الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمات «الخمير الحمر»... عدالة كمبودية متأخرة

22 نوفمبر 2011 23:08
على بعد بضع ساعات بالسيارة من العاصمة الكمبودية "بنوم بنه"، تعيش "تاينج كيم"، وهي امرأة في الثامنة والخمسين من عمرها أمضت سنوات في العمل كراهبة، في منزل إسمنتي رمادي وسط بلدة هادئة وسط بحر من حقول الأرز. لقد استقرت في "كامبونج تشانج" قبل نحو 30 عاماً حيث تكسب قوت عيشها من الزراعة وبيع الحطب، وتزوجت في 1980، ولكنها تقول إن زوجها تركها عندما علم بماضيها. "تاينج كيم" هي واحدة من آلاف الضحايا الذين رفعوا دعاوى قضائية من أجل إسماع صوتهم في محاكمة ثلاثة زعماء مازالوا على قيد الحياة للخمير الحمر، الحزب الدموي الذي حكم كمبوديا من 1975 إلى 1979، وحاول تحويلها إلى بلد زراعي طوباوي – وقتل خلالها نحو 1?7 مليون شخص- حيث يواجه كل من "نون تشي"، الرجل الثاني في نظام "بول بوت"؛ و"كيو سامبهان"، رئيس الدولة السابق؛ و"إينج ساري"، الذي كان وزيراً للخارجية، جرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجرائم حرب. وعندما بدأت "الغرف الاستثنائية" في محاكم كمبوديا المحاكمة يوم الاثنين الماضي، فقد شكل ذلك المرة الأولى التي يحاكم فيها المجتمع الدولي زعماء كبار من "الخمير الحمر" بسبب نظام التعذيب والتجويع والزواج القسري والإعدام الذي أنشؤوه لأشخاص مثل "تاينج كيم"، و"الغرف" هي عبارة عن محكمة هجينة تضم قضاة كمبوديين ودوليين، وقد أُسست بموجب اتفاقية بين الحكومة الكمبودية والأمم المتحدة. وستشكل المحاكمة واحدةً من أهم القضايا القانونية الدولية منذ 1946 عندما حوكمت القيادة النازية في نورمبورج، وصدرت في حقها أحكام في أقل من عام. غير أن آلة العدالة الدولية تشتغل بوتيرة أبطأ هذه الأيام. فالتنافس بين القوى العظمى والتردد وفر حمايةً فعلية للخمير الحمر من المحاسبة لثلاثة عقود. ومن بين الأطراف التي كانت مترددة، أو معادية صراحة، في مراحل مختلفة هناك الصين، التي تعد الراعي الدولي الأقوى للخمير الحمر، والحكومة الحالية في "بنوم بنه" التي يقودها عضو سابق في الخمير الحمر هو "هون سين". وبعد أن قامت فيتنام بغزو كمبوديا في 1978، دعمت الولايات المتحدة "الخمير الحمر" دبلوماسياً لاعتبارات الحرب الباردة؛ ولكن في التسعينيات، وبعد أن أجرت كمبوديا انتخابات مدعومة من قبل الأمم المتحدة، كانت واشنطن من بين القوى التي دفعت في اتجاه إنشاء المحكمة. وفي هذه الأثناء، توفي العديد من مرتكبي الجرائم الرئيسيين في كمبوديا، ومن بينهم "بول بوت"، زعيم "الخمير الحمر"، الذي نحي من قبل القوات الفيتنامية عام 1979. ومنذ أن شرعت المحكمة في عملها في 2006، أجرت محاكمة واحدة فقط هي محاكمة "داك" الذي كان يرأس سجن "تول سلينج" حيث كانت "الاعترافات" تُنتزع من آلاف المعتقلين قبل أن يُرسلوا للإعدام في الحقول خارج المدينة. وقد أدين "داك" العام الماضي؛ وتم تقصير عقوبة الـ35 عاماً سجناً، التي صدرت في حقه إلى 19 عاماً بسبب الوقت الذي قضاه في السجن قبل المحاكمة، وخلاصة وجدت أنه تعرض للاعتقال بشكل غير قانوني من قبل محكمة عسكرية. غير أن إجراءات المحاكمة شابتها شوائب عدة، ومن ذلك اتهامات بالفساد، وسوء السلوك القضائي، وتدخل الحكومة، وتسريب معلومات سرية. أمور تفسر ربما الشعور المتشكك الذي لمسناه بين مواطنين كمبوديين عاديين خلال زيارة قمنا بها مؤخراً إلى كمبوديا وخصصناها لإجراء حوارات مع ناجين، ونشطاء حقوق الإنسان، ومحامين، وغيرهم. ذلك أننا عندما سألنا "تاينج كيم" حول المحكمة، قالت إنها تشعر بـ"اليأس". والواقع أن قصة اغتصابها من قبل جنود الخمير الحمر عندما كانت تعمل في معسكر للعمل القسري ليست سوى واحدة من آلاف الشهادات التي أدلى بها ناجون وتم جمعها من قبل مركز التوثيق في كمبوديا، ومثلت دليلاً بالنسبة للمحكمة. ولعل ما يغذي مشاعر الارتياب والتشكيك هي جهود الحكومة الكمبودية لإغلاق مزيد من القضايا، رغم أن المدعين العامين قد حددوا مشتبهاً فيهم آخرين ينبغي محاكمتهم؛ حيث تقول الحكومة، التي تُتهم هي نفسها بانتهاكات لحقوق الإنسان، إن إجراء محاكمات إضافية يمكن أن يهدد استقرار بلد خرج للتو من حرب أهلية. غير أن ممثلي المنظمات غير الحكومية يقولون إن ذلك ليس سوى ذريعة بالنسبة لحكومة تضم في عضويتها مسؤولين سابقين في" الخمير الحمر" قد يواجهون أسئلة صعبة في حال تم المضي قدما في النظر في تلك القضايا. وفي هذه الأثناء، يخشى الكثيرون أن يموت المتهمون الذين وصلوا للعقد الثامن من عمرهم قبل أن يتم إحقاق الحق وإنصاف الضحايا، أو أن تمل الدول المانحة من الوتيرة البطيئة للمحاكمة وكلفتها (150 مليون دولار تقريباً حتى الآن). ثم إن المشاحنات تحجب الأهمية الأكبر لعمل المحكمة. ذلك أننا أخيراً بتنا قريبين من تفكير رسمي في المذبحة في كمبوديا التي تعتبر واحدة من أسوأ حالات القتل الجماعي المدعوم من قبل الدولة منذ المحرقة. ولذلك، ينبغي الاستماع إلى ضحايا مثل "تاينج كيم" في المحكمة، ولاسيما أن الكثير من الشباب بدأوا الآن فقط يطلعون على تفاصيل الفظاعات التي وقعت في بلدهم قبل سنوات. كما أن ذلك يزيد من احتمالات تجنب مثل هذه الفظاعات في المستقبل. مايكل أبراموفيتش مدير برنامج الوقاية من الإبادة الجماعية بالمتحف الأميركي للهولوكوست مارك سارنا عضو المجلس الاستشاري للبرنامج وحفيد أحد الناجين من المحرقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©