السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اشتراطات الواقع

اشتراطات الواقع
23 نوفمبر 2011 21:11
“حالة المصري.. بشر وبواقي حياة” ديوان جديد للشاعر هيثم دبُّور، صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، يقع الديوان في 180 صفحة من القطع المتوسط، وفيه 72 قصيدة، متراوحة بين الطول والقصر، القصائد كلها مصاحبة بخطوط ولوحات الفنان محمد عبد العال غنيم، الذي صمم أيضًا الغلاف الخارجي للكتاب. تشكِّل القصائد واللوحات المصاحبة لها، حالة فنية متكاملة، فليست اللوحة ترجمة حرفية للقصيدة، بل تكاد تكون تفصيلة فنية وشعورية منها، تأخذ منها وتضيف إليها، بحيث لا تستطيع فصل إحداهما عن الأخرى، وهي حالة نادرة من التكامل الفني، بين نوعين فنيين لكل منهما آلياته وآفاقه. تحمل قصائد الديوان كلها، على تنوعها، مشاعر التوق إلى الحرية، ومحاولة الخروج من اشتراطات الواقع فهي أقرب إلى البوح الإنساني وفيها شجن بشري نبيل، يقترب من حدود الوجودي كفلسفة تحرر: “سيبني أفضفض/ أبدأ أناجي لك همومي/ القمر ده كاس مفضض/ فاضي.. مملي.. ثم فاضي/ كلها أيام بترحل/ وانت راضي”. ذات الشاعر، في هذا الديوان، كما في أغلب عمله الشعري، تندمج في الحياة، وتراقب ولا تشعر بأنها ساكنة في برجها العاجي، ترى الناس والواقع والوقائع من علٍ، بل هي مفردة ضمن مفردات هذا الواقع المعاش الضاغط، الفرق بينها، وبين غيرها، هو في نسبة الوعي بحركة الذات في اتصالها وانفصالها عن محيطها، في توقيت الاقتراب ولحظة الابتعاد. وهو انفصال واتصال يلامس حدود الاغتراب في مجمل القصائد، ليس الاغتراب العدمي، الذي يصدِّر الذات العليا ـ بمفهوم علم نفس الفن ـ بل الاغتراب الواعي بحركة وعجز الفرد في مواجهة مجتمعه، عجزه عن نيل حريته لارتباطه بواقعه، واشتراطاته، ووعيه بحتمية المصير البشري: “ومين حتى قبله/ قدر بس ياخد زمانّا وزمانه/ ماهي الدنيا سايرة وهتاخد مكانك/ كما كان في مثلك بتاخد مكانه/ وكله بأوانه”. إن محاولة تحميل هذا الشعر، بحمولة سياسية مباشرة، تقترب من ابتذاله، لأنه شعر، يقبض بنجاح على مادته الخام من المشاعر والأحاسيس والتناقضات، وتبدل المواقف البشرية، والتماس الدفء بالمشاعر الإنسانية المشتركة، إنه يلتمس السياسة في الأشياء البسيطة، ويقترب منها كفعل بشري تنبع خيوطه من احتياجات الإنسان الطبيعية والروحية، لا في الأفكار الكبرى والنظريات . تحتل تفاصيل الحياة وتكرارها، ورتابتها حيزًا كبيرًا، من قلق القصائد، وهي رغم عاديتها، وهذه الكآبة المتضمنة في تواليها دون انقطاع، تشكل مادة للتكامل، تستطيع حساسية الشاعر الموهوب أن تلتقط منها معنى جديدًا للحياة، وفي الحياة، معنى يجعل كل شيء محتملًا، ويكسب العلاقات الإنسانية، مع هذه التفاصيل، دفئًا، يجعل من تجدد الحياة هو الصيرورة الوحيدة، ويحمل نهرها على التجدد دائمًا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©