الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كردستان العراق... ونزيف الحرب السورية

كردستان العراق... ونزيف الحرب السورية
18 نوفمبر 2013 23:47
صوفيا بربراني وميشيل ستيفن أربيل - العراق في منطقة تحاصرها الاضطرابات السياسية من كل حدب وصوب، يشبه الجيب الكردي «بؤرة هدوء في قلب العاصفة». ويشهد إقليم كردستان العراق، الذي يقطنه زهاء أربعة ملايين نسمة، ازدهاراً اقتصادياً، ففي العاصمة إربيل، باتت الشوارع التي تتعرج بين المباني القديمة والتوسعات الحديثة، ومراكز التسوق وناطحات السحاب، أمراً مألوفاً في الوقت الراهن. وعلى رغم ذلك، تجد حكومة إقليم كردستان صورتها الآن كواحة سلام وأمان مهددة بسبب تداعيات أسوأ حرب يشهدها الجوار السوري. وفي الثالث من نوفمبر الجاري، كان مقر الاستخبارات الحكومية في مدينة أكره هدفاً لمحاولة تفجير انتحاري مزدوج، ولكن تم توقيف المهاجمين، وأحدهما سوري والآخر عراقي من أصل عربي، من قبل أجهزة الاستخبارات قبل تنفيذ الهجوم. وفي هجوم سابق، لم يكن المسؤولون محظوظين بدرجة كبيرة، إذ ضربت سلسلة من الانفجارات إربيل في 29 سبتمبر الماضي، وهو ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة العشرات، وكان هذا الهجوم هو الأول من نوعه الذي يضرب المدينة منذ عام 2007. وكانت وراء تنسيق تفجيرات سبتمبر الماضي جماعة دولة العراق والشام الإسلامية التابعة لتنظيم «القاعدة»، في رد على دعم حكومة إقليم كردستان للأكراد السوريين. وعقب وصول القتال الشرس بين المقاتلين الأكراد و«دولة العراق والشام الإسلامية» إلى ذروته في أغسطس الماضي، وبعد أن تداولت تقارير بشأن أعمال قتل جماعية للمدنيين الأكراد، حذر الرئيس الكردي مسعود برزاني من أن كردستان العراق ستسخر جميع قدراتها في الدفاع عن النساء والأطفال والمواطنين الأكراد غرب كردستان. وإضافة إلى هذه التهديدات الأمنية الجديدة، تتعامل حكومة إقليم كردستان أيضاً مع تحول ديموغرافي ضخم على حدودها، إذ دخل المنطقة نحو 235 ألف لاجئ من سوريا، فارين من الصراع الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وحسب رئيس العلاقات الخارجية في الحزب الديمقراطي الكردستاني «هيمين هاورامي»، فقد شهدت منطقة دهوك زيادة بنسبة 15 في المئة في تعداد سكانها في أقل من عام، وهو ما يزيد الضغط على المدارس والمستشفيات والبنية التحتية الحكومية. وأضاف «هاورامي» أن «الميزانية والمقدرات الموجودة لدينا مخصصة لكردستان العراق، وليس لهذا السيل الكبير من اللاجئين». وفي شوارع إربيل باتت لهجة «الكورمانجي» التي يتحدثها أكراد سوريا شائعة بشكل كبير، ويتم بناء مخيمات في ضواحي المدينة بهدف استيعاب العدد المتزايد من السوريين الفارين. وتابع «هاورامي» قائلاً: «إننا نزودهم بالخيم والتعليم والاحتياجات الأساسية التي يحتاجونها كافة»، موضحاً «لدينا التزام إنساني إضافة إلى التزاماتنا القومية والعرقية». واستدرك قائلاً «ولكن هدفنا ليس الإبقاء على اللاجئين إلى الأبد، لأننا لا نرغب في أن تصبح المناطق الكردية في سوريا خالية ويشغلها أناس آخرون». وقد أنفقت حكومة إقليم كردستان ما يربو على 65 مليون دولار لرعاية اللاجئين، ولكن المجتمع الدولي غالباً ما يتغاضى عن أزمة اللاجئين هناك، حسب «هاورامي». ومن جانبه لفت رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، فلاح مصطفى، إلى ضرورة تغيير ذلك، مضيفاً «إن الأمر أصبح يفوق قدراتنا بشكل كبير، ونهيب الآن بالمجتمع الدولي تقديم المساعدة». وفي حين أن التوتر نتيجة تدفق اللاجئين يمكن أن يفضي إلى خلافات بين الأكراد السوريين والعراقيين، إلا أن احتمال حدوث تجانس بين السكان الأكراد يمكن أن يساعد أيضاً في دفع الوحدة الكردية. وتؤكد حكومة إقليم كردستان إنها لن تشق الصف العراقي، وفي هذا السياق قال مصطفى «لن نكون سبباً في تقسيم العراق، فقد التزمنا بنظام فيدرالي ديمقراطي عراقي، ولكن إذ ما تدهورت الأوضاع، فلن نرغب في دفع الثمن إن أخفقت الأطراف الأخرى في تسوية خلافاتها». ولكن يكاد لا يوجد مبرر للتشكك في أن أطرافاً في المناطق الكردية في العراق وسوريا ربما تتجه للتفكير بالانشقاق عن دولها والاتحاد في دولة واحدة، ولاسيما أن النزعة الكردية ليست هي القوة الموحدة كما يميل كثيرون في الغرب للتفكير، وقد سلط الصراع الدائر في سورياً، كذلك الضوء على الانقسامات في أروقة الحركة الكردية. وخير مثال على ذلك، هو حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبر الحزب الكردي الرئيس في سوريا، والذي كثيراً ما يختلف مع نظرائه في العراق. فعلى سبيل المثال، رفض الحزب بوضوح اقتراحات برزاني المتكررة بأن يكون إقليم كردستان العراق أنموذجاً يحتذى لأكراد سوريا. ومن جانبه، قال زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم «إن حكومة إقليم كردستان ليست أنموذجاً للشعب السوري»، مضيفاً «إن أبناء شعب روجافا -الأكراد السوريين ـ يحكمون أنفسهم». ويخشى الحزب الكردي السوري من أن إخوته في العراق يحاولون فرض نموذج سياسي عليه. وعلى رغم أنه لم تكن هناك محاولة صريحة من حكومة إقليم كردستان لفعل ذلك، إلا أنها أرسلت مساعدات عسكرية وإنسانية إلى منطقة الصراع، في خطوة استدعت تشكيك حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يرغب في الهيمنة على المنطقة. ولا يبدو العجز عن إصلاح العلاقات عقبة على طريق توحيد الجبهة الكردية فحسب، وإنما نقطة ضعف أيضاً تستغلها قوى خارجية فاعلة كذلك، ولاسيما أن إقليم كردستان العراق لديه علاقات اقتصادية قوية مع تركيا وإيران. وفي حين تدعم تركيا بعض الجماعات المسلحة التي تمثل تهديداً للأكراد السوريين، تؤازر إيران النظام السوري، بل وتأمل في استعادة سيطرته على المناطق الكردية. وعليه، يبدو ذلك سيناريو خاسراً بالنسبة للأكراد العراقيين، وحكومة إقليم كردستان تنظر ري المسألة من هذه الزاوية. وفي هذا السياق استطرد «هاورامي» قائلاً: «بالطبع، إيران وتركيا جارتان وقوتان إقليميتان، ولكن السياسة الخارجية الكردية تعتمد على الحفاظ على التوازن، وليست جزءاً من تكتلات في الشرق الأوسط». وأضاف «إننا نسعى إلى ما فيه مصلحة الأكراد، وليس مصلحة إيران أو تركيا أو أية دولة أخرى». وعلى رغم أن الحرب تعمق من التصدعات بين الفرقاء السياسيين الأكراد، فإنها لا تؤثر على رغبة حكومة إقليم كردستان في توسيع هامش استقلال كردستان العراقية. ويدرك المسؤولون الأكراد تماماً أن كلاً من الحرب السورية وتداعياتها على العراق المقسم بالفعل يمكن أن تمنحهم فرصة مواتية لتعزيز حالتهم الناشئة وتأكيد أنفسهم كقوة إقليمية قوية. غير أن السلام يمكن أن تبعثره موجات إرهاب وعنف تثيرها عناصر تابعة لـ«القاعدة» في العراق وسوريا، ومن ثم ستشكل المعارك المقبلة ملامح ومسارات مستقبل الأكراد في كلتا الدولتين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©