الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا بوتين...سقف انتقادات مرتفع

22 نوفمبر 2011 23:08
أثار إعلان بوتين اعتزامه الترشح للرئاسة في 2012 احتجاجاً وغضباً عارمين في وسائل الإعلام الغربية. وقد تراوح الرد الغاضب بين هجمات مباشرة على بوتين نفسه وتقييمات كارثية لآفاق روسيا المستقبلية تحت رئاسة جديدة لبوتين. ولكن لنتأمل بعضاً من أخطر الاتهامات التي توجه لبوتين وبلاده. وتحت الضوء المناسب، سنجد أن روسيا وبوتين يتعرضان لضغوط وانتقادات لا يستحقانها. أولاً، يستهدف المنتقدون بوتين بسبب حالة الاقتصاد الروسي؛ حيث يلاحظ الكثيرون أن الفساد في روسيا مستشر وأن الثروة تتركز في أيدي أقلية محظوظة (وهو أمر صحيح، ولكن المعطيات تشير إلى أن التفاوت من حيث الدخل قد ارتفع أيضاً في الولايات المتحدة وبريطانيا خلال العشرين عاماً الماضية). والواقع أن الفساد يمثل مشكلة في روسيا بالفعل، وقد يستمر في إعاقة نمو اقتصادي واسع؛ ولكن لنستحضر هنا ما ورثه بوتين حين وصل إلى الرئاسة في عام 2000 – التركة الكارثية لعهد يلتسن. ففي عهده، فتحت أوروبا الباب أمام الاقتصاديين الغربيين واتبعت وصفة "العلاج بالصدمة"، التي أوصوا بها لمعالجة مشاكل البلاد الاقتصادية، وبرنامج تقشف يهدف إلى السيطرة على التضخم عبر رفع معدلات الفائدة والضرائب وفرض اقتطاعات كبيرة على البرامج الاجتماعية للدولة. ونتيجة لذلك، انخفض الناتج الداخلي الخام لروسيا للنصف، وارتفعت البطالة، وفشلت التدابير في كبح التضخم. كما قضى الارتفاع المفرط في التضخم على مدخرات ملايين الروس العاديين. وهناك رأي آخر حول الاقتصاد الروسي يعبر عنه "دونالد كندل"، المدير التنفيذي السابق والمساهم في تأسيس شركة بيبسي إذ يقول:"لقد انخرطتُ في التجارة والأعمال في الاتحاد السوفييتي وروسيا منذ 1959، ويمكنني أن أقول إن بوتين قدم أفضل زعامة عرفتها البلاد على الإطلاق. شركة بيبسي سعيدة جداً بكون روسيا أكبر سوق دولية لديها". والواقع أن رواية كندل بشأن الاستثمار الدولي تكررها روايات شركات أخرى مثل جنرال إلكتريك، وسيسكو، ونوكيا، ويونيليفر، وسيمنس، وغيرها. ثانياً، هناك صورة بوتين باعتباره السلطوي الكبير. والأكيد أن بوتين ليس "ديمقراطياً اسكندنافياً"، باستعمال العبارة الشهيرة لصديقي العالم السياسي مايكل ماندلبوم. ولكن مرة أخرى يجب أن نعود إلى عهد يلتسن. ذلك أن النتيجة السياسية لسياساته الاقتصادية السلطوية كانت مأزقاً بين الجهازين التنفيذي والتشريعي أصابت الدولة بالشلل، وبالتالي، فمقارنة مع سجل يلتسن، ألا يمكن النظر إلى بوتين باعتباره قفزة كبيرة إلى الأمام مقارنة مع سلفه، وليس عودة إلى السلطوية؟ ثالثاً، لدينا بوتين القومي المتشدد. فمن جهة، يُنتقد بوتين لشرائه الولاء من الشيشان وجمهوريات أخرى في شمال القوقاز بواسطة دعم سخي. ولكن هل ينبغي التنديد به لأنه حاول الحفاظ على وحدة روسيا وتماسكها؟ ففي النهاية، الولايات المتحدة نفسها خاضت حرباً أهلية دموية من أجل ذلك تحديداً. ومن جهة أخرى، يُنتقد بوتين بشدة عندما يكشف عن مخطط دولي – مثلما حدث عندما اقترح في أكتوبر الماضي إنشاء "منطقة اقتصادية واحدة" تتألف من روسيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان. فقد يكون ذلك غير ممكن، ولكن هل ينبغي ازدراؤه لأنه يسعى إلى تدابير قد تخفف من أزمة اقتصادية عالمية، ولأنه تصور، مثلما قال، "علاقة فعالة بين أوروبا ومنطقة آسيا- المحيط الهادي التي تعرف دينامية كبيرة"؟ ويبقى لديّ سؤالان مزعجان أولهما: ما هي مشكلة الغرب في فهم وجهة نظر روسيا وبوتين؟ الأكيد أن موسكو تشعر بأن لديها أسباباً للقلق بخصوص الطريقة التي تُعامَل بها، ولاسيما بعد أن شعر جورباتشوف بالخيانة من قبل الولايات المتحدة والغرب بعد أن نكثا وعد 1990 بعدم توسيع قواعد "الناتو" إلى الحدود الروسية مقابل موافقة موسكو على إعادة توحيد ألمانيا. يضاف إلى ذلك الجرعة المرة المتمثلة في الدعم الأميركي لـ"الثورات الملونة" في جمهوريات سوفييتية سابقة مثل جورجياً (2003) وأوكرانيا (2004) وقرغيزستان (2005)، وجميعهم جيران مازالت تشعر روسيا بوشائج استراتيجية وعاطفية قوية معهم. أما السؤال المزعج الثاني، فهو كالتالي: لماذا يتم رفع السقف عالياً جداً دائماً بالنسبة لروسيا؟ لقد أشرتُ سابقاً إلى أن الانتقادات بسبب التفاوت في الدخل، يمكن أن توجه أيضاً إلى بلدان غربية. فحسب معطيات الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة لديها معدل أعلى من حيث التفاوت في الدخل مقارنة مع روسيا. ويتمثل مثال آخر على هذه الازدواجية في المعايير في حقيقة أنه رغم زيادة القومية في الصين وسجلها في حقوق الإنسان، فإننا لطالما قبلناها كشريك تجاري. ومن جهة أخرى، فرغم التطمينات المتجددة الأخيرة بشأن قبول روسيا في منظمة التجارة العالمية، فإن بلد بوتين مازال رهينة لدى الكونجرس الأميركي بسبب قانون جاكسون- فانيك. فهذا القانون، الذي يعود إلى زمن الحرب الباردة وبات خارج السياق التاريخي الذي ظهر فيه، كان يحد التجارة الأميركية مع الدول التي كانت تقيد الهجرة حيث فُرض القانون على الاتحاد السوفييتي قبل 37 عاماً كعقاب مفترض بسبب قيود تم إلغاؤها منذ وقت طويل على هجرة اليهود. يجدر بنا أن نفهم التحديات التي تواجهها روسيا، وأن نتحلى بالصبر وضبط النفس في الانتقاد، لأن علاقة جيدة مع روسيا أفضل بكثير بالنسبة للولايات المتحدة والغرب من أي علاقة بديلة. ديفيد سبيدي مدير برنامج "الانخراط العالمي الأميركي" بـ"مجلس كارنيجي للأخلاقيات في الشؤون الدولية" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©