الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الأنا» المتعددة والمتحولة

«الأنا» المتعددة والمتحولة
20 نوفمبر 2013 20:35
قدمت فرقة “مسرح أفروديت” بالمغرب مسرحية جديدة ألفها الكاتب والشاعر ووزير الثقافة المغربي السابق محمد الأشعري الذي تُوّج بجائزة البوكر العربية للرواية عن روايته “القوس والفراشة”. يدق محمد الأشعري باب التأليف المسرحي لأول مرة من خلال نصه هذا “أشْكُونْ أنت؟!” (مَنْ أنت؟) ليقف عند التداعيات والمواقف والإسقاطات والسلبيات التي تتركها ممارسة السياسة والسلطة في ذات الإنسان المبدع، ويمكن القول بأن هذا النص المسرحي الذي ألفه الأستاذ الأشعري هو بمثابة سيرة ذاتية للشاعر الذي خبر دهاليز السياسة كمناضل وصل بطموحه إلى درجة وزير للثقافة قبل أن يترك السياسة ليعود إلى العطاء الأدبي. وقد تولت فرقة مسرح “أفروديت” تقديم هذا العمل الذي أخرجه المخرج المغربي عبد المجيد الهواس بطاقم فني مكون من: عبدالحي السغروشني السينوغرافيا وتقنيات الصوت، إدريس الملولي الموسيقى، صفية المعناوي اللباس، نعيمة قريشي الإدريسي التواصل، محمد أمين أيت حمو تقنيات الفيديو. أما أبطال المسرحية فهم: نسرين الراضي، أحمد حمود، محمد أمين بودريقة، محمد الخربوشي. يزاوج الأشعري في نصه المسرحي بين مستويات متعددة في اللغة والتناول، فهو يزاوج بين المونولوغ المسرحي والحوار وبين تماسك بنية النص وتشذره، وهي تقنيات تنزاح بالنص عن خطه وتحيد به عن المستوى الأفقي للتناول. ويقول مخرج المسرحية “إن ما يتيح لنا إمكانات خلق ديناميات متعددة داخل العرض المسرحي وبناء مشاهد متنوعة تستقي قوتها التعبيرية من تعدد هذه المستويات. ليتحول اشتغالنا على النص إلى الاشتغال على وحدات داخل النص كمشاهد تأويلية لمجموع الحالات والمواقف التي يقدمها لنا هذا النص. ولاعتبارات خياراتنا الفنية. فإن الجانب المرئي التشكيلي هو أساسي في صناعة الفرجة يقودنا إلى جعل العرض المسرحي مشروعا سيميائيا مكثفا”. خلال تقديمه لهذا العمل المسرحي، قال المخرج عبد المجيد الهواس “إذا كانت عملية إخراج أي نص مسرحي هي تحقيق هذا العبور من النص الأدبي وتحقيقه فنيا في فرجة مسرحية، فإن عملنا على أي تصور يستند على تطويع مجموع مقومات الفرجة المسرحية لخدمة هذا الهدف. لم يعُد الإخراج المسرحي الحديث مُجرد تحويل لمجموع المادة الأدبية إلى منطوق يمر عبر قناة الممثل ليقدم للجمهور، بقدر ما تتشكل طبيعة هذا التحويل عبر مجموع مكونات الفرجة المسرحية من حيث تصور الفضاء وطبيعة الشخصيات وطريقة لباسها وديناميتها الحركية والتعبيرية”. ويضيف الهواس قائلا إن ما يشكل داخل الفضاء حضورا جماليا وتشكيليا أكيدا يزكيه حضور الإضاءة المسرحية كلغة دراماتورجية تعمق الأجواء النفسية وتستخرج دلالاتها الرمزية. ويتابع: إن رؤيتنا لإخراج هذا العمل المسرحي، تستند على توظيف مجموع هذه المكونات: جسد الممثل كمادة تعبيرية، السينوغرافيا ومقومات الفضاء، اللباس بوظيفته الدلالية والجمالية، الإضاءة وقدرتها التعبيرية، الموسيقى والتوليف الصوتي وهي في مجموعها لغات تخترق البياضات التي يتيحها النص الأدبي إلى درجة أنها توازيه كأدوات تعبيرية تمنحه حضوره المكتمل داخل الفرجة المسرحية. يتقدم إلينا نص الأشعري بسؤال جوهري عبر العنوان: “أشْكُونْ أنت؟!”، سؤال فلسفي وجودي يتمركز حول الهوية. إن سؤال: “من أنت؟” يخفي ضمنيا سؤال “الأنا”؟.. الأنا المتعددة والملتبسة والتي تبرز في شخصية رمسيس. يقدمها لنا الكاتب في طبيعتها المتحولة. إننا أمام رمسيس1 ورمسيس2 وربما هو شخص ثالث. لعبة الأصل والنسخة. إن الصورة وانعكاسها أو انعكاساتها تحوّل هذا السؤال إلى مادة جوهرية لاشتغالنا، فهو يقودنا إلى لعبة المرايا التي تصبح جوهرية في تصميم الفضاء، ومن ثم فإننا نرى في “الانعكاس” الصورة الدفينة للشخصية.. كيف تتمرد الصورة المنعكسة على أصلها؟ من هو الأصل ومن هي النسخة؟ إنها مرايا مخادعة، وهي تقنيا تقودنا إلى خلق بدائل للشخصية يكون حضورها ليس مجرد انعكاس بقدر ما هو حضور فيزيقي للصورة “البديل”. ومن ثم يصبح للصورة المنعكسة قدرتها على التمرد. ويرى مخرج المسرحية إن رؤيتنا لعمل الممثل لا تستند على الاشتغال على البعد السيكولوجي للشخصية كما في المدرسة الطبيعية مثلا بقدر ما يستند على القوة التعبيرية في أدائه، وإلى تقديمه للشخصية بوعي تجريبي يحيّد عنها أي خصوصية محلية، وينفتح عبرها على ما قد يكون كونيا، على أساس أن المؤلف ينطلق مما يبدو محليا بينما في العمق ينشغل بما يهم الإنسانية المعاصرة بعيدا عن حدود جماعة أو وطن. ويضيف الهواس إن إدارتنا للمثل قد تقودنا إلى تصور نمطي للشخصية يجعل باب بنائها مؤسساً لعلامات أدائه دالة تزاوج بين التصور العام للشخصية وطرائقها في التعبير الكوريغرافي انطلاقا من الحالات والمواقف. وبذلك فإن عمل الممثل لا يندرج داخل نسق معين بقدر ما يوظف أنساق متعددة في التناول تمتح من الكوريغرافي والغروتيسكي في استشراف لتوليد التناقضات التي تحياها الشخصية. يبقى المنحى التجريبي أساسياً في تصورنا لإخراج هذا العمل المسرحي لما يمنحه التجريب من إمكانية في مساءلة الأنماط التقليدية في بناء العمل المسرحي، مستندين على أسئلة المسرح المعاصر والإشكاليات الفنية والجمالية التي يطرحها مسرح ما بعد الدراما، على اعتبار أن الكتابة الركحية هي كتابة بصرية أكثر من أن تكون سعيا تأمليا أو ذهنيا. يذكر أن فرقة مسرح “أفروديت” أُسست سنة 1999 من طرف مجموعة من الفنانين خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بعد أن طوروا تجارب مسرحية داخل أهم الفرق المسرحية الاحترافية في المغرب: “مسرح المدينة” و”مسرح اليوم” و”مسرح الشمس”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©