الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلاء العربية

بلاء العربية
6 مارس 2008 03:08
ابتُلِيتِ اللّغةُ العربيّةُ، بفريقين اثنين: فريق يتجاهل قواعدَها ونظامها الاستعماليّ، أو قل: إنّه يجهل ذلك جهْلاً، فيلحن ولا يبالي أن يلحن؛ وفريق آخر يحاول أن يتقعَّر في غير مُتَقَعَّرٍ، فتراه يستعمل ألفاظاً وجُمَلاً من العربيّة يعتقد أنّه بلغ بها الغاية من حيثُ الدّقّةُ النحويّة، فيلحن ويُخطئ·· وأمّا الفريق الثالث فلا يكوّن إلاّ أقلّيّةً قليلة في هذا العهد· ومن الاستعمالات الملحونةِ الشائعة التي تجري على ألسنة ''المتقعّرين'' الإعلاميّين أنّهم يقولون، مثلاً: ''الرَّجُلُ طيِّبُ الذِّكْرِ''، وهم إنّما يريدون: ''الرجُلُ الطيِّبُ الذِّكْرِ''· والذي حملهم على ذلك، فيما يبدو لنا، أنّهم يعتقدون أنّ لفظ ''الطّيّب'' مضافٌ إلى ما بعده، وتقتضي قاعدة المضاف أنّه لا يكون معرَّفاً مع المضاف إليه، فلا يقال: ''الْمَكتَبُ الوزيرِ''؛ فالتبس الأمر عليهم بين الاستعمالين الاِثنين اللذَين ليسا من جنس واحدٍ؛ فلا هذا من ذاك، ولا هذا من ذلك· ولو عادوا إلى استعمالات فصحاءِ العرب لأدركوا أنّهم كثيراً ما يجنحون لاستعمال المثال الأوّل في نماذج معيّنة من كلامهم؛ فذلك قديم في استعمالات اللّغة العربيّة العالية، وأُغْرِيَ به كثير من فطاحل الكتّاب العرب الأقدمين، وهم يعرّفون اللفظين معاً بالألف واللاّم على أساس أنّ الاِسمَ الأوّل صفةٌ مشبَّهة مضافةٌ إلى فاعلها (وليست اسماً عاديّاً من جنس ''الكتاب'')، إذ لا يمتنع أن تُبدلَ هذه العبارةُ فيقال: ''الرجلُ طيّبٌ ذِكْرُه''، كما يقال: ''الرجلُ الحسَنُ الوجهِ''، أو ''الرجل حسنٌ وجهُهُ''، وليس كما يقولون خطأً: ''الرجلُ حسنُ الوجهِ···''، لأنّ الاستعمال الأخير يحتاج إلى خبرٍ يكمّل معناه، فيغتدي الكلام ناقصاً فاسداً، مع أنّه هو المستعمَل لدى متقعّري الإعلاميّين لجهْلهم بوظيفة الصفة المشبّهة (التي هي صفة ثابتة مشتقّة من فعْل لازم، لا صفة حادثة، وهي خاصية اسم الفاعل) في الاستعمال العربيّ الفصيح· ومن تقعُّراتِ بعض الإعلاميّين أيضاً أنّهم يقولون: ''فلانة وزيرُ التربيةِ'' بتذكير لفظ ''وزير''؛ وإنّا لا ندري ما منعهم من تأنيث لفظ ''الوزيرة'' المسكينة فألحقوها بالذكور واستراحوا! ولعلّ ذلك أن يكونَ سلوكاً طبقيّاً رخيصاً يحرّم على المرأة أن تكتسي صفة الوزيرة بهاء التّأنيث، فكأنّ هذه الوظيفة هي للذكور دون الإناث! مع أنّ العربيّة، منذ القِدَم، تقول: الملك والملكة، والأمير والأميرة، والطبيب والطبيبة، والشاعر والشاعرة؛ فكيف تكون المرأة في العربيّة الفصيحة الصحيحة ملكةً وأميرةً ولا تكون وزيرة، إلاّ في هذا الاستعمال الإعلاميّ المعاصر الْمُجْحِف!؟ يبقَى أن ننبّه إلى أنّ مجمع اللّغة الفرنسيّ أنّث الوزيرة منذ زُهاء عشرِ سنوات فقط، بعد أن كان اسمها مذكّراً في استعمالات اللغة الفرنسيّة، فانعكس مبدأُ حقوق المرأة على حقوق النحو، أخيراً! مع ما نعلم بأنّ اللّغات الأجنبية الحيّة لا تكاد تعطي للمرأة حقَّها النحويّ فتلحقها مع الرجل في ضمائر المخاطب المفرد والجمع مثلاً، في حين أنّ العربيّة لا ترضى بأن تُلحق المرأةَ بالرجل إلاّ في المثنى المخاطب وحدَه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©