الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التجربة الإماراتية.. أفقاً للمشروع العربي

30 نوفمبر 2014 22:21
في نهاية ستينيات القرن الماضي، كان السؤال الذي شغل المفكرين والكتاب العرب يتعلق بمستقبل المشروع القومي العربي بعد هزيمة 1967 التي خلفت جروحاً غائرة وعميقة في الوعي العربي. انحسر الأمل بقيام وحدة عربية اندماجية بعد فشل تجربة «الجمهورية العربية المتحدة» (اتحاد مصر وسوريا)، ودخل العرب في نفق قاتم مع احتلال سيناء والجولان، وما بقي من أرض فلسطين. لم يكن أحد يتصور أن الأمل سيأتي من ساحل الخليج العربي الذي قررت الحكومة البريطانية الجلاء عن ساحله، حيث تحكم عائلات أميرية عدة بلداناً تتشابه في تركيبتها البشرية وأوضاعها الاجتماعية ومؤهلاتها الاقتصادية التي بدت أوانها واعدةً ببدايات اكتشاف الثروة النفطية. اختارت بلدان الاستقلال الكامل، في حين أدرك رجل بعيد النظر، حاد الذهن، واسع التجربة، هو حاكم أبوظبي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، أن الكيانات الصغيرة مهما كان حجم ثروتها الطبيعية والمالية تظل محدودة القوة والتأثير، وانتبه مبكراً إلى أن السيادة الشكلية لا تمنح شرعية فعلية في عالم مرغم على الشراكة والتكامل. كان الشيخ زايد، رحمه الله، شديد الاعتزاز بعروبته وتراثه القومي، لا على غرار الزعماء الأيديولوجيين والقادة الحزبيين، بل كان متشبعاً بقيم الأصالة والشرف، مع وعي قوي بطبيعة المرحلة وقواعد العمل السياسي الراهن، ولذا طرح مشروعاً اندماجياً مغايراً لأطروحة الوحدة الفورية الكاملة التي شكلت محور العمل القومي منذ الخمسينيات. اختار الشيخ زايد وإخوانه قادة الاتحاد مسلك الواقعية السياسية والتدرج المرن والتكامل الفعال والتنسيق المثمر، استلهاماً للتجارب الناجحة في العالم التي قامت على التراضي ومنطق المنافع المشتركة، بينما أخفقت كل تجارب الإدماج القسري التي عرفها القرن المنصرم (مثل تجارب الاندماج الفيدرالي في بلدان أوروبا الشرقية والعالم الاشتراكي). وفضلاً عن المكاسب التنموية الهائلة التي يشيد بها العالم جميعاً ولا ينكرها أحد، كان النجاح الأبرز لقادة الاتحاد هو بناء مفهوم المواطنة الإماراتية المتساوية الذي تجذر في الوعي الوطني، وغدا دعامة وطيدة للاتحاد الفريد الذي لم يعد مدار شك أو خوف بعد أن أثبتت الأحداث العاصفة التي مرت بها المنطقة في العقدين الأخيرين قدرته على الصمود والاستمرار. لم يكن الشيخ زايد، رحمه الله، ينظر إلى التجربة الإماراتية في سياقها المحلي الضيق، بل كان يعتبرها نواة لوحدة خليجية بذل الكثير من أجلها، فكان من بناة مجلس التعاون الخليجي، حريصاً على تطوير أدائه ودفع قاطرته الاندماجية، كما كان في الآن ذاته مسكوناً بالهم العربي لا ينفك مشغولا بقضايا الأمة، يبذل كامل جهده لتفعيل العمل العربي المشترك، وتحويل مطلب التضامن العربي إلى حقيقة عينية. بعد عقود ثلاثة من قيام الاتحاد، لا تزال رؤية الشيخ زايد تحكم المشروع الإماراتي في مكوناته المختلفة، ولا يزال المنظور العروبي المنفتح والأصيل، الأفقَ الذي تندرج فيه السياسة الإقليمية لدولة الإمارات التي تؤدي اليوم دوراً فاعلا ومؤثراً في حفظ التضامن العربي، وتكريس مفهوم الأمن القومي المشترك، والدفاع عن قضايا الأمة وعن وحدة وسيادة واستقرار البلدان المهددة بالتفكك والمستهدفة من قوى ونزعات التطرف والتشدد والإرهاب. وفوق ذلك كله، لا يزال المشروع الوحدوي الإماراتي، تجربة ماثلة للعيان مطروحة لبلدان المنطقة، نموذجاً للاحتذاء، ودليلاً على أن العزيمة الصادقة المتسلحة بالحس الاستراتيجي والبصيرة الاستشرافية، قادرة على تحقيق الأحلام البعيدة بانتزاعها من سحر اليوتوبيا إلى حقائق التاريخ. د. السيد ولد أباه * * أستاذ الفلسفة -جامعة نواكشوط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©