الوطن ? المرأة ونضالاتها.. أين موقعها في قصائدك؟ ?? تتداخل صورة المرأة بصورة الوطن في معظم قصائدي وحتى التي تمتلئ بروح المقاومة، أتعامل مع المرأة في أشعاري الوجدانية ككائن جميل له رقة الماء في الغدير وغضبة الماء في النهر المتدفق أو البحر الغاضب. ولا أتعامل مع المرأة كدمية أنيقة المظهر والملامح، وإنما لها عندي مكانة اجتماعية وإنسانية مرموقة لها اعتبارها وكرامتها وحقها في صون روحها وجمالها ومشاعرها من لغة غير نقية أو مفردة شعرية ماجنة. لقد كتبت أكثر من قصيدة وجدانية بلسان المرأة انتصاراً لها وتعبيراً عن حلمها وحبها للحياة حين تكون مع الرجل على قدم المساواة، بعضها حاز جوائز عربية كقصيدة “عد ليّ” و”انتظار الماضي”. القصيدة والذاكرة ? لكل قصيدة مفردة.. فمن أين تستقي مفرداتك؟ ?? أستقي المفردة الشعرية من المخزون الهائل في الذاكرة المتخمة بالقراءات وحين ينحسر تدفق المفردات أعود لقراءة متأنية مستبصرة للقرآن الكريم، إلا أن مفرداتي لا تكون جاهزة للتوظيف في قصيدة ما، إلا بعد أن أغمسها في ينابيع الموسيقى المستوحاة من الطبيعة وأركبها على أجنحة تمكنها من التحليق في فضاء الخيال والمجاز والإيحاء المتكئ على رمزية شفافة، لا تخفى مدلولاتها عن عين القارئ وبصيرته بعيداً عن الطلسمة والإبهام. قراءة العناوين ? بعض النقاد يرون غياب الأطروحات الفكرية والأيديولوجية في بعض قصائدك.. ما ردك؟ ?? ليس من مهمة الشاعر تسخير شعره وتوظيفه توظيفا ذهنيا لصالح أطروحات فكرية وأيدلوجية، فبدلا من الاتكاء التقليدي على أيدلويوجيا بما يحمله هذا الاتكاء من قيود وتحجيم لعملية الإبداع، على الشاعر أن ينطلق من النهج الفكري ليكون معبرا عنه لا داعية له، وإذا كان بعض النقاد لا يرون أطروحات فكرية في قصائدي فهم محقون ما داموا ينظرون لقصائدي من الخارج أو يكتفون بقراءة عناوينها، بدلا من مطالعتها وسبر إيحاءاتها وإيماءاتها بعين نقدية ثاقبة ومتأنية. أعتقد أن الأيديولوجيا يجب أن تكون في خدمة الإبداع وليس العكس. ورغم ذلك، لست على علاقة تصادمية مع النقاد الذين تجاهل عدد منهم تجربتي الشعرية على مدى أكثر من أربعة عقود، لكنني مدين لهؤلاء المتجاهلين وهواة التعتيم بالشكر لأنهم دفعوني لمزيد من التحدي والاجتهاد، والإصرار على تحقيق المزيد من النجاحات التي أصبحت حتى الآن سبع عشرة جائزة أدبية وفنية عربية دون أن تكون هدفا ليّ. جبهة الكتابة ? هذا الحديث يقودنا للسؤال عن الشعر ودوره في المرحلة الحالية؟ ?? أستطيع القول إن شعراءنا في المرحلة الحالية اكتفوا بالسير في آخر الصف لمسيرة أمتنا المتعثرة حيناً والمتقهقرة أحياناً أخرى. ومن المؤسف أن يلهث شعراؤنا خلف الأحداث التي تتجاوزهم أو تسبقهم دون أن يكون لهم دور طليعي في صنعها أو توجيه خط سيرها، حتى لا تدهمهم بكل تبعاتها وأعبائها الثقيلة فيصبحون من ضحاياها.. على الشاعر المحدث أن يتقن ويجيد المرابطة الإبداعية على جبهة الكتابة.. هذه هي الرسالة التي حملها بأمانة رواد الحداثة الشعرية في عالمنا العربي. مناكفة نزار ? حدثت مساجلة شعرية من الراحل نزار قباني ما زالت طي الكتمان.. ماذا جرى؟ ?? لقد نشر نزار قباني قصيدته ذائعة الصيت “هوامش على دفتر النكسة” التي تحوي هجوما شديدا على الأمة العربية والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فمن شدة تأثري بالقصيدة واحتجاجي على مضمونها كتبت ردا عليه بعنوان “إليك يا نزار”، بهدف التخفيف من وقع هزيمة يونيو/ حزيران 67 أقول فيها: يا من على مواء قطة صغيرة شقراء فتحت ألف حانة من المجون في مواهب الأفكار والمعاني كما انتقدته في أكثر من مقالة صحفية بعنوان “انحناءات فكرية في شعر نزار قباني”، ورغم ذلك أثنيت على تسمية شارع في دمشق باسمه، وبالمناسبة كانت القصيدة مفتاح تعارف مع الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني وفتح آفاق جديدة في مشواري الشعري. ? والدك كان شاعراً شعبياً معروفاً.. ماذا أخذت عنه؟ ?? والدي لم يكن شاعرا شعبيا وإنما كان راويا للشعر الشعبي وعاشقا للتراث الفلسطيني لا يكف عن التغني به وحفظ أغانيه ومواويله، حتى أنه كان يقود السامر في أعراس قرية بتير قرب مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، وله تأثير كبير في تكويني الثقافي وخاصة حب الفولكلور الفلسطيني والعربي ونشأة تجربتي الشعرية. وفي هذا الشأن أسوق حديثاً تحداني فيه أثناء كتابة قصيدة جديدة، فقال: أنتم يا شعراء الفصحى هل يستطيع أحدكم أن يأتي بصورة شعرية أجمل: طاحت تسقي الورد عصرية/ فتّح الورد من دون سقية. القصيدة والتجريب ? لك إنجازات معروفة في كتابة القصيدة المغناة فلماذا لم تحترف كتابة الأغنيات؟ ?? أنا لست شاعرا غنائيا ولا أحب أن أكون، لكن اعتنائي بالموسيقى الشعرية والجملة الشعرية القابلة للتلحين والغناء دون قصد جعل بعض الموسيقيين والمطربين أو المنشدين ينتبهون للغنائية في أشعاري، ويطلبون قصائد غنائية باللغة الفصيحة فملت لهذا التجريب على نطاق المشاركة في مهرجانات غنائية، ولم أفكر في أن أكون شاعرا غنائيا حتى لا أحبس تجربتي في زاوية واحدة أو اتجاه فني محدد يستحوذ عليها مصادرا اتساعها وألوانها الأخرى التي أطمع إليها. ومن الجدير ذكره أن البتيري أصدر عشرين ديوان شعر للكبار والصغار، أبرزها “لوحات تحت المطر” و”القدس تقول لكم” و”للنخيل ممر آخر”، و”أتقلد صوتي سيفا” وحاز العديد من الجوائز في مهرجانات عربية ومحلية منها الميكروفون الذهبي والشعر في الأردن ومهرجان القاهرة الدولي للأغنية العربية. ? ?أتعامل مع المرأة في أشعاري الوجدانية ككائن جميل له رقة الماء في الغدير وغضبة الماء في النهر ? ليس من مهمة الشاعر تسخير شعره وتوظيفه توظيفاً ذهنياً لصالح أطروحات فكرية وأيدلوجية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©