الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لاتفيا في رحى الأزمة المالية

لاتفيا في رحى الأزمة المالية
23 مارس 2009 01:33
في شهر نوفمبر المنصرم، كتب ديمتري سميرنوف، أستاذ الاقتصاد بإحدى جامعات لاتفيا، مقالا في إحدى الصحف المحلية الكبرى، حذر فيه من أن لاتفيا باتت على وشك انهيار مالي من شأنه أن يجعل منها دولة منافسة لآيسلندا· وبعد مدة قصيرة من نشر المقال، توجهت الشرطة السرية إلى منزله واحتجزته لمدة يومين بتهمة نشر الذعر والقلق وزعزعة نظام لاتفيا المالي والاقتصادي· وفي مكتبه الجامعي البارد -الذي انقطعت عنه التدفئة تقليلا للتكلفة كما يقول- تذكر الأستاذ الجامعي أنه لم يقل سوى أن خزانة البلاد قد أفلست وإنه نصح المواطنين بعدم إيداع أموالهم في البنوك الوطنية· والغريب أن تلك النصيحة كانت سبباً كافياً جداً لاعتقالي والتحقيق معي حتى الآن! ولم يكن المشرعون على استعداد في ذلك الوقت للاعتراف بالسرعة التي تبدلت بها أوضاع لاتفيا المالية والاقتصادية· غير أن حدة الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة متبوعة بارتفاع مديونية الخزانة العامة لصندوق النقد الدولي إلى حوالي 7 مليارات دولار، كلها عوامل ساعدت على تغيير موقف المشرعين· كما تسلمت زمام القيادة في البلاد حكومة جديدة مؤلفة من يمين الوسط، وبدأت العمل من أجل إنقاذ هذه الجمهورية الصغيرة في منطقة البلطيق -لا يتجاوز عدد سكانها 2,3 مليون نسمة- من كارثة مالية اقتصادية يخشى الاتحاد الأوروبي من يزعزع المنطقة بأسرها في وقت قريب جداً· وفي قمة عقدها الاتحاد الأوروبي بمقره في بروكسل استمرت يومي الخميس والجمعة الماضيين، تداول المجتمعون حول ما إذا كان على الاتحاد إنقاذ دوله الأعضاء في شرق القارة من الأزمة المالية التي تورطت فيها أم لا؟ وبعد أن كانت لاتفيا حتى وقت قريب جداً دولة يُشار إليها بالبنان على أنها نموذج يحتذى في النجاح الاقتصادي، تحولت اليوم إلى نموذج لرأسمالية فاشلة يخشى منها، باتت على وشك الانهيار· ومنذ انضمام لاتفيا للاتحاد الأوروبي في عام 2004 فقد حقق اقتصادها نمواً سنوياً ثنائي الرقم، أي يتجاوز الـ10 في المئة· لكنه بدأ يتراجع بمعدل 10,5 في المئة منذ الربع الأخير من عام ·2008 كما يتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 12 في المئة إضافية خلال العام الحالي· وعليه يتوقع أن ترتفع البطالة إلى نسبة 15 في المئة خلال العام نفسه· وفي المقابل انخفضت أسعار العقارات بنسبة 25 في المئة عما كانت عليه من ارتفاع وازدهار، وفقاً لتقديرات ''الدليل العقاري العالمي''· وعلى رغم هذه الحقائق حاول المشرعون التقليل من المخاوف التي تثيرها هذه المؤشرات، وسعوا إلى الحيلولة دون نشر أي معلومات تفيد بأن لاتفيا ماضية نحو الهاوية المالية الاقتصادية نفسها التي انزلقت إليها ايسلندا ثم قريباً جداً ايرلندا· ولهذا السبب فهم يستهدفون أمثال الأستاذ الاقتصادي سميرنوف، ويحاولون تحميلهم مسؤولية نشر القلق والذعر بين المواطنين· ولا تقتصر هذه الإجراءات على الاقتصاديين وحدهم، بل شملت كذلك بعض المغنين والشخصيات العامة التي ليست لها صلة بالتحليل الاقتصادي· فعندما أطلق ''والترز فريدنبرجز'' مغني البوب الشهير نكتة عن أوضاع البنوك في لاتفيا، زارته الشرطة السرية في منزله هو الآخر· وعلى حد قول ''بولز رودسبس'' محرر صحيفة ''دينا'' الرئيسية في البلاد، فإن التراجع الاقتصادي يعد مسألة على درجة عالية من الحساسية· والمعروف عن المجتمع المحلي عدم انفتاحه لمناقشة هذه المسائل بالحرية الكافية التي تتطلبها· بيد أن السخط الشعبي من الطريقة التي عالجت بها الحكومة تأثيرات الأزمة المالية الاقتصادية هذه سجل ارتفاعاً ملحوظاً رغم ذلك· ففي وقت متأخر من العام الماضي، اضطرت الحكومة إلى تأميم بنك ''باريكس'' أكبر البنوك في لاتفيا، بينما استنجدت الحكومة بالحصول على قرض من صندوق النقـــد الدولي· وقد صحبـــت تلك الخطـــوة معهـــا خفضاً بلغت نسبتـــه 15 في المئة من رواتب العاملين في شتى القطاعات المهنية· وقد أرغم تصاعد حملات الاحتجاج الشعبي على هذه الإجراءات، رئيس الوزراء السابق ''إيفارز جودمانيس'' على تقديم استقالته من منصبه الشهر الماضي· وكان موكب احتجاجي مؤلف من 10 آلاف من المشاركين، قد جاب شوارع العاصمة ''ريجا''في يناير المنصرم· وكان سلمياً في بادئ الأمر، إلا إنه تحول إلى موكب عنيف· وفي شهر فبراير الماضي أغلق الفلاحون الطريق الرئيسي المؤدي إلى العاصمة، احتجاجاً على السياسات الزراعية للحكومة· وما يحدث في لاتفيا له انعكاسات وأصداء مشابهة في دول أخرى بشرق أوروبا· وليست الأزمة التي حلت بالمنطقة من جراء تفاقم مشكلة الرهون العقارية المسمومة، ولكنها نتيجة لتراكم الديون الطائلة على الخزانات العامة لغالبية دول المنطقة· وسخرت غالبية تلك الأرصدة المدينة في مشروعات تحسين المؤسسات والبنى التحتية للدول، قبل تأهلها للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي· وعقب التحاقها، تدفقت رؤوس الأموال الأجنبية إلى لاتفيا مثل غيرها من جمهوريات البلطيق الأخرى· ومعها ارتفعت قيمة العقارات وانتعشت أسواق الإسكان· وبالنتيجة شعر المستهلكون المحليون بأن أمامهم فرصا للحصول على الأموال والائتمانات، ما كان ممكناً مجرد الحلم بها أيام العهد الاشتراكي في ظل الاتحاد السوفييتي السابق· وفي مواجهة الأزمة الراهنة، يرى بعض الاقتصاديين، خاصة الذين شبوا في عهد التحول الرأسمالي الجديد، أن السبيل الوحيد لإنقاذ لاتفيا مما هي عليه من كارثة، هو انهيارها مثل ايسلندا، حتى تحاول التعافي بعيداً عن وصفات صندوق النقد الدولي والنهم الرأسمالي الذي دفع بها نحو الهاوية· جيفري وايت -لاتفيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©