الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة في ضريح الألوان

الحياة في ضريح الألوان
8 نوفمبر 2012
إنها محاولة جديدة لاستنهاض المفاهيم والعناصر في الكون عبر عدد من ثنائيات الحياة ومتناقضاتها، وعبر يقيننا بالأشياء من حولنا ومدى ما يعتلج ويتكون في دواخلنا من أسئلة جديدة. ولذا تسمي الفنانة التشكيلية السعودية سيما عبدالحي مجموعة ما تعرضه في معرضها الأخير ـ في الخبر شرق السعودية ـ بـ”ضريح الألوان”، ربما لأنه المقابل/ المعادل الموضوعي لكل تلك التناقضات عبر الزمن في قصة البشرية الطويلة وصراعها التاريخي، ذلك الصراع الذي يحمل إلينا جدليات الخير والشر والنور والظلمة والكذب والصدق والحقيقة والوهم والعذب والمالح والله والشيطان وآدم وحواء إلى آخر تلك الثنائيات المتقابلات المتضادات.. ومن هنا يأتي سؤال التوازن الذي يبحث عنه المرء في مشواره الأبدي، في لحظة بحثه عن الصواب أمام الخطأ ولحظة بحثه عن النور في مقاومة الظلمة ومضيه إلى خلق تصوراته الخاصة عن الوجود والحياة واشتعال الشرارة الأولى في مسيرة اكتشافه للكون وللذات ولما في العالم من أسرار آن له أن يفشيها أو يرتكبها، حتى أنه ليقربها لتصبح بين يديه عبر فنجان قهوة، كما تعبر سيما عبدالحي، ذلك الفنجان الذي يأخذنا إلى تشظيات شكلية جمالية أحيانا ومتباينة وشائكة لكنها تقرأ من خلاله ما يمكن أن يمنحها ما لا يصل به البحث المطلق في العوالم الكبرى، ومما يدخلها في الأبيض والأسود كدال على التمايز وعلى قدرتنا لمعرفة الأشياء وكنهها عن كثب، ومما يجعلنا في احتمالات الخطأ والصواب واليقين والشك وتأثيث ما نعرفه بذلك الفاصل الحاسم بين ثنائيات الأمل واليأس دون أن نسأل: ما مقدار ما نعرفه أمام ما نتكهن به وما نتوقعه. لا تقدم سيما عبدالحي نظريات ولا معلومات علمية مؤكدة بشأن شيء، وإنما تستهدف الفن أولا وهو يفلسف الوجود ويتماهى معه ويحاول أن يفك شفراته العصية ويرشحه للاستمرار في تقويض المفاهيم أو إعادة صياغتها بشكل آخر.. شكل يمثل رؤية الفن تجاه الحياة، تلك التكوينات كانت الأقرب لما تريد الفنانة أن تصل إليه نحونا، الألوان التي تأخذ حيزاً في الحياد بعفويتها وبساطتها التي تشبه أسئلتنا الأولى وتجانسها الذي يبحث فينا عن هدهدة مواجعنا، تلك التي تعنى بالبحث في المصير والألم والشتات وغربة الإنسان في زمن تتراكم تواريخه على كاهله وتمضي قصصه خلال بنائه لتصوراته.. إنه الإنسان الذي يتساءل ويزداد شعوره بالأشياء من حوله، ثم ينسجها بإحساسه الخاص وهذا ما يثير الاهتمام. ولأول وهلة تبدو اللوحات التي علقتها الفنانة متصلة بحبال وتمسك كل لوحة مماسك من الخشب، تحمل إلينا ذلك الغموض الذي يذهب بنا إلى قراءة مفتوحة كلما توغلنا في مفردات اللوحة وقلقها وتعبيرية كل منها ورمزيتها وحوار عناصرها، عبر لغة أو خامات جديدة ولا مألوفة وكولاج وشخوص ومعجونات لونية، ربما هي الأجدى في مثل طرحها حيث يكاد يسود لون على لون آخر ومن ثم يصنع التحول في مكان آخر، وكأنما هي سيرة ذاتية لهذا الصراع لكنها السيرة التي لا تتوعدنا بالإجابات السهلة.. فما نجده من فراغات نسبية أو أشكال في لوحة يتنقل في لوحة أخرى إلى مكان آخر أو يخفي أو كأنما يحذف أو ينزاح، وأحيانا يتوارى خلف الخطوط أو ضربات الفرشاة وكانها مثل صورة فوتوغرافية لا يمكن التقاطها في نفس الوضع مرتين. من هنا كان الغموض هو بحد ذاته مفتاحا لأسرار العمل إذا جاز التعبير، وكانت الحكاية تتصاعد من ضريح لوني لآخر حتى مع تلك التفاحة التي بدت بعيدة عن التجريدي تعيدنا لحكاية آدم وحواء أو حكاية مفتوحة حتى لا نضيق على هذا الأفق ما يحمل من دلالات، لم يكن غموضا عصيا أو معقداً، بل هو من يدعونا لتتبع الأثر، ولسؤالنا أحيانا ماذا يريد هذا العرض سوى إعادة وتجميع أشلاء هذه الذاكرة التي قضى معها الإنسان عمره منذ بدء البشرية. إنها الوثائق والوقائع لكن بلغة الفن وعبر زخم اللوحات والأرضيات الترابية في صالة المعرض، او ما يسميه انتريسكا ثرثرة اللون، وما تسميه سيما عبدالحي في بيانها عن المعرض “الأزل الزمن النهائي ذو الشكل الغامض والمزيج من مادة توزع على شكل خيوط تشبه النسيج وطاقة من هيدروجين وهيليوم”.. تضيف: “كذلك قبل مليار عام، ونظرا لتباعد المجرات عن بعضها حدث الانفجار العظيم فتكوّن الكون وحجمه في المستقبل سيكون أكبر”. كل هذا وغيره من التداعيات بعد آدم وحواء كانت نتيجة لصراعات الإنسان اليوم، كما تعبر سيما في بيان العمل، الصراع الكبير واللامتناهي بين الحب والكره، والوفاء والغدر، والليل والنهار، والنور والظلمة، والجمال والقبح، والذكر والأنثى، والصدق والكذب، والحقيقة والخيال، والموت والحياة، والعذب والمالح، والأسود والأبيض وغيرها الكثير.. لكنها في النهاية تشير إلى أنها لعبة الحياة والأبدية حسب تعبيرها لا يتسلل اليأس ما دام ثمة أمل.. إنها تقول بصوت عال بوسعنا أن نحرك جبالا راسخة ما دمنا نملك إرادة وأملا. العرض الذي أقيم في صالة تراث الصحراء احتوى على عدد كبير من اللوحات وزعت على جدرانه وأرضياته كمدار يحمل أسئلة لا تنتهي...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©