زبائن مختلفون

وقف بائعو الورد عديمو الحيلة أمام ما أصاب العالم بسبب الأزمة المالية العالمية؛ فقد أصبح الجميع بين ليلة وضحاها يسلك الزهد في أمور تعد من الترف وليس لها داع، مقابل ما هو أكثر أولوية؛ فأصاب بائعي الورد الغم والهم، وباتوا يبكون بغزارة حتى جفت ورودهم وأصابهم الصداع فنضبت أفكارهم، ولم يعد لديهم ابتكارات جديدة لباقاتهم؛ جلس البائعون في محلاتهم التي أصبحت خواء كمحيط متجمد خال من كل دفء كان يرافق طالبي الورود وينساب خفية مع لهفتهم لتوصيل ما يشعرون به لمن يحبون بأسرع وقت· لم يبق أمام بائعي الورد سوى اللجوء للسيدة ''أمينة''، التي طالما كانت بمثابة عميدة للمهنة، رغم اعتبار أغلبهم أنها المنافسة الأولى لهم، فهي الأطول خبرة والأكثر منهم حنكة في إدارة الأزمات التي مرت على عمر مهنة بيع الورود في الإقليم· لم يجدوا أمام باب محلها نهرا من الدموع، كما أن البرد في الداخل كان لذيذا وغير قارس كالذي يقبع على جدران محالهم؛ وعندما استقروا في الداخل كانت روائح الورد تجوب المكان برشاقة؛ التفت البائعون لبعضهم بدهشة، فهم يعلمون تماما أن هذا ما تتركه الورود الطازجة، وهو ما لم يروَحوه منذ أن حلت لعنة المال على أوراق الورد الرقيقة· لم يبق بائعو الورد في دهشتهم طويلا، فالسيدة ''أمينة'' صاحبة محل الورد، نظرت إليهم بابتسامتها المعهودة منذ آلاف السنين، وقالت بصوتها المبحوح الذي بدا لهم وكأنه قد اصطدم بجدران كل كهوف الدنيا قبل أن يجد طريقه إلى خارج فمها: سامحوني لن أطيل البقاء معكم، فأنا مشغولة جدا، الطلبات لا تتوقف، يبدو أني سألجأ لمساعدة أحدهم قريبا! نظروا إليها وقد تدلت أغلب شفاههم السفلية حتى كادت أن تلمس الأرض، وهي بالتأكيد غير تلك الأرض التي تقف عليها السيدة ''امينة''· فهمت السيدة ''أمينة'' بسرعة سر ما أصابهم، لم تدعهم يعمهون في ذهولهم طويلا، فسحبت كرسي حيرتهم الساذجة وجلست عليه، ثم قالت، بذات الصوت الذي بدا لهم سابقا: حسنا·· كل ما في الأمر، أن زبائني مختلفون، هم عشاق حقيقيون، استمروا في عاداتهم لأنهم حقيقيون، ولأن الحب في حياتهم أولوية، لا يهمهم شكل الباقات، ولا حجمها، كل ما يهمهم أن يبقى الحب في قلوبهم؛ لا يهم لمن·· ولا يهمهم إن كان الآخر يبادلهم به، المهم أن يبقى